نظرية بدائل الطاقة وارتفاع أسعار النفط

[email protected]

إن البحث قليلا في مصادر الطاقة الموجودة وتحليل مزاياها وعيوبها ومدى قدرة تلك المصادر على أن تكون بديلا حقيقيا لمصدر النفط موضوعا مهما لمستقبل النفط. إن الجدول التالي يرصد لنا توقعات إدارة معلومات الطاقة في الولايات الأمريكية في الماضي والمستقبل فإنه من الملاحظ أن إنتاج النفط بدأ في الانخفاض منذ عام 1980 وسيستمر حتى نهاية هذا التوقع عام 2030, بينما إنتاج الغاز الطبيعي سينمو عند معدل شبه ثابت خلال الفترة نفسها. ولكن الذي شد انتباهنا هو زيادة إنتاج الفحم الذي سيتضاعف عام 2030 مقارنة بعام 1980 وهذا يدل على زيادة الطلب على الفحم في تلك الفترة مع تناقص إنتاج النفط. بينما نرى أن هناك ثباتا في إنتاج بدائل الطاقة الأخرى ومنها الطاقة النووية من عام 2004 حتى عام 2030, علما أن معظم عقود الطاقة النووية المنظمة في الولايات الأمريكية ستنتهي خلال الـ 25 عاما المقبلة إذا لم تستعمل تلك الطاقة. لاحظ أيضا أن إجمالي إنتاج الطاقة سيرتفع بما نسبته 28 في المائة بعد 24 عاما من الآن, وهذا موضوع لا بد أن تتركز عليه الاستراتيجية النفطية السعودية المستقبلية. فضلا عن أن هذا يقوض قضية تناقص الطاقة بجميع أنواعها عندما نرى أن الطاقة في مجملها تتزايد بغض النظر عن اختلاف نسبها ومصادرها.

