"ليش لابس طاقية..؟!"

[email protected]

النكتة تقول:
كان هناك أسد كلما مر من أمامه القرد استدعاه وقال له: أحضر لي عوداً، فإذا أحضره القرد المسكين، قال الأسد: ليس هذا العود.. ويبادره بصفعة على وجهه ويقول له: "ليش ما أنت لابس طاقية؟"
واستمر الحال على ما هو عليه لسنين، حتى فكر القرد في مخرج من مأزقه مع الأسد، فذهب لاستشارة الثعلب الذي قال له: المسألة في حاجة إلى شيء من التركيز، فعندما يطلب منك تفاحة مثلاً، سَلْه هل تريدها خضراء أم حمراء يا سيدي؟ وهكذا، فتِّح مخك يا عزيزي القرد!
وبعد سماع النصيحة، قرر القرد الأخذ بها، وأثناء مروره أمام الأسد في صباح اليوم التالي ناداه الأسد، وقال: تعال يا قرد! فمشى إليه بخطىً واثقة هذه المرة، وقال: أمرك سيدي! فقال الأسد: أريد أن تحضر لي تفاحة، فسأله القرد: أيريدها سيدي حمراء أم خضراء؟.
فلم ينتظر الأسد طويلاً، وصفع القرد على وجهه على الفور وقال: "أوووووه!... ليش ما أنت لابس طاقية؟"
تذكرني هذه النكتة بحالنا مع ثقافة الحوار مع الآخر والتي استولدنا لها شخصية من صميم ثقافتنا الاجتماعية الإقصائية، وفي ثقافتنا الاجتماعية، إن كانت في محيط البيت والمدرسة والعمل والسكن والشارع والسوق ..إلى آخر القائمة، يجري التصنيف كالتالي:
أنت نشيط...إذاً أنت "مشكلجي"!
أنت مبتسم...إذاً أنت ساذج!
أنت ودود...إذاً أنت "مصلحجي"!
أنت متعاون...إذاً أنت "ملقوف"!
أنت مسالم..إذاً أنت "خوّاف"!
أنت أبيض البشرة...إذاً أنت "أجنبي"!
وهكذا...
والأصوات المتبنية لضرورة إقامة حوار مع الآخر، اختارت النخب ولم تختر رجل الشارع العادي الذي يصنع المعادلة الحقيقية،وإذا كان رجال الشارع "العاديون"، حتى المتعلم منهم، لا يستمع إليك ليتقبلك كما أنت، بل ينصت على مضض لكي يتصيد هفواتٍ ومن ثم ينقلب عليك ليدينك ويعلن انتصاره وفقاً لمعاييره .. ومرحى للاحتفال!
ولو افترضنا أن رجل الشارع "العادي" وصل مرحلة من فهم حقيقي لمعنى الحوار، فهل الآخر المنشود مستعد لهذا؟
بعبارة أخرى: هل تعتقدون أن الأسد في النكتة مستعد لترك القرد وشأنه إن هو لبس طاقية فعلاً؟ أم تراه سيستدعيه ويصفعه ويقول: "ليش ما أنت لابس طاقية خضراء؟"، مثلاً!!
وفي كلتا الحالتين، أعتقد أننا لم نكن موفقين بما يكفي لإعلان أنفسنا كـ "محاورين"، لا في اختيارنا للنخب الثقافية، ولا في إحجامنا عن صناعة رجل شارع يتبنى الحوار ويقبل الآخر "القريب" كما هو! ناهيك عن أن "آخرهم" الذي نسعى إلى التحاور معه هو في واقع الأمر متقمص لشخصية الأسد وسلوكه الاضطهادي سيسأل: لماذا لا تلبسون طاقية الديموقراطية، فإن لبسناها سيسأل: لماذا لا تلبسون طاقية الديموقراطية الزرقاء؟ فإن لبسناها سيسأل: لماذا لا تكتبون عليها " أنا أحب الطواقي!"، فإن كتبناها سيسأل: لماذا لا تجعلون الكتابة باللون الأحمر لكي تبرز بشكل أكبر؟...إلخ!
ويتساءل "نفنف" هنا قائلاً: يا "عمّو"، هل كل هذه التساؤلات من الأسد مصحوبة بصفعٍ أم من غير صفع؟
فأجيبه بعد أن أنعته بـ "المزعج" وأقول: "ليش ما تلبس طاقية وتقوم تذاكر دروسك يا سقيم؟".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي