التنميـة.. المفهوم والممارسـة

[email protected]

التنمية مفهوم واسع لما يجب أن تكون عليه عملية التطوير والإصلاح المؤسسي، وتحمل الكثير من المفاهيم التنموية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها من مجالات الحياة، ويخطئ الكثيرون عندما يعتبرون التنمية والنمو شيئا واحدا، لأن النمو يعنى بتوطين الأفراد وإيجاد المرافق والخدمات الضرورية لهم وهي التي تكفلها الحكومات لشعوبها وساكني أراضيها, بينما التنمية تتعامل مع المتغيرات الأساسية لمكونات المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية وغيرها.
إن النمو Growth في المفهوم العمراني يعني السماح بالتوسع والنمو العمراني في مختلف استعمالات الأراضي للمدن والقرى بما يساعد على تشكيل نسيج عمراني واضح وقوي قادر على استقطاب السكان وتوطين فرص العمل من خلال المشاريع القادرة على ذلك، والنمو يساعد متخذي القرار على دعم التنمية المتوازنة والحد من البعثرة العمرانية خصوصاً في التجمعات الصغيرة التي ترهق ميزانيات الحكومة بسبب توفير مختلف الخدمات والمرافق, ويكون استغلال هذه الخدمات والمرافق في أدنى حد له مما يؤثر في استمرارها ودعمها خصوصاً مع التوجه الحالي للحكومة في تفعيل دور القطاع الخاص، ولهذا يرى بعض خبراء التنمية أن الأخذ بمفهوم النمو في بدايات تكوين المدن يكون أمراً ضرورياً حتى تكون تلك المدن قادرة على تشكيل النموذج المدني أو الحضاري لتجمعاتها وتساعد على نجاح برامج التنمية المختلفة بها.
إن ما نراه اليوم في العديد من المناطق والمدن السعودية هو ما يمكن أن يصنف في ظل مفهوم النمو العمراني، لأن العديد من تلك المدن لم يتضح الدور التنموي الاقتصادي لها وإنما وجدت وتكونت وفقاً لنظرية النمو Growth وهذا النمو والتكوين تمثل فيما تم توفيره من خدمات ومرافق لسكان تلك المدن مع وجود بعض المشاريع الاستثمارية التي ساعدت على إيجاد بعض فرص العمل لسكان تلك المدن، إلا أن رؤية وتوجهات المفهوم التنموي أو التنمية Development لم يتم تبنيها حتى الآن وفقاً لما وضع لها من تعريف وأهداف ورؤية.
إن التنمية Development تعني الاستغلال الأمثل والأقصى لما تم توفيره من بنية تحتية وخدمات عامة من خلال استقطاب المشاريع العملاقة أو القيادية القادرة على توطين مشاريع أصغر وفي الوقت نفسه توفر فرص العمل بما يجعل من تلك المشاريع العضيد والمعاون للحكومة في تحقيق برامجها في مختلف مناحي الحياة وبالتالي تتحقق تغيرات في هيكل الاقتصاد.
إن تحديد الدور الوظيفي للمدن والاستفادة من الميزة النسبية لها وللمناطق والمدن والقرى الواقعة فيها أو في نطاقها أصبح أمراً مُلحاً لأن ذلك يساعد على استقطاب المشاريع الرائدة في مجال التنمية، وبنظرة فاحصة سريعة نجد أن العديد من المدن السعودية تعاني إما من ترهل وتضخم في عدد سكانها وهذا العدد الضخم يعتمد في حياته العملية ودخله على العمل الحكومي المباشر نظراً لغياب المشاريع التنموية العملاقة التي توجد فرص العمل لهم، وفي المقابل مازال هناك العديد من المدن التي لم تستطع الوصول بسكانها إلى الحجم الذي يساعد على نجاح توطين تلك المشاريع، ولهذا فإن الأمر يتطلب إعادة النظر في تقييم الواقع والفهم التنموي السائد والمتمثل في أن بعض المدن أو المناطق أخذت نصيبها من التنمية بينما هي في الواقع أخذت نصيبها من النمو فقط ويجب توجيه التنمية لها حتى يتحقق التكامل التنموي بين النمو والتنمية، أما المدن والمناطق التي لم تحصل على نصيبها من النمو فيجب التوجه لها ودعمها بما تحتاج إليه من مرافق وخدمات وإجراء تعديلات على الهيكل الاقتصادي حتى تكون قادرة على استقطاب الاستثمارات التنموية بما يحقق نجاح تلك الاستثمارات وأهدافها التنموية المختلفة.
إن تبني الرؤية التنموية التي تعنى بالأخذ بمفهوم التنمية هو ما نحتاج إليه اليوم في المملكة في العديد من المناطق والمدن، ووفقاً كما أشرت إلى الميزة النسبية لها وبما يتفق مع التوجهات والسياسات التنموية الوطنية المعتمدة، هذه الرؤية التنموية يجب أيضاً أن تتحقق من خلال تكاملها مع ما تم إنجازه من مرافق وخدمات وتراعي المدن القائمة الواقعة في نطاق المشاريع الرائدة أو ذات التأثير المباشر على توطين الاستثمارات وإيجاد فرص العمل.
إن كل منطقة من مناطق المملكة في حاجة ماسة إلى العديد من المشاريع الاقتصادية الرائدة، هذه المشاريع التي يجب أن ترتبط اقتصادياً ومكانياً وتنموياً بالمدن القائمة والموجودة في نطاقها بحيث تحقق مع بعضها البعض التكامل التنموي المتكامل من حيث استغلال الإمكانات والفرص وتوجيهها بما يخدم استقرار المدن والمناطق وازدهارها بشكل خاص والمملكة بشكل عام وبما يضمن تحقيق التنافس التنموي الإيجابي فيما بينها من جهة والمدن في الدول المجاورة من جهة أخرى.
وأخيراً إن الاعتقاد أن بعض المدن أو المناطق في المملكة أخذت نصيبها من التنمية هو اعتقاد يجانب الصواب وجاء نتيجة الربط أو الخلط بين مفهوم النمو Growth والتنمية Development مما سبب لبساً وسوء تقدير أن بعض المدن أو المناطق أخذت نصيبها من التنمية بينما ما زالت بعيدة عن واقع التنمية الحقيقي وإنما تشهد ظواهر نمو فقط قد تكون خادعة.
ولهذا فإننا مطالبون اليوم خصوصاً مع الوفرة المالية الحالية بإعادة دراسة متطلبات مختلف المدن والمناطق من المشاريع الرائدة التي تحقق الأهداف الوطنية في إيجاد فرص عمل لأبناء المملكة من الجنسين، كما أنها تساعد على الاستقرار السكاني وتحد من الهجرة إلى المدن الرئيسة إضافة إلى تأثيرها المباشر وغير المباشر في رفع مستوى التحضر الاجتماعي والأخذ بأسباب الحياة العصرية دون الإخلال بثوابتنا.

وقفة تأمل:
" يوم أنا طالبْ هقيتْ أنَّي عرفتْ
كلِّ ما في الكون من سرِّ الحياة
يوم أنا طالب تحمَّستْ ووعدتْ
أنَّي أصْلِحْ ما تبيَّن لي خطـــــاه
يوم أنا طالب حسبت أني وصلت
أثرني ما دست بالرجل الوطاة
وانتهى ربيع الأحلام وظهرت
أصدم الواقع ويصدمني عطاه".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي