هزمت شعاراتنا .. أين بداية النجاة؟
هزيمة المبادئ من أقسى الأمور على إنسان يعتنق مبدأ ما، وهزيمة المبدأ تحصل عندما يفشل في تحقيق نجاح على أرض الواقع. المبادئ لا تهزم كنظريات وإنما تهزم في التطبيق العملي. لما هزمت مبادئ الوحدة العربية والفكر الناصري والفكر الاشتراكي ثم حصل سقوط الشيوعية في كل معقل لها، لم تتغير المبادئ، ولا يمكن لأحد أن يقول إن هذه المبادئ اختفت من على وجه الأرض، ولكن ما حصل هو خيبة أمل كبيرة لدى الجماهير المتبعة لهذه المبادئ في تحقيق الأهداف التي وضعتها لنفسها، وما حصل هو انتصار لأعداء تلك المبادئ عندما حققوا غاياتهم من هزيمتها.
هزيمة المبادئ قاسية لأنها تعني انتهاء الأمل لأولئك الذين يحملون المبدأ، وتعني ضياع الهدف، وتعني غياب الوجهة النهائية، كما تعني أن تعيش بلا أحلام وأن تعيش دون أن تتخيل عالما أفضل. عندما تهزم المبادئ فإن هذا يعني أن نتذكر كل يوم أننا آمنا بأفكار وقضايا ووجهات نظر فشلت في النهاية.
في تقديري، كثير من المشكلات التي يعانيها العالم العربي والإسلامي اليوم مرتبط بهزيمة الشعارات التي روجت لتلك المبادئ. لقد هزم الكثير من مبادئ جيل الستينيات والسبعينيات عندما هزمت إسرائيل، الدولة الصغيرة، كل الدول العربية في معركة تلو الأخرى، وعندما كانت تلك المبادئ ممرا للديكتاتوريين والحكومات الفاشلة أن تصل إلى قيادة العالم العربي.
بعد 11 أيلول (سبتمبر)، بدأ الشعور يسيطر قويا على الناس أن شعارات "الصحوة الإسلامية" قد هزمت. آمن جمع كبير من الناس في الثمانينيات والتسعينيات أن الجهاد في أفغانستان و"الثورة الإسلامية" والجماعات والحركات الإسلامية هي الحل لمشكلاتهم، ولكنهم صدموا عندما جاء من اختطف هذه الأفكار، تماما كما اختطفت الأفكار الأخرى من قبل، وحولها إلى عمليات إجرامية، الواحدة بعد الأخرى، وصار العرب والمسلمون متهمين في كل مكان بالهمجية والإرهاب والدموية.
لا علاقة لهذا بالطبع بالإسلام في إطاره الفكري والعقدي، وبالعكس فهناك إقبال أكبر على الالتزام الديني، ولكنني أتحدث هنا عن الإطار السياسي، أو عن الجهود التي تسعى لوضع الأفكار السياسية الخاصة بالإسلام محل التطبيق.
عندما تدخل المنتديات على الإنترنت أو تسمع أحاديث الناس تشعر بقوة أن فقدان البوصلة مسيطر على الناس، أفكار هنا وأفكار هناك، وأناس غاضبون من كل نوع، وصراخ من كل اتجاه، ولكن توجد مجموعات أقل من الناس – مقارنة بالسابق- لديها مبادئ تفصيلية واضحة وأهداف أيديولوجية محددة يسعون وراءها.
أحد الأطر الأيديولوجية التي لقيت أيضا هزيمة في السنوات الأخيرة هو الإطار الديمقراطي، فالأخطاء الهائلة التي حصلت في العراق والتي ارتكبتها الدول الكبرى وفشل التجارب الديمقراطية في عدد من الدول العربية أعطيا للديمقراطية اسما سيئا في أوساطنا وصار المؤمنون بأهمية تطبيق هذه النظم أقل عددا وأخفض صوتا.
وأنا هنا بالإضافة إلى لفت النظر لهذه الظاهرة الجديدة في العالم العربي، وتأكيد أنها في رأيي سبب للكثير من المشكلات التي نعانيها اليوم، فإنني كذلك أرى أن هذه بداية جيدة للعالم العربي !
لقد أسهمت الأطر الأيديولوجية والحركية والسياسية في إيجاد تفرقة واضحة بين مختلف الناس، وعندما تضيف إلى هذا النزعة العاطفية لدينا كعرب، تجد أننا حولنا هذه الأطر إلى لقواعد للصراع الداخلي.
إن البديل الحقيقي لهذه الأطر كلها أن تركز الأمة على أهدافها واحتياجاتها، وأن تعمل متكاتفة على تحقيق هذه الأهداف ضمن الإطار الفكري العام، وهو موجود بالطبع.
عندما يتحول الناس إلى أناس عمليين، يعمل كل منهم كل الوقت لتحقيق أهداف عملية واحدة تصب في مجموعها في مصلحة الوطن والناس، عندما يحصل هذا تشتعل شموع التقدم ويبدأ القطار في الحركة.
أنا حزين على كل أولئك الغاضبين الذين شعروا بوفاة شعاراتهم ويحاولون الانتصار لها في سنواتها الأخيرة، ولكن المبادئ لا تموت ويمكنها أن تبقى إذا تحولت إلى برامج عملية متاحة للجميع، وغير خاصة بفئة أو حزب دون آخر.
العرب يحتاجون إلى أن يخرجوا من مشكلاتهم العويصة، ولن يكون هذا إلا بتركيز يومي دائم عليها بعيدا عن أي اتجاهات عاطفية أو سياسية/ رومانسية لا تسهم في إشعال النار في الزيت. قد يكون هذا هو طوق النجاة!
* رئيس تحرير موقع العربية. نت (alarabiya.net)