القطاع الخاص.. والشركات العائلية

[email protected]

منذ نشوء الخليقة والمجتمعات الإنسانية تسير وتتطور وتنظم علاقتها بناء على مبادئ ونظريات ترسم المسار وتوجه القدرات والإمكانات لما فيه صالح الجميع.
يعتبر الاقتصاد أحد العلوم الرائدة التي تؤثر نظرياته في ما يتحقق من تنمية وتقدم للمجتمع. وخلال الخمسين عاماً الماضية كانت هناك ثلاثة تيارات اقتصادية تتنازع قيادة المجتمعات، فكان هناك الفكر الاقتصادي الذي يعطي الدولة دوراً أكبر ومسؤولية أضخم لتنمية المجتمعات, وظهر ذلك جليا فيما عرف بدول المعسكر الشرقي، كما كان يقابله في الطرف الآخر الفكر الاقتصادي الرأسمالي الذي يقوم على دعم وتشجيع المبادرة الفردية وريادة القطاع الخاص, وكان ذلك يتمثل في أمريكا وحلفائها الأوروبيين واليابان. أما كثير من دول العالم فكانت تتبع مزيجاً من المدرستين, حيث تتولى الدول مسؤولية توفير الاحتياجات الأساسية للمجتمع وفي الوقت نفسه تشجيع القطاع الخاص والتقليل من الصعاب التي تواجهه.
لقد شهد العالم خلال العشرين سنة الماضية سيطرة أكبر للاتجاه الاقتصادي الذي يقوم على مبادرة القطاع الخاص حتى أن كثيرا من المنظمات الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومؤسسات الأمم المتحدة الإنمائية أصبحت أكثر إلحاحاً وطلباً من الدول, خاصة النامية, للاتجاه إلى التخصيص وتحرير الأسعار وتقليل الدعم الحكومي. بل أصبحت تقارير هذه المنظمات وموافقتها على المساعدة يعتمد على مدى التزام الدول بتحرير سوقها وفتحها أمام القطاع الخاص الداخلي والخارجي حتى وصل الأمر إلى ما يعرف بالعولمة التي تدور هذه الأيام, التي من أهدافها فتح الأسواق وإلغاء الخصوصية والمساواة بين المستثمر المحلي وغير المحلي.
وانطلاقا من ذلك، فإن المتابع للمتغيرات الاقتصادية الحاصلة أو المطلوبة في الاقتصاد السعودي يجد أنها نتيجة طبيعية لمتغيرات عالمية فرضت نفسها وأصبح أمر الأخذ بها مطلبا تنمويا لمسايرة التطورات العالمية. ولعل ما نشاهده من منافسة وتنافس خاصة من الدول المحيطة يؤكد هذا الأمر ويلقي على عواتق المسؤولين عبئاً كبيراً للاستجابة لهذه التوجهات وما يتطلبه ذلك من إعادة هيكلة للاقتصاد السعودي.

