أحكام المساجد (2)
هنا أحب أن أنبه إلى مسألة وللأسف انتشرت في زماننا وهي بناء المساجد على القبور فقد ثبت في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها: "أن أم سلمة ذكرت للرسول كنيسة رأتها في أرض الحبشة وما فيها من الصور فقال: أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله" وفي الصحيحين عن عائشة قالت: "لما نُزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفها، فقال وهو كذلك: لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" قالها وهو في هذه الحالة الحرجة وهي شدة النزع لشدة اهتمامه واعتنائه بمقام التوحيد والخوف من أن يعبد من دون الله أو يعظم قبره ولم يكن هذا اللعن إلا على سبيل التحذير الشديد لئلا تقع الأمة في شيء من فعل اليهود والنصارى - وإن كان المصلي لا يصلي إلا لله - لأنه ذريعة إلى عبادتها. ومن العجب أن تلحظ فيمن فتنوا بالقبور والصلاة عندها أو الدعاء ما يظهر عليهم من خشوع وخضوع وعبادة لا يفعلونها في بيوت الله ويلهجون بذكر أصحاب القبور أكثر مما يذكرون الله وينفقون نفائس الأموال ولأجل هذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بناء المساجد على القبور أو الصلاة عندها.
قال شيخ الإسلام "وإذا قصد الرجل الصلاة عند القبور متبركا بها فهذا عين المحادة فإن المسلمين قد أجمعوا على ما قد علموه بالاضطرار من دين الرسول، صلى الله عليه وسلم، أن الصلاة عند القبور منهي عنها وأنه لُعن من اتخذها مساجد فمن أعظم المحدثات وأسباب الشرك الصلاة عندها واتخاذها مساجد وبناء المساجد عليها فقد تواترت النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي عن ذلك والتغليظ فيه وقد صرح عامة الطوائف بالنهي عن بناء المساجد عليها متابعة منهم للسنة الصحيحة الصريحة".
إننا نعيش في زمن فتن فيه الكثير بعبادة القبور ظنا منهم في أصحابها القدرة على الشفاعة أو دفع الضر أو رفعه، "ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة"، ولو بقي عمره كله يدعو لما استجاب له "إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير".
فالدعاء من العبادة التي لا تصرف إلا لله "أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء"، ويا عجبا ممن يدعو وليا في قبره أو عبدا لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا كيف لا ورسولنا صلى الله عليه وسلم يقول تعالى بحقه "قل إني لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله" وقال له ربه "ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين". ولك أن تتصور من الشركيات العظام التي تقع عند تلك القبور المزعومة بنفعها من طواف وتمسح وذبح ورفع للحاجيات وإعراض عن رب البريات وسؤال لمخلوق يبرأ الله من فعلهم ولا يسمع دعاءهم ولو سمع ما استجاب لهم فأي ضلال أعظم من هذا الضلال وأي شرك أخطر من هذا الشرك؟ فالله المستعان. نسأل الله أن يرد ضالنا ردا جميلا وإلى الملتقى.