إن العديد من الاقتصاديين والسياسيين يخبروننا دائما بأن هناك بدائل للنفط ولكن لا بد من إيجاد البدائل المناسبة كما روجوا لها خلال الـ 30 عاما الماضية. بخلاف الفيزيائيين والجيولوجيين الذين يخبروننا بشيء آخر مبني على الحقائق العلمية بدلا من الدعاية والترويج بأن هناك بدائل للنفط حقيقية لكنها تواجه بعض المشاكل في خصائصها وطول مدة تفعليها وقد تحل جزئيا بدل النفط. فرغم وجود العديد من البدائل للنفط إلا أنها لا تستطيع أن توفر لنا ولو بنسبة بسيطة ما تحتاج إليه الحياة المعاصرة. فقد يعتقد البعض أن معظم تلك البدائل يمكن استخدامها باستقلالية عن مصدر النفط بينما هي بدائل معظمها مشتقة من خام النفط Derivatives of oil حيث إنها تحتاج إلى كمية كبيرة من النفط ومن بعض المصادر النادرة لاستخراج الخامات الأساسية لتطوير تلك البدائل مثل الفضة, المعدن, البلاتين, اليورانيوم, التي تستخدم في الطاقة النووية, الشمسية, والرياح, كما أنها تستهلك كمية كبيرة من النفط في بنائها وأكثر في عملية التوزيع والصيانة. فإن تلك البدائل مازالت ناقصة وغير قادرة على أن تكون بديلا للنفط خاصة في قطاع المواصلات.
ولأجل ذلك في أيلول (سبتمبر) هذا العام عدلت إدارة الطاقة الأمريكية من استراتيجيتها التي تهدف إلى إيجاد بدائل للطاقة, التي بدأت عام 1992 ليصبح الهدف الحالي أن تستخدم السيارات الموجودة في الطرق 30 في المائة من وقودها من مصادر غير نفطية عام 2030 بدلا من عام 2010, إن هذا التراجع كان نتيجة لملاحظتها أن نسبة السيارات التي ستستعمل الوقود البديل لن تتجاوز 3 في المائة عام 2010. لذا عليها أن تركز على تحسين معدل فاعلية استعمال الوقود وزيادة استعمال الإيثانول, بيو- ديزل والوقود السائل المستخلص من الفحم من أجل تحقيق هذا الهدف. فمازالت سيارات هايبر hyper-cars غير مجدية لأن صناعة سيارة واحدة تستهلك ما معدله 25 - 27 برميلا من النفط، فما بالك لو تم إنتاج ملايين السيارات. كما أن السيارات الكهربائية لم يستعمل منها إلا نسبة بسيطة لا تتجاوز 10 في المائة من السيارات في الولايات الأمريكية بسبب ضعف تقنية البطاريات الكهربائية، حتى ولو توافرت تلك التقنية فإن إنتاج السيارة الكهربائية الواحدة يستهلك 120 ألف جالون من الماء العذب وهذه مشكلة أخرى مع ندرة المياه في العالم من حولنا. علما أن زيادة فاعلية استعمال الوقود ينتج عنه ما يسمى متضاد جيفون Jevon's Paradox, أي أن الزيادة في الفعالية تزيد من معدل الاستهلاك كما هو حاصل في الولايات الأمريكية خلال الـ 35 عاما الماضية ما جعل اعتمادها على النفط يتزايد ولم يتناقص.
فبعد مراجعة العديد من البحوث والدراسات اتضح أن الطاقة الشمسية وقوة الرياح تعانيان من عدة عوامل متعلقة بطبيعتها ما حد من قدرتهما على أن تكونا بديلين للنفط مثل: عدم وجود طاقة مركزة, غير صالحة للاستعمال في المواصلات, طاقة متقطعة, لا يمكن توازنها, فإنها لا تضاهيها في خصائصها مقارنة بما يمتلكه النفط من خصائص لكي تعتبر بديلا جيدا له, فعلى سبيل المثال أن برميلا واحدا من النفط يحتوي على قوة من الطاقة تعادل تقريبا 25 ألف ساعة عمل بشرية. وجالون واحد من الجازولين يحتوي على طاقة تعادل خمسة آلاف ساعة عمل بشرية, التي تعتبر طاقة رائدة, ومازالت المواصلات تستعمل 90 في المائة من النفط وقودا لها وليست الكهرباء التي لم تكن بديلا له حتى الآن. أما الهيدروجين فإنه لن يكون الإجابة الشافية لحل قضية الطاقة. فما زالت تكلفة خلية وقود الهيدروجين تعادل مليون دولار عام 2003 وليس هناك دليل على أن سعره سينخفض في المستقبل, وفي أحسن الأحوال فإنه لن يتوافر إلا لعدد محدود من السيارات. كما أن الطاقة النووية تعاني عدة مشاكل منها ارتفاع تكاليف البناء والتحكم في التلوث مع أنها طاقة رخيصة إلا أنها تعتمد على اليورانيوم, وهو مصدر محدود وغير متجدد وقد فاق حجم الطلب ما هو معروض منه, والبعض يتوقع أنه بحلول عام 2020 ستكون هناك ندرة في اليورانيوم. كما أن الطاقة النووية غير اقتصادية وليست طاقة يمكن استعمالها في المواصلات.

فلا تحلوا البدائل الأخرى مثل: بيو- فيول, الإيثانول, ميثانول, بيو ديزل التي يبدو أنها عظيمة عند استعمالها بكميات بسيطة إلا أنها تعاني ضعف عائد الطاقة على استثمارات الطاقة
, Energy return on energy invested EROEI فمثلا الإيثانول يحتاج إلى ست وحدات من الطاقة من أجل أن ينتج فقط واحدة, بمعنى أنه يستهلك كمية من الطاقة أكثر مما ينتجه, فلو أرادت الولايات الأمريكية أن ننتج كمية كافية لتموين سياراتها فإنها ستغطي 90 في المائة من مساحة أراضيها بذرة. ورغم أن بيو- فيول هو أفضل من الإيثانول إلا أنه ينتج فقط ثلاث وحدات من الطاقة التي لا يمكن مقارنتها بعدد الوحدات التي ينتجها النفط وهي 30 وحدة. أما الفحم فيمكن أن يستعمل لإنتاج مادة synthetic oil ولكن ذلك لن يكون بديلا في المستقبل لأن مخزون الفحم غير متجدد حتى ولو كان مخزونه يكفي لأكثر من 50 إلى 75 عاما فإنه من المحتمل أن يبلغ ذروة إنتاجه بعد عقدين من الزمن.
إن علينا في السعودية الذي يعتمد اقتصادنا بشكل رئيسي على سلعة النفط أن نعمل في إطار استراتيجيات اقتصادية وتخطيطية تسهم فيها وزارة الاقتصاد والتخطيط ووزارة البترول من أجل تعظيم دخل النفط بالمنظور القريب وتنويع مصادر الدخل في المنظارين المتوسط والبعيد, وستكون الحلقة المقبلة موضوع الحديث.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي