مصير النفط العربي بعد فوز الديمقراطيين في أمريكا

[email protected]

ما أثر سيطرة الديمقراطيين على الكونجرس ومجلس الشيوخ في النفط العربي؟
الجواب: أثر لا يكاد يذكر... إن كان هناك أثر. هذه بعض مسوغات هذا الرأي:
1 - يتمثل الخلاف حول الطاقة في الولايات المتحدة في النزاع بين الولايات المنتجة للطاقة والولايات المستهلكة لها، وليس بين الجمهوريين والديمقراطيين. هذا يعني أن نواب الولايات المنتجة للنفط سيكون لهم الموقف نفسه تجاه صناعة النفط، بغض النظر عن انتمائهم السياسي. المنطق نفسه ينطبق على الولايات المستهلكة للنفط. باختصار، الخلاف حول سياسات الطاقة في الولايات المتحدة داخلي، ويرتبط بعوامل خارجية عندما تؤثر هذه العوامل الخارجية في الأمور الداخلية. لذلك فإن التغيير الأخير في الكونجرس ومجلس الشيوخ لن يؤثر في النفط العربي. إذا نظرنا إلى الخلاف الحالي بين الجمهوريين والديمقراطيين لوجدنا أنه يتركز في الأمور الداخلية التالية:
* الأتاوات التي تحصلها الحكومة الفيدرالية من شركات النفط في خليج المكسيك. ويتوقع أن يقوم الكونجرس الجديد بتغيير عقود الشركات وتحصيل هذه الأتاوات. لكن هذا الموضوع لا يعتبر تغيراً جذرياً, خاصة أن هذه العقود تم توقيعها أو تغييرها عندما كان الديمقراطيون يسيطرون على البيت البيض في عهد الرئيس بيل كلينتون.
* الإعفاءات الضريبية التي تتمتع بها شركات النفط المنتجة في الولايات المتحدة. ويتوقع أن يتم إلغاء بعض هذه الإعفاءات، خاصة أن بعضها تم إقراره في عهد الرئيس كلينتون عندما انخفضت أسعار النفط في عامي 1998 و1999.
* الأرباح الضخمة التي حققتها شركات النفط في العامين الأخيرين، خاصة بعد وصول أسعار البنزين إلى مستويات قياسية. ولكن محاولة الديمقراطيين فرض ضرائب على أرباح الشركات ستؤدي إلى نتائج معاكسة. ففرض هذه الضرائب سيخفض الإنتاج الأمريكي، ويزيد اعتماد الولايات المتحدة على النفط المستورد. في الوقت نفسه لن تحقق الحكومة الفيدرالية أي إيرادات تذكر لسببين، الأول أن أغلب أرباح شركات النفط يأتي من عملياتها خارج الولايات المتحدة، وثانيهما أن الحكومة لن تجني شيئاً إذا انخفضت أسعار النفط إلى 40 دولارا للبرميل. إذا تم فرض هذه الضرائب، فإن من مصلحة الشركات تخفيض الأسعار إلى 40 دولارا للبرميل، حتى لا تدفع الضرائب من جهة، وتضمن استمرار نمو الطلب على النفط من جهة أخرى.
* الإعانات التي تقدمها الحكومة الفيدرالية لمنتجي الطاقة البديلة، خاصة الوقود الحيوي. ولكن لا يتوقع حدوث تغير كبير في هذه السياسات خاصة بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش عن مشروعه الجديد لدعم الوقود الحيوي. رغم ذلك فإن أثر الزيادة في إمدادات الطاقة سيكون بسيطاً، خاصة أن وزارة الطاقة الأمريكية تتوقع أن يكون دور الطاقة البديلة ضعيفاً حتى في عام 2020.
* القوانين البيئية التي تؤثر في صناعة الطاقة بشكل عام، خاصة المتعلقة بالهواء والماء. ولكن الواقع يشير إلى أن أغلب القوانين الجديدة، إن تمت الموافقة عليها، ستحد من إنتاج الطاقة الأمريكي، ولكن لن تحد من الاستهلاك.
* يضيف البعض موضوع التنقيب عن النفط في المحمية الطبيعية في ألاسكا. لكن قانون التنقيب لم تتم الموافقة عليه حتى عندما كان مجلس الشيوخ تحت سيطرة الجمهوريين.
2 - تختفي الفروق تقريباً بين الديمقراطيين والجمهوريين في الشؤون القومية، خاصة فيما يتعلق بالاعتماد على النفط أو استيراده. هذه الفروق تلاشت تماماً في العامين الأخيرين بعد تبني المحافظين الجدد أفكار الديمقراطيين في الطاقة والبيئة. فقد سمعنا الرئيس الأمريكي جورج بوش في الفترات الأخيرة يردد ما قاله المرشح الديمقراطي جون كيري منذ عامين عندما أعلن عن رغبته في إلغاء اعتماد الولايات المتحدة على النفط، وإلغاء اعتماد الولايات المتحدة على النفط العربي. وبغض النظر عن الانتماء السياسي للغالبية في الكونجرس ومجلس الشيوخ خلال الـ 20 سنة الماضية، تم فرض عقوبات اقتصادية على عدد من الدول النفطية. أما احتياطي النفط الاستراتيجي فقد تم رفعه إلى مستوياته القصوى في السنوات الأخيرة التي سيطر فيها الجمهوريون على الكونجرس ومجلس الشيوخ والبيت الأبيض، ولا يتوقع أن تتغير سياسة الاحتياطي الاستراتيجي، لأن السحب من الاحتياطي يتم بأمر رئاسي وليس بأمر من الكونجرس.
3 - سيكون رؤساء كل لجان مجلس الشيوخ والكونجرس المتعلقة بالطاقة والمواصلات من الديمقراطيين المعروفين بتأييدهم لصناعة النفط كونهم كلهم من ولايات نفطية، أو من ولايات غير نفطية، ولكنها منتجة للسيارات.
4 - لن يؤثر إنعاش الديمقراطيين لمشاريع الطاقة النووية في واردات النفط، لأن نحو 97 في المائة من الكهرباء في الولايات المتحدة تولد من الفحم والغاز الطبيعي والطاقة النووية. هذا يعني أن بناء مفاعلات نووية جديدة سيسهم في إحلال الطاقة النووية محل الفحم والغاز اللذين ينتجان محلياً.
5 - رغم فوز الديمقراطيين في الانتخابات، إلا أنه لا يعتبر فوزاً ساحقاً. لن يتمكن الديمقراطيون من إجراء تغييرات كبيرة لأن الرئيس الأمريكي جورج بوش سيستخدم حق الفيتو لإلغاء ما يقره الكونجرس أو مجلس الشيوخ. ولا يمكن لأي من المجلسين إلغاء فيتو الرئيس إلا بتصويت أغلبية الثلثين، وهي غالبية لا تتوافر للديمقراطيين الآن.
6 – خلال الـ 52 سنة الماضية، لم يسيطر الجمهوريون على الكونجرس ومجلس الشيوخ إلا في الـ 12 عاماً الأخيرة. هذا يعني أن العرب تعاملوا مع الديمقراطيين لمدة 40 عاماً تغيرت فيها سياسة الطاقة الأمريكية عدة مرات، وتذبذبت فيها أسعار النفط بشكل كبير. وصلت أسعار النفط إلى مستويات قياسية في عهد الديمقراطيين في أواخر السبعينيات، كما تدنت إلى أقل من عشرة دولارات للبرميل في عهدهم في منتصف الثمانينيات. الأمر نفسه ينطبق على الجمهوريين: انخفضت أسعار النفط خلال سيطرتهم على الكونجرس ومجلس الشيوخ، خاصة في عامي 1998 و1999، وارتفعت الأسعار إلى مستويات قياسية في الصيف الماضي. ولن يمثل نجاح الديمقراطيين تهديداً مباشراً للنفط العربي، لأن كل رؤساء اللجان المتعلقة بالطاقة والمواصلات كانوا رؤساء نفس اللجان في الثمانينيات والتسعينيات

الخلاصة
رغم كل العوامل السياسية والطبيعية، ورغم كل السياسات والتصريحات المعادية للنفط، فإن الذي يتحكم بمستقبل النفط وأسعاره هو قوى السوق. لذلك حتى لو قام الديمقراطيون بتغيير بعض السياسات التي قد تؤثر في النفط، فإن قوى السوق، في النهاية، هي التي ستتحكم في هذه السياسات. فرغم كل السياسات المعادية للنفط خلال العقود الثلاثة الماضية، ورغم وجود وكالة الطاقة الدولية منذ عام 1974، مازال استهلاك الدول الصناعية من النفط يزداد باستمرار، لأن النفط مازال أكثر مصادر الطاقة قدرة على المنافسة حتى الآن.
الواقع يشير إلى أن الديمقراطيين سينشغلون بأمور الطاقة الداخلية وبانتخابات عام 2008. ورغم أنهم سيلقون بتصريحات معادية للنفط هنا وهناك، إلا أن هذا لن يغير من واقع أسواق النفط شيئاً.
إن الاعتقاد بأن الدعم الحكومي للتكنولوجيا البديلة للنفط سيقلل من استخدام النفط في المستقبل لا أساس له، خاصة أن السياسات الحكومية تتغير ولكن قوى السوق لا تتغير. إن شركات النفط العالمية لن تقف مكتوفة الأيدي تنتظر حكم الإعدام عليها من قبل الحكومات أو التكنولوجيا الجديدة. لقد طوّرت هذه الشركات أعقد أنواع التكنولوجيا في العالم دون أي إعانات حكومية، كما تمكّنت من التأقلم مع كل الظروف خلال الـ 150 سنة الماضية، لمن البقاء إذاً؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي