تحرير الأجواء السعودية

[email protected]

العنوان السابق كان عنواناً لموضوع نشر في مجلة "عالم التجارة" في عددها الصادر خلال شهر أيلول (سبتمبر) من هذا العام، وقد تضمن الموضوع تصريحاً لمحافظ الهيئة العامة للطيران المدني السعودي، يشير من خلاله إلى "أن هناك 15 مستثمراً أبدوا رغبتهم في الاستثمار في قطاع النقل الجوي الداخلي في المملكة".
كما أوضح العضو المنتدب لشركة مجموعة الطيار للسفر خلال مقابلة أجرتها معه جريدة "الاقتصادية" الشهر الماضي، أن عدد الشركات التي تقدمت إلى الهيئة بطلب التصريح في مشروع النقل الجوي بين المدن السعودية بلغ 17 شركة، وقد يكون العدد أكثر من ذلك فالمميزات الموجودة في سوق النقل الجوي السعودي لا توجد في غيره من الأسواق الأخرى، فمعدلات دخل المسافرين متميزة والوضع الاقتصادي المحلي قوي، والعامل الجغرافي متوافر. ومن أبرز تلك المميزات وجود المواسم الدينية السنوية، إضافة إلى ارتفاع معدلات السفر السنوي للعائلات في السعودية ووجود المقيمين الذين يمثلون نسبة جيدة من عدد السكان ووجود العطلات وتأسيس هيئة عليا للسياحة مما يسهم في تشجيع التنقل بين المدن. كل ذلك من العوامل التي تشجع وتؤكد أن الاستثمار في هذا المجال من الاستثمارات الناجحة والتي ستسهم في الوقت نفسه في توفير الخدمة المطلوبة، وهناك تجربة واضحة أمامنا قدمتها الشركة الوطنية للخدمات الجوية (ناس) قبل ستة أشهر متمثلة في خدمة (الخيالة) وقد لقيت نجاحاً كبيراً على الرغم من أنها مخصصة لرجال الأعمال، إذ أسهمت بشكل كبير في تقديم خدمة راقية أجمل ما فيها أنها بأيد وطنية.
لقد سيطرت الخطوط الجوية العربية السعودية على الأجواء المحلية على مدى 60 عاما، وما زال الناس يعانون كل يوم من هذه السيطرة وذلك الاحتكار الذي لم تستفد منه الخطوط السعودية في تطوير خدماتها وتحسين قدراتها لتواكب التطور الحاصل في مجال النقل الجوي، فما زال عدد الطائرات محدوداً فهو لم يتجاوز 90 طائرة بعضها تجاوز عمره 20 سنة، وفي حالة إضافة الطائرات الأخرى الحكومية والخاصة بالتدريب والخارجة عن الخدمة وغيرها فلن يصل العدد إلى 135 طائرة، وهذا العدد لا يتناسب إطلاقاً مع عدد السكان الذي تجاوز 24 مليون ولا مساحة كبيرة كمساحة المملكة والتي تصل إلى 2.25 مليون كيلو متر مربع، أو وجود عدد ثلاثة مطارات دولية و25 مطاراً محلياً، بل يحتاج إلى مئات الطائرات، ولو نظرنا إلى دولة كالإمارات والتي لا يتجاوز عدد سكانها أربعة ملايين، لوجدنا أن هناك ثلاث شركات طيران في أسطول يصل إلى 150 طائرة متوسط عمرها أقل من 5 سنوات.
لقد بقي قطاع الاتصالات حكراً على جهة واحدة منذ عشرات السنين وحتى بعد التخصيص لم ينتعش هذا القطاع إلا بعد أن أتيحت الفرصة لجهات أخرى، فبعد أن كنا ننتظر الهاتف لعدة أشهر وبعد أن كنا ندفع عشرة آلاف ريال للهاتف الجوال تتسابق اليوم هذه الشركات في تقديم خدمة مخفضة متميزة سعياً لنيل رضا زبونها وتهتم باستمرار بتحسين خدمتها وتطوير إمكاناتها وقدراتها.

تخيلوا ماذا يمكن أن يحدث في قطاع النقل الجوي لو فتحت الأجواء لشركات طيران محلية جديدة لتقديم هذه الخدمة، أو أتيحت الفرصة لشركات الطيران الخليجية أن تقدم خدمة النقل المحلي فلن يصدم المسافر بعدم وجود حجز أو بتأخر الرحلة أو بوجود عطل فني أو غيرها من الأعذار، إذ إن مستوى الخدمة والالتزام والرغبة في تحسين الأداء سترتفع وذلك من خلال المنافسة الداخلية، كما ستسهم هذه النقلة في توفير فرص عمل جديدة تصل إلى 50 ألف فرصة عمل في هذا القطاع. أما اليوم وفي ظل هذا الاحتكار ومن خلال الإمكانات الحالية، فلا يتوقع أن تتحسن الخدمة على الرغم من الاجتهاد.
إن اتصالا واحدا بمركز الحجز الخاص بالخطوط السعودية أو زيارة لإحدى صالات السفر في المطارات تؤكد لكل عاقل أن الوضع القائم غير صحيح، وأن الاستمرار في وجود ناقل محلي وحيد على مدى 60 عاماً غير منطقي، وأن الوضع الاقتصادي والمقومات العامة لبلد مثل المملكة لا يمكن أن يبقى رهناً لخطوط واحدة استنفدت كل ما لديها من وسائل وسبل لتطوير خدماتها ولسان حالها يقول ليس بالإمكان أحسن مما كان.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي