علاوة الإصدار بين الشك واليقين (1 من 2)

[email protected]

كثر الحديث عن علاوة الإصدار خاصة بعد طرح 30 في المائة من أسهم شركتي البحر الأحمر والحكير للاكتتاب العام بعلاوات إصدار كبيرة بالنسبة للقيمة الاسمية للسهم، وتعالت الأصوات هنا وهناك مطالبة هيئة السوق المالية بضرورة إعادة النظر في علاوات الإصدار حماية للمكتتبين من الغش والتضليل وحماية للسوق المالية من دخول شركات ضعيفة هلامية هي للخسارة أقرب منها للربح.
ول اشك أن الاستمرار في هذا الجدل سيكون له آثار سلبية على الاقتصاد الوطني إذا لم يتم حسمه بصورة نهائية ومرضية لجميع الأطراف، لأن ذلك قد يضر بكم ونوعية الاكتتابات التي تغذي مجتمع الأعمال بالتمويل اللازم لتنمية شركاتهم وتوسيع أنشطتهم كعنصر مهم في رفع قدراتهم التنافسية وبالتالي في تعزيز اقتصاديات المملكة أمام اقتصاديات الدول الأخرى، كما تغذي السوق المالية بأعداد كبيرة من الأسهم ليكون أكثر عمقا بما يجعله عصيا على السيطرة كما هو حاصل الآن، حيث يستطيع نفر قليل من الهوامير السيطرة عليه والتلاعب بأسعاره من خلال التحكم بالعرض والطلب بطرق قانونية .
وللإسهام في إيضاح أسباب علاوة الإصدار وكيفية تحديدها حتى لا تكون عائقا أمام تزايد الاكتتابات التي نحرص جميعا على زايادتها، أقول إن علاوة الإصدار تحدد للشركات القائمة التي ستطرح للاكتتاب العام بعد اجتيازها للفترة النظامية التي حققت ثلاث ميزانيات رابحة أو واعدة ولا تحدد للشركات حديثة التأسيس والمطروحة للاكتتاب العام، ذلك أن ملاك أسهم الشركات القائمة والمحققه لأرباح مؤكدة لن يتنازلوا عنها للأخرين دون أن يحققوا أرباحا تتناسب وقيمة السهم السوقية المتوقعة بناء على وضع السوق الثانوية ( تداول )، نعم هؤلاء سينظرون الى مكررات أرباح الشركات المدرجة في القطاع الذي تصنف شركتهم ضمنه، ويطالبون بقيمة عادلة لسهمهم تتناسب وتلك المكررات. وهذا حق لهم ولا يستنكر ذو لب عليهم ذلك.
ولكن هل القيمة السوقية للأسهم في السوق الثانوية هي العامل الوحيد الذي يؤخذ بعين الاعتبار لتحديد علاوة الإصدار للأسهم المراد طرحها للاكتتاب، بمعنى هل يحق لنا أن نقول إن شركة عقارية (على سبيل المثال) تحقق أرباحا بواقع خمسة ريالات للسهم يجب أن تطرح بـ 80 ريالا (10 ريالات قيمة اسمية + 70 ريال علاوة إًصدار) لأن شركة عقارية أخرى تحقق أرباحا بواقع ستة ريالات للسهم يتم تداولها في سوق الأسهم في نطاق سعري (100-120 ريالا) أي بمكرر أرباح (15-20)، بالطبع لا فهناك عوامل أخرى تدخل في تحديد علاوة الإصدار إضافة إلى متوسط مكررات السوق الثانوية المتغير من فترة إلى أخرى حسب المرحلة التي يمر بها السوق (ازدهار- استقرار ـ كساد)
والسؤال المهم: من الذي يقوم بدراسة الشركة واقتراح علاوة الإصدار وتقديم كل ذلك لهيئة السوق المالية؟ وما مسؤولياته؟ وما القوى المؤثرة عليه ليكون صادقا وعادلا في عمله ؟ والإجابة إنه المستار المالي المرخص من قبل هيئة السوق المالية للقيام بأعمال الترتيب والاستشارة المتعلقة بأنشطة التمويل، وهو المسؤول عن دراسة الشركة وقطاعاتها المخلتفة والسوق الذي تعمل فيه، والمسؤول عن دراسة قوائمها المالية التاريخية والحالية المراجعة من قبل مكاتب تدقيق محاسبية معتمدة وموثوقة، ليتعرف على نسب النمو المالية السابقة ونسب النمو المتوقعة، وبالطبع فإن المستشار المالي يعمل جنبا إلى جنب مع المستشار القانوني الذي يقوم بالتأكد من العقود والأمور النظامية الأخرى كالالتزام بشروط وتعليمات الطرح.
ولا شك أن المستشار المالي يقع تحت ضغط قوتين مؤثرتين متضادتين، الأولى ملاك الشركة الذين يرغبون في علاوة إصدار كبيرة تتناسب وطموحاتهم، ومدير الاكتتاب الضامن الذي يريد التأكد من قيمة الأسهم المطروحة عادلة وتتناسب مع قوى السوق (العرض والطلب) وأنها ستكون مغرية للمكتتبين للاكتتاب بها وتغطيتها حتى لا يتعرض لالتزامات مالية أو تتعرض سمعته لاهتزازت سلبية عندما يتم تداول السهم بأقل من القيمة المطروحة للاكتتاب العام، وبالتالي فإن المستشار المالي وهو الممثل لهيئة السوق المالية بطريقة غير مباشرة (لأنه مرخص من قبل الهيئة) سيكون حريصا كل الحرص على تحقيق الفهم الكافي لنشاط الشركة وطبيعة القطاع الذي تعمل فيه لتصبح عملية التقييم مبنية على أسس علمية واضحة حتى لايظلم أي طرف من الأطراف ذات الصلة بالاكتتاب (الشركة، المكتتبين، مدير الاكتتاب).
ولكيلا أطيل على القارئ الكريم، أود القول إن كثيرا من الكتاب ركزوا على جانب واحد بالنسبة لعلاوة الإصدار وهو التركيز على القيمة الاسمية والدفترية للشركة وتناسوا القيمة السوقية، ولو أن الأمر كذلك لوجدت في السوق سيارات تباع بالمجان لأن قيمتها الدفترية صفر بعد إهلاك سنوات استخدامها، وهذا غير حاصل ذلك أن القيمة السوقية عنصر حاسم في التسعير، نعم فتسعير قيمة أسهم الشركات القائمة المطروحة للاكتتاب العام تستند إلى سؤالين، الأول ما قيمة الشركة الحقيقية ؟ والثاني ماهي قيمة الشركة مقارنة بالشركات المدرجة في فترة الإدراج؟ والسؤال الثاني هو مايجب علينا عدم إسقاطه عند مناقشة علاوة الإصدار، وسوف أوضح ذلك بالمزيد من التفاصيل في المقالة المقبلة، لكيلا تكون علاوة الإصدار سببا في تناقص الاكتتابات التي تشكل في ظني أهمية بالغة لسوقنا الناشئ .

كاتب اقتصادي

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي