الابن البائس، من الشقاء إلى النجاح

[email protected]

كتبت في الأسبوع الماضي وفي هذا العمود عن محنة شاب سعودي وقد نشرت رسالته التي صدمت كثيرا من الناس. وتلقيت رسالة بالبريد الإلكتروني يستفسر صاحبها عما إذا كانت قصة ذلك الشاب حقيقية، وأكدت له أنها حقيقية.
تابعت قصة هذا الشاب الصغير منذ أن أحضره إلى مكتبي رجل تقي يسعى إلى فعل الخير، وكان هذا الشاب ابن الـ 16 عاماً بحالة مزرية يعاني القروح ويداه النحيلتان ترتجفان وهو يشرح لي ما حصل له وعرض أمامي رزمة كبيرة من الأدوية التي يتناولها, ففكرت آنذاك بكل أولئك الأطفال الذين أنعم الله عليهم بأم وأب عطوفين وحياة هانئة.
ولما كان ذلك الشاب يرغب في تأشيرة إلى الولايات المتحدة ليلحق بوالدته القلقة عليه، فقد أخذته إلى القنصلية الأمريكية وطلبت له تأشيرة. كان ذلك قبل 11 أيلول (سبتمبر) 2000، فذهب إلى أمريكا والتحق بوالدته وكانا يعيشان حياة الكفاف. ووقعت أحداث 11 أيلول (سبتمبر) وفقدت الأم عملها في غمرة حملة الكراهية التي لحقت بالعرب والمسلمين، ولمدة عام ونصف تابعت ذلك الشاب عن بُعد وأعطيته بعض الإرشادات عما عليه أن يفعله، فقد كان مكتئباً وخائفاً. وبمساعدة والدته وبعض مدرسيه استطاع التغلب على اكتئابه وفي الوقت نفسه تعلم المزيد عن دينه.
قال لي: "في أمريكا اكتشفت المعنى الحقيقي للرحمة والتعاطف، فالناس طيبون ويحبون المساعدة، لم يكن لي أصدقاء لفترة طويلة وأمي وقفت معي. لقد كتبت رسالة إلى القسم التعليمي والثقافي في السفارة السعودية لكنني لم أتلق أي رد، وهذا مما زاد من إصراري على العمل. لذلك عملت وأنهيت دراستي الثانوية ثم بدأت الاهتمام بهواياتي وتعلمت عن الطب البديل وقرأت كتباً عن الطيران والقفز بالمظلات، وقد رأيت كيف أن الشباب طموح، والحمد لله لم يقع لي أي حادث وأنا هنالك وقد تغلبت على آلامي الجسدية، أما عن آلامي النفسية فقد حاولت أيضاً التخلص منها وإن كانت تلك الآلام ما زالت تنتابني من حين إلى آخر، إلاّ أنني لا أفكر بالأمر.
كل ذلك وإلى الآن لم أتلق من والدي ريالاً واحداً بل ولم أسمع كلمة واحدة منه. لا أريد مالاً منه، فقط أردت أن أسمعه يقول: كيف حالك يا بني؟ لكن الهاتف لم يرن إلى هذا اليوم".
استمعت لذلك الشاب وهو يعرض عليّ نتائجه المدرسية وكلها في الدرجة "أ" وملاحظات مدير المدرسة بأنه بدأ بكتابة الشعر باللغة الإنجليزية وبأنه نال لذلك جائزة. فكرت عندئذ بكثير من أولئك المبتعثين للدراسة في أمريكا والذين يعودون بعد أربع أو خمس سنوات وليس بمقدورهم التحدث بلغة إنجليزية صحيحة ناهيك عن الكتابة بها، أقول الكثير منهم ولا أقول كلهم.
اليوم التحق ذلك الشاب بجامعة مرموقة للتكنولوجيا في أمريكا وقد قُبل بها وستبدأ دروسه اعتباراً من كانون الثاني (يناير) 2007، وبسبب سجله الأكاديمي المميز قبل على وجه السرعة لكن لكي يحصل على منحة دراسية لا بد من أن يمضي في الدراسة لفصلين دراسيين كاملين على الأقل، وهي بالتأكيد جامعة جيدة لكن ليس من دون تسديد الرسوم.
لقد حضر إلى مكتبي وقد أصبح شخصا مختلفا تماماً، واثقا بنفسه وهو بصحة أفضل وهندام لائق وسلوك مهذب رغم آثار الماضي الواضحة على محياه وابتسامته الرقيقة.
لقد سررت جداً برؤيته, وأتمنى من كل أصحاب القلوب الخيرة أن يمدوا له يد العون، وأدعو الله أن أراه يوماً ما سعيداً وقد تخرج من جامعته وحقق ما يصبو إليه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي