كيف تتخذ قراراً استثماريا رشيدا؟
كثير من المستثمرين ينتابه الكثير من الحيرة بشأن المفاضلة بين الخيارات الاستثمارية المختلفة. وتنبع هذه الحيرة في الغالب من الطريقة التي تصاغ بها الفرصة الاستثمارية أو الطريقة التي يرى بها المستثمر الخيارات المختلفة. والمثال هو خير طريقة لأخذ تصور عن مدى عقلانية القرارات التي نتخذها. الأمثلة التي سأسوقها مأخوذة عن الباحث كينمان تفيسكي ويوضح فيها كيف أن الإنسان في سبيل اتخاذ القرار الأمثل يظل مأسوراً بالغموض الذي تحتويه أو الذي صيغت به المشكلة أمامه ومن ثم يتخذ قرارات غير رشيدة أو بمعنى آخر متناقضة. وعلى سبيل المثال افترض أنك واجهت الخيارين التاليين بشأن القرار الاستثماري التالي:
1 ـ القبول بمكسب مؤكد مقداره 2400 ريال.
2 ـ تحقيق مكسب قدره عشرة آلاف ريال باحتمال قدره 25 في المائة أو عدم تحقيق أية مكاسب باحتمال قدره 75 في المائة.
وافترض أنك واجهت الخيارين التاليين بشأن القرار الاستثماري التالي:
3 ـ خسارة مؤكدة مقدارها 7500 ريال.
4 ـ تحقيق خسارة مقدارها عشرة آلاف ريال باحتمال 75 في المائة، أو عدم تحقيق أية خسارة بمقدار 25 في المائة.
الطريقة التي يتجاوب بها الناس مع هذه الخيارات تخبرنا شيئاً عن الطريقة التي يصيغون بها قراراتهم الاستثمارية. الاختيار رقم 1 بشأن القرار الاستثماري الأول يدل على أن الشخص يحاول تجنب المخاطرة Risk Averse. معظم الناس يجد من الصعوبة بمكان تجنب الخيار الأول (الربح المؤكد) وذلك على الرغم من أن الخيار رقم 2 في القرار الاستثماري الأول يؤدي إلى قيمة متوقعة أعلى (25% X 10000 = 2500 ريال). ولكن ما هو خيارك أنت بالنسبة للقرار الاستثماري الثاني؟ هل ستقبل بالخسارة المؤكدة أم سوف تختار الخيار الثاني وتقبل المخاطرة؟
معظم الناس يختارون الخيار الرابع ويقبلون الدخول في المخاطرة عندما يتعلق الأمر بخسارة مؤكدة من عدمها مما يعني أنهم باحثون عن المخاطرة Risk Seekers. هذا الأمر يتناقض مع ما تقتضيه النظرية التقليدية للاستثمار والتي تفترض أن الناس يتعاملون بالطريقة نفسها مع المكاسب والخسائر. هيرن شيفرن يذكر في كتابه (ما وراء الطمع والخوف) أنه أجرى هذه التجربة على طلبته وكانت النتيجة أن أكثر من 50 في المائة تقريباً اختاروا الخيارين 1 و4 عندما تمت مواجهتهم بكلا القرارين الاستثماريين. عند مقارنة المحصلة النهائية للخيارين 1 و4 مع المحصلة النهائية للخيارين 2 و3 سنجد أن الخيارين 2 و3 يحققان أقل خسارة متوقعه. لتوضيح ذلك نقوم أولاً بحساب القيمة المتوقعة للخيارين 1 و4: 2400 - 75% X 10000 = - 5100. كما نقوم بحساب القيمة المتوقعة للخيارين 2 و3: 10000 X 25 % - 7500 = - 5000. مما يعني أن الخيارين 2 و3 يحققان أقل خسارة ولكن مع ذلك يظهر الناس من خلال تصرفاتهم ميلاً لاختيار الخيارين 1 و4 وكأنهم لا يأبهون بفرق 100 ريال خسارة، ولكن ما السبب في ذلك؟ وما الذي يجعل الناس لا يرون فرق الـ 100 ريال؟ هل أنهم فعلاً لا يأبهون؟ هذا غير منطقي طبعاً لأن المستثمر يسعى بطبيعته إلى تعظيم أرباحه أو تقليل خسائره. يرجع الباحثون السلوكيون ذلك إلى أن الإنسان لا يستطيع اتخاذ قرارات عقلانية إذا صيغت في إطار غامض. مما يعني لنا كممارسين في عالم الاستثمار أن استخدام نظرية السوق الكفء والنماذج المرتكزة عليها كنموذج CAPM أو APT ليس منطقياً ولا يحقق النتائج المثلى بسبب أنها ترتكز على افتراض أساسي وهو عقلانية المستثمر. والحقيقة أن الجدل بين الباحثين في هذا المجال يطول وليس هنا متسع لمناقشته. لكن ما يجب أن يراعيه المستثمر وما يجب أن يعيه ضرورة اختبار الإطار الذي توضع له فيها الفرص الاستثمارية كالاستثمار في صندوق استثماري مثلاُ عندما يقدم نفسه على أنه حقق أفضل الأرباح خلال عام أو عامين من بين صناديق الاستثمار الأخرى. والمهم هنا بالنسبة للمستثمر أن يقوم بمراجعة أرباح الصندوق خلال مختلف الفترات كالشهر الأخير مثلاُ أو الثلاثة أشهر الأخيرة أو الأشهر الستة الأخيرة وهكذا. والسبب في ذلك أن الصندوق الاستثماري عندما يقوم بالترويج لمنجزاته فسوف يقوم باختيار أفضل فترة تم تحقيق أرباح عنها. والأمر ينطبق على جميع القرارات الاستثمارية الأخرى كالاستثمار في الأسهم والعقار وغيرها، فكل فرصة تنطوي عليها فرص للربح والخسارة ولن نستطيع رؤية الفرصة الاستثمارية بشكل واضح ما لم نقم بتقييمها بشكل علمي صحيح.