"سَبَعُ سِمَان.."
قال الله تعالي في سورة يوسف عليه السلام آية ?43? (وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون? صدق الله العظيم. لقد مَن الله علينا بنعمة الذهب الأسود وبحكمة ولاة الأمر في عكس ذلك النفط تنمية للوطن والمواطن. ومن خلال مقارنة الأمس باليوم نجد أن الفرق جلي وواضح كالمسافة بين السماء والأرض. وهي رسالة إلى المشككين في حجم المنجز داخليا وخارجيا. المشكلة أن التحدي المقبل يفوق كل المنجز السابق وهي طبيعة الحياة بين الأفراد والأمم فهي سباق دائم. وإذا لم نستمر في الجري كما قال الشيخ محمد بن راشد سواء كنا أسودا أو غزلانا ففي كلتا الحاليتين سننتهي. الأسد عليه الجري للحصول على طعامه وإلا جاع ومات. والغزلان عليها الجري لتفادي أن تصبح طعاما للأسود.
وعودة إلى عنوان المقال والآية الكريمة التي بدأنا بها المقال، ومناسبتها. تأتي هذه الآية كأفضل قاعدة اقتصادية وضعها رب العالمين قبل المنظرين وتتحدث عن منطق الاقتصاد الكلي وهي الدورة الاقتصادية لأي اقتصاد مهما كانت طبيعته سواء كان صناعيا، خدميا، تجاريا، أو حتى زراعيا كما في الآية التي تتحدث عن رؤية العزيز ملك مصر أيام سيدنا يوسف عليه السلام. ومناسبة الحديث عن هذه الآية هي ميزانية الخير التي أعلنت في 18 كانون الأول (ديسمبر) 2006م بفائض يقدر بنحو 265 مليار ريال. وهو أعلى فائض في تاريخ المملكة. وهي أرقام تسيل اللعاب وتجعل الطموح أعلى بكثير من حجم التوقعات. وهو بطبيعة الحال طموح مشروع. وقد اتضح جليا من خلال هذه الميزانية أن التوجه العام يكمن في إكمال بناء البنية التحتية ودعم قطاع التعليم والصحة بشكل واضح من خلال الأرقام وكذلك فيما يخص زيادة الاحتياطيات وإطفاء الحجم الأكبر من الدين العام ليصل إلى معدلات لا تتجاوز 28 في المائة من الناتج المحلي. وهي بكل وضوح صورة بيضاء لوضع اقتصاد ممتاز.
والسؤال الذي يجب ألا يعتبر سابقا لأوانه. نعلم من الناحية الاقتصادية أن أي اقتصاد يمر بدورات ما بين الانتعاش (الحاضر) وما بين الانكماش (حدث في السابق وسيحدث في المستقبل). وهي حقيقة تتعدى النظريات إلى واقع جميع اقتصاديات العالم باختلاف تركيباتها ودرجة الانفتاح أو الحماية. وعليه نعلم أن مدة هذه الدورات ما بين سبع سنوات إلى عشر أو في أفضل الحالات 12 سنة. وهي ما ذكره رب العزة والجلال في الآية 43 من سورة يوسف كما ذكرنا في بداية المقال. وحسب تفسير سيدنا يوسف لرؤية العزيز ملك مصر في منامه فإن السياسة الاقتصادية تتطلب أن يكون الإنفاق في حالة الانتعاش مصحوبا ببرنامج ادخار وذلك كما ورد على لسانه في الآية 46 من السورة نفسها في معرض إجابته على رؤية العزيز بعد أن سئل عن تلك الرؤيا: (يوسف أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وآخر يابسات لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون ?46? قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون ?47? ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون ?48? ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون) ?49?. إذن السؤال هل لدينا أفراد ومجتمع وحكومة برامج ادخار واضحة تساعدنا جميعا على أن تكون حياتنا مستقرة وليست خاضعة لتذبذب بشكل مطرد مع أسعار النفط. في حالة الانتعاش ننتعش وفي حالة الانكماش ننكمش؟ إنني اُذكر الجميع والذكرى تنفع المؤمنين، أنه وفي آخر حالات التراجع الحاد في أسعار النفط مع نهاية القرن الماضي (1998م/1999م)، كانت الحال ضيقه إلى درجة أن الملك عبد الله، حفظه الله، (كان ولي العهد) طالب الجميع بشد الحزام في النفقات. وهي بكل تأكيد كانت في آخر السنوات العجاف ومع قرب بداية السنوات السمان التي نحن الآن في آخرها وحسب بعض الدراسات الدولية التي تتحدث عن بداية استقرار أسعار النفط في عام 2007م، وقد تتراجع بشكل كبير في عام 2009م. ولا ننسى أن التراجع سيكون بسبب عدد من العوامل أولها زيادة الإنتاج خارج منظمة أوبك وبالذات من بحر قزوين ولا ننسى العراق الذي وبحكم الاحتلال الأمريكي فإن القرار العراقي في هذا الشأن لن يكون مستقلا حتى لو انسحبت القوات الأمريكية وبالتالي قد لا يعود العراق إلى منظمة أوبك حتى في حالة استقراره التام وبداية عملية التنمية فيه.
آمل ألا ينظر إلى هذا الكلام على أنه منطق متشائم أو ليس وقته، أعتقد أننا, ولله الحمد والمنة, لدينا الرغبة في خلق تنمية مستدامة وليست خاضعة كما قلنا للتقلبات، كذلك لدينا الرؤية في تحقيق نمو أكثر لا يعتمد على الموارد النفطية. وكل المطلوب من الجميع دون استثناء الإخلاص والعمل بروح الفريق وليس بروح الأنا من قبل المسؤولين لتحقيق تلك الأهداف وهي ليست مستحيلة إذا ما خلصت النوايا. ولدينا تجارب قريبة وبعيدة تؤكد إمكانية تحقيق الأهداف لأنفسنا ولأجيالنا المقبلة التي قد لا تتمكن من الاستفادة من الثروة النفطية إما بسبب نضوبها وإما بسبب عدم الحاجة إليها لأن هناك بدائل أخرى غير النفط أصبحت متوافرة وهو ما تعمل عليه كل الدول المتقدمة للوصول إلى هذا الهدف وحسب تصريحات رسمية وليست بحوثا ودراسات فقط. وبصراحة عودونا على تحقيق أهدافهم!! كل ما نأمل فيه أن تكون لدينا صورة كاملة للمستقبل غير مجزأة ولا تخضع للتذبذبات. وفي الختام كل عام والجميع بخير وعافية بمناسبة عيد الأضحى تقبل الله من جميع الحجاج صالح الأعمال وأرجعهم إلى ديارهم سالمين.