لقد قامت المملكة خلال السنوات القليلة الماضية بإجراء الكثير من التطوير والتعديل في الاتجاه للنظرة الاقتصادية العالمية وبما يؤكد دور ومكانة المملكة الاقتصادية على أن الطريق ما زال طويلاً والقائمة الإصلاحية الاقتصادية ما زالت تحمل الكثير من الأولويات التي تتطلب النظر فيها وتطويرها بما ينسجم والتوجهات المستقبلية للتنمية.
إن دور القطاع الخاص يبرز كأهمية اقتصادية تنموية لا خيار عنه أو خلاف حول أهميته, خصوصاً مع التوجه الجاد للمملكة في إعطاء دور ريادي للقطاع الخاص للنهوض بتطوير وتقديم الخدمات وتوفير السلع اعتماداً على قدرته على توفيرها وتقديمها بالسعر المعقول والنوعية الممتازة. ولعل تجربة قطاع الاتصالات خير شاهد على مثل هذا الدور الذي أكد توجه الحكومة نحو التخصيص لكثير من الأنشطة الاقتصادية والخدمية.
إن السؤال الذي يجب طرحه وتدور حوله الكثير من التساؤلات المهمة ويجب عدم تجاوزه أو تأجيله هو: ماذا نعني بالقطاع الخاص في السعودية؟ وهل تتوافر له البنية الصحيحة لكي يمارس دوره الحقيقي الإيجابي المنتج وفقاً للنظريات الاقتصادية والممارسة العالمية وبما يتماشى مع التجارب الدولية الناجحة في هذا المجال؟
إن هذه الأسئلة تدور في ذهن الكثير منا حول أهمية دعم دور القطاع الخاص في دفع عجلة التنمية وتأكيد النظرة المتفائلة لدوره في تعضيد دور الحكومة في بناء تنموي اقتصادي مستقبلي، وإعطائه الفرصة لقيادة وريادة التنمية الاقتصادية ويكون دور الحكومة بين التشريع والمراقبة، وبين الخوف من الفشل وأن يتحول الأمر إلى تجربة اقتصادية غير مريحة أو مربحة، ولعل لنا في تجارب بعض دول أمريكا اللاتينية خير مثال.
إن دعم وجود قطاع اقتصادي دائم ومستمر يتطلب الكثير من الجهود التنموية والإصلاحية وتوفير البنية والتجهيزات اللازمة لتطويره ودعمه, ومن ذلك وجود مبدأ المنافسة الشريفة وممارسته في العمل مع وضوح الأنظمة وشفافيتها وتوفير الحصول عليها للجميع بحيث لا تكون هناك أفضلية أو تمييز لفئة على حساب فئة أخرى من معرفة المعلومات الداخلية Inside Information، كما أن أهمية وجود الشركات والمؤسسات ذات الكيانات القانونية القادرة على التطور والاستمرار والاستدامة بدلاً من المؤسسات الفردية أو الشركات العائلية التي تضمحل وتنتهي بموت مؤسسها أو خلافات عائلية، وتأتي أهمية الإدارة وتطوير القدرات البشرية الكفوءة والمستقلة عن الملاك الأساسيين للمؤسسات والشركات مما يتطلب الاهتمام ببناء جيل مؤهل ومدرب ومحترف لا يعتمد بالضرورة على أبناء وأقارب العائلة المالكة للمؤسسة أو الشركة، كما أن توفير القنوات المالية الإقراضية الداعمة لدفع الاستثمار وتحريك الدورة الاقتصادية اللازمة للقطاع الخاص تصبح إحدى الأدوات اللازمة لدعمه وتحقيق استمراريته.

إن هذه الأدوات والتوجهات المطلوبة لدعم دور القطاع الخاص وغيرها كثير يقودنا إلى تساؤل مهم يحتاج منا جميعاً إلى التفكير فيه والبحث عن الإجابة الصادقة، وسؤالي هو: هل القطاع الخاص في المملكة بشكل عام قادر على القيام بدوره في تحقيق التنمية وضمان استمرار هذا الدور وفقاً لمكوناته وآلياته واتفاقها مع متطلبات النظريات الاقتصادية والتوجهات العالمية نحو التكتلات الاقتصادية القوية والنظرة الأوسع لدور القطاع الخاص؟
إن الإجابة عن هذه التساؤلات تجعلنا جميعاً مطمئنين بأننا لا نغامر بمستقبلنا عندما نعطي القطاع الخاص الريادة في توجيه التنمية وقيادة عجلة الاقتصاد.
من أجل أن نشترك معا في إجابة واضحة وصحيحة فإنني أقدم بعض الموجهات التي يمكن الأخذ بها لتساعدنا على الوصول إلى الإجابات المشتركة الصحيحة, ومنها: هل ملكية المؤسسات والمنشآت الخاصة ملكية جماعية مؤسسية أم ملكية فردية ؟ الموجه الثاني هل ممارسة رجال الأعمال واستثمارهم في مجال متخصص أم في مجالات عدة متنافرة لا رابط بينها؟ والموجه الثالث هل الإدارة منفصلة عن الملكية أم أنهما أمر واحد، وأخيراً ما نصيب الاستثمارات التطويرية والبحوث في ميزانيات هذه المؤسسات والشركات؟

إن الإجابة عن السؤال المهم بالاستعانة بهذه الموجهات يمكن أن يحقق لنا قطاعاً اقتصادياً خاصاً ذا نظرة متفائلة لمستقبل أفضل.

وقفـة تأمــل:
"إذا رأيت الرجل يحدث حديثاً قد علمته، أو يخبر خبراً قد سمعته، فلا تشاركه فيه، ولا تفتح عليه، حرصاً على أن يعلم الناس أنك قد علمته، فإن ذلك خفة، وسوء أدب وشح". عيدكم مبارك وكل عام وأنتم بخير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي