حوار التعليم.. هل نستفيد منه في إصلاح ما اعوجّ؟!

حرصت على متابعة جلسات مؤتمر الحوار الوطني السادس الأخير، الذي عقد في منطقة الجوف خلال الفترة من السابع إلى التاسع ذو القعدة 1427هـ، وذلك من خلال قناة "الإخبارية" التلفزيونية التي شجعتني وشجعت غيري على المتابعة، بنقلها لوقائع المؤتمر كاملة لأول مرة على الهواء مباشرة، واعترف سلفا أن مداخلتي هذه لن تشكل أكثر من قطرة في بحر التعليم، الذي فاض بحوارات المؤتمر التي لمست أنها كانت تفيض وعيا وإخلاصا ووطنية، وقد أكون متطفلا على الموضوع الذي انبرى له بالتحليل والتعرية النخبة من رجال التعليم وغيرهم من مثقفي الأمة، بيد أنني أجد ما يشفع لي في مداخلتي التعقيبية هذه في كوني من نتاج هذا التعليم، وأب لمن التحقوا به، ومواطن قبل كل شيء، في أن أبدي مطالعاتي، كمراقب ومتتبع، من خلال وقفات أوجزها فيما يأتي من نقاط:
أولا: أشهد بحق أنني شهدت حوارا وطنيا مخلصا بكل ما تعنيه الوطنية والإخلاص، فضلا عن إدارة الحوار بكفاءة عالية تمثلت في حسن استثمار الوقت، واختصار المداخلات وتركيزها على الموضوعات المطروحة للنقاش، كما شهدت تشخيصا محترفا للعلل التي يشكو منها واقع التعليم، ووصفا دقيقا للعلاج، ولو قدر لإدارة المؤتمر والقائمين عليه تلخيص ما دار، بحيث يتم حصر العلل وربط كل علة بما يناسبها من ما طرح من علاج، فإنني متأكد تماما من أننا نستطيع من خلال ذلك تطوير التعليم وتصحيح ما اعتراه من قصور وعلل وأمراض.
ثانيا: رغم أن الحوار كان منقولا على الهواء تلفزيونيا، بالصوت والصورة، فإن ذلك لم يؤثر في طبيعة الطرح، وأسلوب إبداء الآراء، ولم ألمس أن ذلك كان سببا في استعراض مهارات التعبير، أو حب الظهور، أو لفت الأنظار، وهو الأمر الذي يشجع على التوسع في النقل المباشر للندوات والحوارات الأخرى، وأولها جلسات مجلس الشورى، حتى وإن اقتصر الأمر على جلسة واحدة منها أسبوعيا.
ثالثا: إن التعليم هو أهم ما تناولته الحوارات الوطنية، لأنه الذي يحدد مصير الأمة ومستقبلها ومكانتها بين الأمم، وهو الذي يعزا إليه أبرز ما يواجهه المجتمع من مشكلات، بيد أن أهم ما في التعليم، مما طرح، وكله مهم، هو المنهج والمعلم، وإذا استطعنا أن نصلح من شأن هذين الأمرين، فسنجد كثيرا من الأمور الأخرى قد صلحت تلقائيا، فإصلاح المنهج يؤثر في المسار الفكري للطلبة، وإصلاح المعلم يؤثر في تفكيرهم، وإذا صلح الفكر والتفكير صلحت الأمة.
رابعا: في الماضي، قبل ثلاثة عقود وأكثر، لم يكن متاحا للمعلم ما أتيح له الآن، من تأهيل وتخصص وتدريب، ووسائل مساعدة، ورغم ذلك كان أغزر عطاء، وأكثر إخلاصا، وأشد حرصا على مصلحة الطالب، وأعظم هيبة أمامه، وحين انقلبت الأحوال، وسلبت هيبة المعلم، تضاءلت مكانته، وقل، بالتالي، تأثيره في الطالب، تحصيلا وأدبا وسلوكا،!.. وقد حان الوقت وازدادت الحاجة لكي نعيد للمعلم، ذكرا وأنثى، هيبته ومكانته، حتى يستطيع أداء رسالته، قبل أن تسوء الأمور أكثر!..
خامسا: بالنسبة للمنهج، كما وكيفا، فليس ثمة، ما يقال، أو يضاف إلى ما قيل، وهو كثير، وآخره ما كشفه الحوار وغربله، وما وعد به وزير التربية والتعليم في مقابلته الأخيرة في قناة "الإخبارية"!، وما دمنا نعرف الخلل فلماذا الإبطاء في التصحيح؟!، وقد ناءت ظهور أبنائنا بالأثقال، وحشيت رؤسهم بالغث من الأقوال.
سادسا: لا أدري لماذا خطر ببالي، وأنا أشاهد واستمع إلى الحوار، الدور الذي كان يؤديه الإخوة من المعلمين والخبراء التربويين من غير السعوديين، الذين أسهموا في صياغة التعليم منهجا وممارسة وتطبيقا، وتساءلت بيني وبين نفسي، ألم يكن حضور عدد منهم، ولو قليل، سيسهم في طرح رؤية محايدة قد تساعد في إثراء الحوار، وتحديد موقفنا ووجهتنا!، أحسب أن ذلك كان سيفيد، ولو من باب الاعتراف بدورهم.
سابعا: نعلم أن توصيات الحوار قدمت إلى راعي الحوار ومتبنيه، خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وأن الآمال معلقة بما يأمر بتنفيذه، غير أن الوقت مهم في المبادرة إلى التنفيذ، ويكفينا ما مضى من تردد، خسرنا بسببه، ومازلنا نخسر الكثير!
والله من وراء القصد.

كاتب في الشأن العام
فاكس: 4705374

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي