الأهداف الاستراتيجية والمشاريع
يكتسب الترابط والتكامل بين الاستراتيجية والتكتيك أهمية بالغة، وليس أدل على ذلك من قول المحارب الصيني المشهور صن تزو "تمثل الاستراتيجية التي تفتقر إلى التكتيكات أطول السبل لتحقيق النصر. أما التكتيكات التي لا تتبع استراتيجية محددة، فما هي إلا ضوضاء ما قبل الهزيمة".
فإذا ما أردنا ترجمة هذا القول إلى سيناريو شبيه بما قد يواجه الهيئات والمؤسسات على اختلاف طبيعة عملها، والتي قد تكون لها أهداف استراتيجية واضحة وتم اختيارها بعد دراسة وتحليل، نجد أن أسباباً عدة تكمن وراء فشل هذه الهيئات في تحديد أو اختيار أو إنجاز خطط العمل – أي التكتيكات الواجب القيام بها لتحقيق الخدمات والمنتجات المؤدية إلى النتائج والأهداف الاستراتيجية المحددة مسبقاً.
ومن هذه الأسباب، عدم وجود علاقة واضحة بين خطط العمل والأهداف الاستراتيجية، وعدم تحديد المتطلبات أو النتائج المرجوة من خطة العمل بشكل كامل وصحيح، وعدم وجود ما يكفي من الموارد المالية أو البشرية و/أو غيرها، والخطأ في تحديد حجم الاستثمار الذي يتطلبه تنفيذ خطة العمل، وعدم التمكن من وضع خطة واضحة وشاملة لتنفيذ خطة العمل، وعدم تحديد وتقييم المخاطر السلبية التي قد تتعرض لها خطة العمل وأثرها على النتائج المطلوبة.
يضاف إلى كل ما تقدم الخلافات الداخلية بين الدوائر والأقسام المختلفة التي قد تكون لها علاقة بخطة العمل، والخلافات والنزاعات بين أفراد الفريق المنوط به إنجاز خطة العمل، وعدم تقييم أداء خطة العمل بشكل دوري أو عدم التمكن من الحصول على بيانات يمكن الوثوق بها عن أداء خطة العمل والتغييرات المطلوبة للمحافظة على نجاح خطة العمل، وما إلى ذلك.
ولكن التزام تلك الهيئات بتحقيق أهدافها الاستراتيجية، مهما كلفها الأمر أو طال الزمان، سيؤدي لاحقاً إلى تحقيق الأهداف المنشودة وإن لم يكن بالأسلوب الأمثل.
وفي المقابل، فقد تقرر هيئات ومؤسسات أخرى القيام بمشاريع مختلفة غير آخذة في اعتبارها المنفعة طويلة الأمد أو الأهداف الاستراتيجية لخطط العمل تلك، مكتفية بالتغطية الإعلامية والتظاهر بالنجاح في محاولة لإيهام الآخرين بامتلاكها فرصاً عديدة للنمو وتحقيق الريادة. وأما حقيقة الأمر، فهي لا تعدو كون تلك المشاريع فقاعات هواء ما تلبث أن تختفي منفعتها بعد ظهورها إلى العلن.
وهنا يبرز سؤال ملح: لماذا يكتسب اختيار التكتيكات وربطها مع الأهداف الاستراتيجية كل هذه الأهمية؟ للإجابة عن هذا السؤال، علينا أولاً النظر إلى خطط العمل - التي تمثل تلك التكتيكات - على أنها استثمارات يتم عند إنجازها الحصول على منفعة مادية أو معنوية أو كلتيهما. وأما العرف الذي يحدد الاستثمار الناجح من الفاشل، فهو حجم المنفعة بالنسبة إلى تكلفة ذلك الاستثمار، إذ يزداد نجاحه وجاذبيته بزيادة تلك النسبة.
وبالمقابل، فإن غالبية الاستثمارات ذات المردود المغري هي استثمارات ذات مخاطر عالية، وتعود في غالبيتها إلى الافتراضات التي يتم الأخذ بها في تحديد كيفية إنجاز خطة العمل التي تؤثر في التكلفة الإجمالية للاستثمار. تضاف إلى ذلك أيضاً الافتراضات الخاصة بالنتائج التي سيتم الحصول عليها عند إنجاز خطة العمل، وهو ما يؤثر في المردود المتوقع للاستثمار، أي أن أي اختلاف في التكلفة أو المردود قد يؤدي إلى تحول نجاح تلك الفرصة الاستثمارية إلى فشل، الأمر الذي للأسف لا يظهر غالباً إلا بعد فوات الأوان وبعد أن يتم استهلاك الموارد المالية والبشرية وغيرها مما يتطلبه ذلك الاستثمار.
ولما كان من الطبيعي وجود أكثر من استثمار واحد في الوقت ذاته لدى أي هيئة، فإن الأمر يزداد تعقيداً وصعوبة في ظل تنافس استثمارات عدة فيما بينها على الموارد المحدودة لتلك الهيئة، فضلاً عن إمكانية تداخل نتائج هذه الاستثمارات بحيث يؤثر فشل أحدها في نجاح الآخر.
وقد بدأت الهيئات والمؤسسات على مستوى العالم تتنبه إلى هذا الأمر وتنظر إلى أي استثمار تنوي القيام به، بشكل مباشر أو من خلال توفير التمويل المطلوب له، على أنه مشروع قائم بحد ذاته ويتطلب بيان جميع المراحل التي سيتم من خلالها استهلاك الميزانية المعتمدة لذلك المشروع والمراحل التي سيتم من خلالها استرداد ما تم استثماره والحصول على المنفعة المرجوة من ذلك الاستثمار.
ولكل واحدة من المراحل، يتم تحديد الأعمال والنشاطات الواجب القيام بها والنتائج الواجب الحصول عليها في نهاية تلك المرحلة، حيث تتم دراسة وتحليل ومراجعة تلك النتائج لتقييم أداء الاستثمار، مما قد ينتج عنه أخذ القرار بالاستمرار والانتقال إلى المرحلة التالية، أو إجراء تغييرات فيما تحتويه المراحل المقبلة، وذلك للأخذ بالاعتبار ما استجد من حقائق ومعطيات بالنسبة إلى ما يجب إنجازه أو المردود المتوقع للاستثمار.
وفي بعض الأحيان، قد يتم أخذ القرار بالتوقف عن الاستمرار في إنجاز الاستثمار والقبول بما تم بذله سابقاً والخسارة المؤكدة الناجمة عنه بدلاً من الاستمرار والتعرض لخسائر قد تكون جسيمة. وقد تعود أسباب الفشل إلى انتفاء الحاجة إلى نتائج ذلك الاستثمار، أو ثبات عدم صحة الافتراضات ومخالفتها للواقع، وغير ذلك.