خسائر انقطاع التيار الكهربائي المالية.. مسؤولية من؟
<p><a href="mailto:[email protected]">t-hafiz@hotmail.com</a></p>
تسبب انقطاع التيار الكهربائي، في إحداث إرباك في سير العمليات التشغيلية، لنحو ألف مصنع في كل من المدنيتين الصناعيتين الأولى والثانية في الدمام، وبخمس مدن صناعية في الرياض خلال أيلول (سبتمبر) 2006.
الصناعيون المتضررون من انقطاع التيار الكهربائي، قدروا خسائرهم المالية من جراء ذلك الانقطاع بنحو 500 مليون ريال، بسبب أن المصانع ملزمة بالإنتاج يومياً وأن لديها التزامات مع الآخرين بموجب عقود تترتب عليها شروط جزائية، سيتحملها أصحاب المصانع إذا لم تف المصانع بتلك الالتزامات، هذا وقد استبعدت إدارة الشركة، أن تتعرض الشركة لمطالبات مالية عن الأضرار التي تسبب فيها انقطاع التيار الكهربائي عن المصانع، وإن كانت جريدة "الحياة" في العدد 15874، قد أشارت أن هناك عدداً من أصحاب المصانع، يتجهون إلى رفع دعوى ضد الشركة، يطالبون فيها بتعويضات مالية، نتيجة لعدم التزامها بتزويد المصانع بالتيار الكهربائي، وقيام الشركة بفصل مبرمج من دون إبلاغ المصانع وإشعارهم بأعمال الفصل، مما كبد أصحاب تلك المصانع خسائر مالية إضافية فادحة، كما أن ذلك قد أدى إلى تعطل بعض المعدات عن العمل، مما استدعى تغييرها بشكل كامل، كأفران الصهر، وخزانات المواد الغذائية السائلة، وخزانات المواد البتروكيماوية.
المهندس علي البراك الرئيس التنفيذي للشركة السعودية للكهرباء أكد لـ "الاقتصادية" في عددها 4699، أن الشركة اضطرت إلى إجراء فصل مبرمج ومحدود لبعض الأحمال الكهربائية في المنطقتين الوسطى والشرقية، وذلك بهدف المحافظة على اتزان النظام الكهربائي، وتفادياً للفصل الشامل، الذي قد يحدث لا سمح الله بسبب انهيار النظام الكهربائي بالكامل، والذي سيتطلب مدة أطول لإعادة الخدمة، كما أوضح المهندس البراك، خلال لقائه بعدد من الصحافيين، أن الفائض من الأحمال الكهربائية المفترض أن يكون احتياطياً يقل عن المعدل المطلوب، حيث لا يمثل الفائض سوى 3 في المائة، بينما يفترض ألا يقل عن 10 في المائة، موضحا أن الشركة في الوقت الحالي تعمل بطاقتها القصوى، وكان الخيار في قطع التيار الكهربائي عن المصانع في هذه الأزمة هو الخيار الأمثل، لكيلا تتعرض المرافق الحيوية من مستشفيات ومدارس ومنازل لانقطاع التيار الكهربائي، حيث اعتمدت الشركة في ذلك على فرضية أن المصانع، قد تكون لديها مولدات خاصة تعمل في حال انقطاع التيار الكهربائي.
المتضررون من انقطاع التيار الكهربائي قد وجهوا أصابع الاتهام لشركة الكهرباء، مؤكدين أن سبب الانقطاع هو نتاج الاندماج غير المدروس لشركات الكهرباء مع مناطق المملكة المختلفة، والذي أدى بدوره إلى الترهل الإداري، وعدم قدرة الشركة على الأداء والتنفيذ والالتزام بتعاقداتها تجاه الآخرين، ويتفق في ذلك الرأي سلمان بن محمد الجشي – رئيس اللجنة الصناعية في الغرفة التجارية الصناعية للمنطقة الشرقية، عندما أشار في مقال نشر له في "الاقتصادية" في العدد 4711 بعنوان (خفاقات "الكهرباء" وخسارة الصناعة)، أنه عندما دمجت شركات الكهرباء تحت مظلة واحدة، كانت هناك معطيات يتأمل تحقيقها من هذا الدمج خلال سنوات عمرها الأولى، التي من بينها فصل قطاعات النقل والتوزيع لتصبح شركات مستقلة، ولكن والآن وبعد مرور ثماني سنوات على الدمج، لم نسمع أو حتي نرى شيئاً من ذلك قد تحقق، بل على العكس من ذلك، فإننا نجد أن كل قطاع من قطاعات الشركة، أصبح إمبراطورية في حد ذاته، ولعل ما يؤكد على ذلك، ما نمى علم الكاتب، أن في الشركة نحو 39 نائب رئيس، بينما في شركة أرامكو السعودية، لا يوجد بها سوى 21 نائباً للرئيس، والتي تعد من كبريات شركات النفط على مستوى العالم.
خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - يحفظه الله -، تدخل رسمياً في حل أزمة الكهرباء، وأصدر تبعاً لذلك توجيهاته إلى وزارتي المالية والمياه والكهرباء، لاتخاذ كل ما من شأنه توفير الدعم اللازم لقطاع الكهرباء، في المجالات المالية والتنظيمية والتخطيطية، بالشكل الذي يمكن الشركة من مواجهة متطلبات توفير الخدمة الكهربائية على المديين القصير والطويل.
بصرف النظر عن المبررات والأسباب الداعية لانقطاع التيار الكهربائي، عن عدد من المصانع الوطنية، فإن ما قد حصل يعتبر برأي فضيحة إدارية وتشغيلية، لا يمكن السكوت عنها بأي حال من الأحوال، أو حتى التسليم بنتائجها وعواقبها الوخيمة على قطاع المال والأعمال، الذي في رأيي يتوجب على الشركة، تعويضه مقابل الأضرار والخسائر المالية، التي لحقت به، ولا سيما حين النظر إلى الأسباب غير المنطقية وغير الاحترافية، التي برر بها الرئيس التنفيذي للشركة ذلك الانقطاع، ومن هذا المنطلق فإن الأمر يتطلب عدم التعامل مع المشكلة، على أنها مشكلة عابرة وخارجة عن إرادة إدارة الشركة، دون الوقوف على الأسباب، ومحاسبة المقصرين والمسؤولين عن ذلك الإخفاق، وبالذات أن حصول مثل هذه المشكلة في بلد آخر متقدم مثل المملكة العربية السعودية، قد يستدعي استقالة أعضاء مجلس الإدارة بالكامل وتطبيق نظام حوكمة الشركات في حقهم من قبل عامة المساهمين، ولا سيما أن مثل ذلك القصور في أداء الشركة، قد يعرض أسعار أسهمها للانهيار لا سمح الله، وبالذات في حالة تجاوز ذلك الانقطاع المعدلات المسموح بها دولياً، التي وإن كانت تتفاوت من دولة إلى أخرى بناء على تقدمها، فكلما كانت الدولة أكثر تقدماً، قل حدوث الانقطاع إلى أجزاء من الساعة في السنة، ولكن وبجميع الأحوال، لا يمكن لذلك الانقطاع أن يتجاوز مدة سبع ساعات في السنة، في حين أن محافظة جدة قد سجلت بمفردها نحو 160 ألف حالة انقطاع تيار خلال فترة الصيف فقط، الأمر الذي يتطلب في رأيي، من شركة الكهرباء إعادة ترتيب البيت من الداخل، بالشكل الذي يكفل استمرار تدفق الطاقة الكهربائية، بشكل منظم ومنتظم، يعود بشمولية النفع والفائدة على الجميع، وبالذات في ظل الطفرة الاقتصادية الكبيرة التي، تعيشها السعودية، والتي ستسمر، بإذن الله تعالى، لسنوات طويلة في المستقبل، وستفرض الحاجة لمضاعفة المعروض من الطاقة الكهربائية خلال المرحلة المقبلة، والله من وراء القصد.