ما بين "الإغراق" و"القطيع " هيئة سوق المال مقدمة على قرار تاريخي

[email protected]

إذا كانت سياسة المضاربين الاستمرار في "إغراق" السوق للوصول إلى القاع، وكذلك دفع صغار المساهمين للسير خلف "القطيع" للبيع بخسارة. فإن التخيل بأن هيئة سوق المال مقدمة على قرار تاريخي في مسيرتها أصبح أمرا واجب التنفيذ، خاصة بعد الأحداث الدامية التي تعرضت لها سوق الأسهم منذ الأسبوع الماضي وحتى نهاية هذا الأسبوع، فقد وصل المؤشر حتى نهاية يوم أمس الثلاثاء، وقبل نشر هذا المقال بـ 24 ساعة، إلى مستوى 8700 نقطة. ما أتخيله أن هناك حركة دؤوبة داخل مبنى سوق المال تعمل بثقة وقرارات جاهزة تنتظر دورها في التنفيذ تتاليا في محاولة إصلاح السوق، ووضعه على الخط الصحيح!

وجازماً أن كل موظف في هيئة سوق المال بدءا من رئيسها المكلف الدكتور عبد الرحمن التويجري، تألم ويتألم كثيراً بمطالبات أعضاء مجلس الشورى في جلسة المجلس السادسة والأربعين، باستدعائه للاستماع إلى وجهـة نظر الهيئة في استمرار هبوط مؤشر سوق الأسهم السعودية. وكذلك مناقشة أسباب هبوط المؤشر إلى هذا المستوى، وأهمية التنسيق مع الرؤية المستقبلية حول سوق الأسهم التي أعدتها لجنة الشؤون المالية بمشاركة لجنة الشؤون الاقتصادية.
حيث تصاعد الموقف مع ضجيج القنوات الفضائية، وهمس "صبا" و "نادين" مذيعتي قناة العربية، وهما تحاولان تهدئة السوق ولو بابتسامة حزينة. وكذلك دخول المواطنين الساحة الإعلامية وطلبهم، أن يكف المحللون الماليون أو الكتاب الاقتصاديون عن التحليل العلمي، والاستعانة بهوامير السوق في شرح ما يحصل في سوق الأسهم السعودية.

ومع كل ما يقال يظل هناك القرار التاريخي المنتظر، الذي ستقدم عليه هيئة سوق المال، والذي سبقته قرارات عدة، أولها: قرار تجزئة الأسهم، ثم إلغاء دوام يوم الخميس، ثم تعديل فترة التداول (الموحد) من الساعة الحادية عشرة صباحاً وحتى الرابعة والنصف، ما يعني أن الخطوة قبل الأخيرة والمتوقعة هي تعديل إجازة سوق المال لتكون ليومي الجمعة والسبت بدلاً من الخميس والجمعة! ولكن ما أهم قرار منتظر، والذي ستختتم به سوق المال قراراتها؟

أعتقد أنه قرار تقسيم السوق رسمياً وليس شكلياً، لتكون سوق المال السعودية صورة طبق الأصل من معظم أسواق المال في العالم. وبشكل عام فإن أسواق المال في معظم دول العالم، مقسمة إلى قسمين رئيسيين، هما: سوق أولية، وسوق ثانوية. فالسوق الأولية، هي السوق التي تطرح فيها الاكتتابات الجديدة واكتتابات زيادة رأس المال ولا يكون هناك تداول داخل هذه السوق.

أما السوق الثانوية، فهي السوق التي يتم تداول الأسهم فيها وهي ما تعرف بالبورصة وتدرج فيها جميع الشركات الرابحة والخاسرة، وتدرج فيه الشركات بعد الانتهاء من تأسيسها في السوق الأولى أو بعد الانتهاء من عملية زيادة رأس المال عن طريق الاكتتابات. وهذه السوق الثانوية، تنقسم إلى قسمين، هما سوق أولية تحوي جميع الشركات التي تحقق أرباحاً تشغيلية لسنوات سابقة ثلاث أو خمس سنوات، ولدى هذه الشركات إفصاح وشفافية ويتم عادة تداول أسهم الشركات في هذه السوق فوراً وفي اليوم نفسه.

أما السوق الثانية، فهي سوق ثانوية أخرى تضم جميع الشركات الخاسرة أو التي لا تطبق قواعد الإفصاح والشفافية وكذلك الشركات الحديثة الطرح في السوق الأولية، والتي تنتقل بعدها إلى السوق الثانوية الرئيسة، وعادة يكون تداول أسهم هذه الشركات بعد يوم إلى ثلاثة أيام.

ما حدث من انهيار حتى نهاية هذا الأسبوع، كان نتيجة حتمية لعناوين عدة حدثت خلال الفترة الماضية بدأت منذ حادثة (فبراير) الماضي، في مقدمها ما تداولته السوق من شائعات أن المؤشر سيصل إلى حدود 9000 نقطة، ومن قبلها الارتفاع الكبير الذي حققته أسهم بعض الشركات في فترة وجيزة حتى أنها وصلت إلى "ضعف سعرها"، علما أن أسهم تلك الشركات كانت تعيش في "سبات عميق" طوال الأشهر الستة الماضية، وحدث ولا حرج عن نتائجها المالية، في حين أن القاعدة الاقتصادية تؤكد أن سعر سهم أي شركة يجب أن يتناسب ويتماشى مع نمط نمو أرباحها!

والمثير داخل أزمة السوق، أننا نطالب سوق الأسهم بأن تعبر عن قوة الاقتصاد السعودي ومكانته ومقوماته.... إلخ، في حين أن أرض الواقع تؤكد أنها ليست مؤهلة للتعبير عن ذلك! ومع الأخذ في الاعتبار المعايير والضوابط الاجتماعية الدينية للاقتصاد السعودي، فإن الحاجة إلى سوق متطورة جداً، يعزى إلى مفهوم اقتسام الربح والخسارة المتأصل في ارتفاع وانخفاض قيمة الأسهم على نقيض النظام المصرفي التقليدي الذي يعتمد أكثر على النظام القائم على الفائدة.

وليس هناك خلاف حول أهمية أسواق رأس المال في عملية نمو وتطور أي اقتصاد. ومع الاعتراف الذي ناله القطاع الخاص في الآونة الأخيرة بوصفه يمثل المحرك الأساسي للتنمية، فقد برزت الحاجة أكثر إلى أهمية سوق المال. وقد أصبحت هذه الأسواق مصدراً مهما في الدول النامية وأكثر أهمية في الدول المتقدمة لتحويل المدخرات إلى استثمارات، ويمكن أن نستخلص من دراسات البحوث وتجارب الدول الأخرى أن سوق الأسهم التي تتسم بأدائها وتنظيمها الجيد وتطورها وفعاليتها وتحررها هو الذي من شأنه تعزيز وتشجيع النمو الاقتصادي والتنمية لدرجة زيادة المدخرات الحقيقية، وتكوين رأس المال والدخل القومي، وزيادة صافي التدفقات الرأسمالية الأجنبية، ورفع إنتاجية الموارد الوطنية عن طريق توظيف هذه الموارد في قنوات استثمارية ذات مردود عالٍ وخفض تكلفة رأس المال.

لقد آن الأوان لأن تخرج المملكة العربية السعودية من وضعية الدولة التي توجد فيها سوق ناشئة، وما ستقدم عليه هيئة سوق المال سيضع الحد لمأساة أكثر من ثلاثة ملايين مواطن سعودي في سوق الأسهم، 90 في المئة منهم من صغار المتداولين، فهم أكثر المستثمرين استقراراً في أسواق الأسهم لأن صغر حيازاتهم في الأسهم تمنعهم من التأثير تأثيراً سلبياً كبيراً في السوق.

ختاما إن القرار الذي نتخيله، سيضفي مزيداً من "الأناقة" على سلوك "المضاربين" باعتبارهم الفئة "المشاكسة"، فهم سيجدون بيئة صحية في شركات ذات حجم معين من الأسهم، يقودون فيها "مجموعاتهم" كما يريدون. إن مهام كبرى تنتظر هيئة سوق المال وتتمثل في تحسين مستوى معايير الإفصاح والشفافية، فهي أساس لتطوير السوق الأسهم، وهي وإن اتخذت بالفعل بعض الإجراءات وطلبت من بعض الشركات التي لم تلتزم بنشر بياناتها المالية، ونشرت مبادئ الحوكمة، فتحسين معايير الإفصاح والشفافية من المحتمل أن يؤدي إلى تقليل حالات ما يعرف بصفقات المطلعين Insider Trading أي الصفقات المبنية على معلومات لم تعلن للجمهور، على الرغم من أنه لا يمكن القضاء عليها أو تجنبها كليةً. إنني أتخيل، ولكن بيقين تام هذا المرة!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي