أين يكمن قاع سوق الأسهم؟
أنهيت مقالي الأسبوع الماضي بأهم ما يبحث عنه المتداولون الآن ويركزون عليه، وهو أين يكمن قاع السوق؟ لأن تحديد القاع مهم لمعرفة وقت العودة للسوق لمن يرغب ويملك السيولة، كما أنه مهم لمن هو داخل السوق ليعرف إن كان المؤشر وصل إلى قاعه الأدنى (أو قريبا منه) فيحتفظ بأسهمه إن رغب البقاء في السوق، أو إن تراجع المؤشر ولا يزال له بقية فيتخلص من أسهمه الآن ثم يعيد شراءها عند وصول المؤشر إلى قاعه.
هذا هو المهم من الناحية العملية والموضوعية البعيدة عن العواطف الجياشة والأماني العِذاب.أما إضاعة الوقت في تعقب الشائعات، أو تخمين من يقف خلف هذا التراجع الكبير، أو ندب الحظ العاثر وتبادل الشكوى وبث النجوى، فإنه لا يغني ولا يفيد إلا من باب الفضفضة النفسية. أقول ما أقول ليس من باب أنه لا يحق للخاسرين أن يفكروا فيما جرى ويبحثوا عن الأسباب ليستفيدوا ويتعلموا من التجربة الراهنة فيما يخدم مستقبل تعاملهم ويزيد من رصيد خبرتهم في السوق. وإنما لأني موقن أولا أن الاستثمار في أسواق المال، هو نشاط تتناسب أرباحه مع مخاطره تناسبا طرديا. فمن يقبل احتمال الربح العالي عليه أن يقبل في الوقت نفسه احتمال عظم الخسارة أيضا. وموقن ثانيا أن لا جدوى من الشكوى في ظل الوضع القائم، فليس هناك حساب ولا عقاب، لا لمن يجري عمليات من قبيل التدليس، ولا حتى للوسطاء الذين يخونون الأمانة فيعطلون أوامر البيع والشراء لعملائهم من المتداولين.
ونظرا لمخاطر الاستثمار العالية في أسواق المال وطبيعة العمل فيها الذي يميل كثيرا للمجازفة بسبب ارتفاع درجة عدم اليقين فيها عند اتخاذ قرار بالبيع أو الشراء، فإنه لاغنى للمتداول الحصيف من الاعتماد على قواعد التحليل الفني والأساسي المستخدمة في هذه الأسواق. بمعنى آخر أن المجازفة الاعتباطية تزيد من درجة الخطر، بينما يقلل من هذه المخاطر، المجازفة العلمية المدروسة
Educated Guess المبنية على تلك القواعد الفنية والأساسية.
وفي تصوري، أن تلك القواعد قد بينت لمن اعتمد عليها، أن سوقنا أضحت سوقا للمضاربة البحتة منذ انهيار شباط (فبراير) الماضي. وأصبحت أفضل ما يمكن عمله فيها هو المضاربة اليومية. وتزايد هذا الاتجاه منذ أواخر شهر شعبان الماضي واقتراب موعد تداول سهم شركة إعمار في شهر رمضان. بل إن مؤشرات السوق وحركة السيولة وطبيعة التداول، أظهرت منذ منتصف شهر رمضان حتى ما قبل إقفال السوق لإجازة العيد، أن الخروج من السوق قبل بدء الإجازة كان هو التصرف الأضمن.
أسواق المال شديدة الحساسية لعوامل عديدة داخلية وخارجية، وبالفعل فهذه العوامل كانت وما زالت تحيط بالسوق. فالسوق تمر بمرحلة تغيرات تنظيمية (توحيد فترة التداول) وهيكلية (زيادة عدد الشركات والاكتتابات الجديدة) تؤثر في مسارها وتزيد من احتمال تقلباتها، لذا كانت المتابعة اللصيقة مهمة وضرورية.
ومع كل ذلك، فنظرا لطبيعة الصورة العامة لسوق الأسهم في بلدنا ووجود عدد كبير من المتداولين فيها من الأفراد، فإني أرى أن على هيئة سوق المال والسلطات النقدية والمالية مسؤولية مضاعفة، إذ لا بد من رعاية مصالح الناس فهي الهدف في نهاية الأمر. ففرص تحسين الرزق أمام عامة هؤلاء صدت وضاقت، إما بسبب قيود تنظيمية وإدارية (تأشيرات العمل) وإما بسبب مزاحمات من المؤسسات الكبيرة جعلت إمكانية نجاح المشاريع الصغيرة ضئيلة جدا، في وقت كان يفترض أن يكون وقتا لرواج الاقتصاد لا تقوقعه وسد منافذ الرزق فيه. ومن ثم لم يجد هؤلاء أمامهم فرصا مغرية لتنمية مدخراتهم سوى هذه السوق، وقد كان كثير منهم خارجها حتى طاف في الآفاق خبر مكاسبها، فأغرت بالولوج فيها الصغير والكبير والجاهل بأسرارها والخبير. كل هذا كان يجرى تحت سمع وبصر المسؤولين، وخلال فسحة من الزمان امتدت على الأقل لمدة ثلاث سنوات. لذلك كان حريا بالسلطات المسؤولة، وقد جرى ما جرى، أن تأخذ هذا الوضع في الاعتبار، عندما رأيت أن سوق الأسهم قد مضت في طريق شديد الخطورة على السوق وعلى الناس وعلى الاقتصاد. الأفراد هم أضعف الحلقات الاقتصادية في المجتمع، لكنهم أهمها لقوامه وسلامة بنيانه. هذه حقيقة ما كان ينبغي أن تغيب عن الأذهان لمن ملك نفاذ البصيرة، أو ألقى السمع وهو شهيد!
إذاً لا تكفي صحة الإجراءات وسلامتها، بل لا بد من حسن التوقيت ومناسبته، ولا بد من استقصاء الآراء ودراستها. هذه اعتبارات ضرورية ومهمة عندما تتعلق الإجراءات الجديدة بمصالح فئة كبيرة من المواطنين. ينبغي أن ينتهي زمن الوصاية على الناس وتقرير ما هو في الأصلح لهم، وبالذات إذا كانت هذه القرارات تتخذ من قبل لجنة محدودة من الأعضاء. لقد كان من أعظم أسباب انهيار الأنظمة الاقتصادية الشمولية هو وصايتها على الاقتصاد ومصالح الناس. فهذه المصالح وهذه العلاقات شديدة التعقيد، بحيث يصعب على لجنة محدودة أن تلم بتفاصيلها دون الاعتماد على الطرق العلمية في جمع المعلومات واستقصاء الآراء وموازنة المصالح.
والآن، أين يكمن قاع السوق؟ ليست هناك إجابة قاطعة، ولا يمكن لأحد أن يجزم بشيء. ولكن نظرا لأهمية السؤال في الوقت الراهن، فسأضع أمام القارئ الكريم تصوري الذي اجتهدت فيه، وهو اجتهاد قابل للخطأ قبل الصواب، فهو للاستئناس ليس إلا. القاعدة العامة في مثل هذه الأسواق أنها متقلبة، فكل هبوط يتلوه صعود. ولهذه الأسواق دورات تختلف في حدتها (عمقها) وطولها. لكني أتصور أن العامل المهم الآن هو مكرر الأرباح. إذا وصلت مكررات أرباح الشركات القوية ذات الربحية والنمو إلى معدلاتها التنافسية الدولية المعقولة (ما بين 10 مرات و20 مرة)، فإن السوق تكون قد وصلت إلى قاعها الآمن للدخول. ومع ذلك وتوخيا للحذر فيجب أن يكون الدخول متدرجا، يبدأ مثلا بـ 20 في المائة من السيولة، حتى تظهر بوادر حركة تداول مطمئنة من حيث الكميات والسيولة، فنزيد الكمية.
أعتقد أن وصول المؤشر إلى مستوى 8200 نقطة، جعل أسعار كثير من الشركات معقولة ومغرية بالنظر إلى مكررات أرباحها وفرص نموها المستقبلية خاصة القيادية منها كـ "سابك", "الاتصالات", والأسمنتات، يؤيد هذا التحليل الأساسي، كما وافقني عليه أحد الخبراء الأجانب العاملين في إدارة المحافظ الاستثمارية في أحد أكبر بنوكنا المحلية، وسمعته من خبراء في شركات وساطة في دول مجاورة وهم يقارنون وضع أسواق الأسهم العربية. وتدل عليه حركة السيولة في نهاية الأسبوع الماضي.
ومع ذلك، فقد تكون مطامع من يهيئون أنفسهم للاستثمار في سوق الأسهم السعودية أبعد من ذلك، فيستمر من يريد التعاون معهم في الضغط على السوق للوصول بها إلى 7500 نقطة، وحينها تصل مكررات الأرباح إلى مستويات شديدة الإغراء جدا, خاصة في نطاق الأجلين المتوسط والطويل. وعندها يكون الدخول بـ 20 في المائة أخرى، مع مراقبة الكميات وحركة السيولة. وفي كل الأحوال يصعب على العقل أن يتصور هبوط المؤشر لما دون مستوى 6600 نقطة، إذا كانت جميع العوامل الاقتصادية الأخرى مستقرة.
وقد يسأل سائل: لكننا كنا نرى مكاسب المضاربة على أسهم شركات ضعيفة أكثر من مكاسب أسهم الشركات القوية؟ وجوابي هو أن المضاربة ستنحسر والتوجه هو للاستثمار، مع ذلك فإن عادت يمكن تخصيص جزء من السيولة فيها مع أخذ مخاطرها في الاعتبار، لكن المهم هو المتابعة اللصيقة. وقد يفضل البعض فوات الربح على الخسارة فينتظرون المستوى الآمن من هذه المستويات. في عز التشاؤم كن متفائلا بحذر، هذا والله تعالى أعلم وأحكم.