Author

العناصر الأساسية للمفاوضات في عقود التجارة الدولية وعوامل نجاحها

|
تناولت في مقال سابق موضوع ضرورة الاهتمام بالتفاوض في عقود التجارة الدولية في المرحلة المستقبلية، وأوضح في هذا المقال العناصر الأساسية التي تقوم عليها المفاوضات في هذه العقود. إذ لما كانت المفاوضات التي تتم بين طرفي العقد تلعب دوراً مهما في الوقاية من المنازعات التي يمكن أن تحدث بينهما حول تفسيره أو تنفيذه, لذا فإن تحديد العناصر الأساسية التي تقوم عليها المفاوضات يُعد أمراً مهما لنجاح الاستراتيجية التي يضعها الطرفان بإرادتهما الحرة والتي تسعى عادة إلى التوصل إلى حلول وسط ترعى مصالح كل منهما, فيتم طرح مقترحات أو مشروعات صريحة لمناقشتها من أجل التوصل إلى اتفاق مشترك وتقريب وجهات النظر المتقابلة بأسلوب حضاري. وأهم العناصر التي يجب أخذها في الاعتبار من أجل تحقيق الأهداف والغايات التي تسعى المفاوضات إلى تحقيقها: ـ وجود مشكلة أو مصالح متعارضة بين طرفي العقد، مثل سعر البضاعة أو حدوث ظرف طارئ أدى إلى اختلال التوازن بين التزامات الطرفين, بحيث أن تنفيذ العقد في ظل وجود هذه الظروف الجديدة يترتب عليه إلحاق الضرر بأحدهما لا محالة. ـ أن يكون هناك اتصال وتفاعل بين الطرفين, من خلال اللقاءات الشفهية أو تبادل المقترحات حول المسألة موضوع النزاع. ـ أن تتجه النية المشتركة للطرفين إلى التوصل إلى اتفاق أو حل مشترك للمسألة المعروضة. فإذا كان كل طرف يسعى إلى الوصول إلى تحقيق مصلحته الشخصية على حساب مصلحة الطرف الآخر, ومن ثم يحاول بكل ما أوتي من حجج أن يقنع الطرف الثاني بها, إلا أنه لا ينبغي عليه أن يسعى إلى الوصول إلى تحقيق مصلحته بأي ثمن, بل يجب أن يعرض المفاوض مقترحاته بموضوعية وحياد بقدر المستطاع, وذلك أن يضع نفسه مكان من يتفاوض معه, وقديماً قالوا: "ضع نفسك مكان من تعامله؛ فكن بائعاً إذا اشتريت؛ ومشترياً إذا بعت وبذلك تبيع وتشتري بالثمن العدل"؛ أي يجب أن ينظر كل طرف في المفاوضات إلى كل الظروف والمعطيات والنقاط المطروحة للمناقشة والحوار بعيون الطرف الآخر. ـ ضرورة وضع استراتيجية للتفاوض, وهي عبارة عن خطة معدة مستقبلاً تشتمل على الخطوط العريضة للمسائل التي يرغب الطرف في العقد التفاوض بشأنها مع الطرف المقابل, ويُحدد فيها كيفية طرحها وإدارة النقاش وتبادل المقترحات, وافتراض بعض الحلول والمقترحات التي يمكن أن يطرحها الطرف الآخر, وإعداد الرد عليها, ووضع بدائل للطلبات في حالة عدم قبول الطرف الآخر لمقترحات المفاوض. ولا يكفي لنجاح التفاوض أن توضع مثل هذه الاستراتيجية, بل يجب أن تكون مُمكنة التنفيذ, كلياً أو جزئياً, وأن تميل إلى الموضوعية والعدالة, ذلك أن هناك أنواعاً عديدة لاستراتيجيات التفاوض منها: استراتيجية التشدد التي تتضمن آراء متشددة وطلبات لا يمكن التنازل عنها إلا بطريقة تدريجية ومحدودة للغاية, فهذا النوع من الاستراتيجيات يصلح في بعض المفاوضات السياسية لكنه لا ينصح به بالنسبة للمفاوضات في العقود الدولية, لأن طرفي العقد الدولي لا يهمهما فقط إبرام هذا العقد موضوع التفاوض فقط بل يسعى كل منهما إلى المحافظة على العلاقات المستقبلية مع الطرف الآخر, ومن ثم فالانتصار المقتنص لطرف واحد قد يحمل معه بذور نهايته, فقد يؤدي إلى أن يُصبح العقد موضوع التفاوض هو آخر صفقة بين الطرفين. لذا فإن هناك استراتيجية أخرى أقل تشدداً من سابقتها وهي ما تعرف باسم استراتيجية الأخذ والعطاء, أو استراتيجية البقاء والاستمرار, أو التشدد المعتدل, تقوم على إغراء الطرف الآخر بعمل تنازلات من جانبه, ففيها يتعين على صاحبها معرفة الحد الأدنى الذي لا يمكن النزول عنه, وهذا يتطلب معرفة نية الطرف الآخر وحده الأدنى, حتى لو اضطر الأمر إلى النزول عن هذا الحد, فإنه يجب أن يُقابل ذلك تنازل من الطرف الآخر, أي يكون هناك تنازل من جانب صاحب الاستراتيجية وتنازل مقابل حتى يمكن الوصول إلى تسوية أو اتفاق, وهذا هو الأخذ والعطاء المطلوب. وهناك نوع ثالث من الاستراتيجيات يعرف باسم استراتيجية الأمر الواقع, أن يضع المفاوض الطرف الآخر أمام أحد خيارين: إما أن يقبل اقتراحه أو يرفضه دون مناقشة, أي " يترك الكرة في ملعبه" كما يقولون, أي يقول له: الآن "يتوقف الأمر عليك". وهناك ما يعرف باسم "استراتيجية العدالة", التي تقوم على فكرة مثالية, تتمثل في التزام المفاوض بالموضوعية عند عرضه وجهة نظره وعند تقييمه عناصر موقف الطرف الآخر, فلا يتفاوض من مواقف مسبقة لا يُمكن المساس بها, ولكن المفاوض يوازن بين طلباته وطلبات الطرف الآخر, بحيث تتحقق في النهاية المنفعة المشتركة للطرفين, بحيث لا يكون فيها ما يكسبه طرف هو ما يخسره الآخر, وتنتفي معادلة ( الكاسب/ الخاسر). ـ إعداد المفاوض وتأهيله لكي يستطيع القيام بمهمته لمصلحة الطرف الذي يمثله, فليس كل مسؤول أو صاحب مصلحة يستطيع أن يجري تفاوضاً ناجحاً, ولكن قد يكون بعض الأفراد أكثر كفاءة في إدارة الحوار والدفاع عن الفكرة التي يطرحها ويكون لديه من قوة الحجة والقدرة على إقناع الآخرين ما لا يتوافر للكثيرين حتى وإن كانوا يشغلون مناصب قيادية في المؤسسة أو الشركة أو الجهة ذات العلاقة. وعلى ذلك فإن كفاءة المفاوض وخبرته ومؤهلاته الشخصية يكون لها دور مهم في نجاح عملية التفاوض؛ إذ إنها تُعتبر أحد أهم العناصر التي تقوم عليها استراتيجية التفاوض وأحد عوامل نجاحها.
إنشرها