جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية .. ليست مجرد جامعة

إن المتتبع لمسيرة التعليم العالي في بلادنا الغالية يدرك تماماً الدور التنموي القيادي الذي اضطلعت به تلك المؤسسات منذ عهد المليك المؤسس – طيب الله ثراه – وحتى هذا العهد الزاهر الذي أعلن فيه أخيرا إنشاء جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية. وعلى مر السنين الماضية حققت مؤسسات التعليم العالي إنجازات عديدة تركزت في بادئ الأمر على سد احتياجات الوطن من الكوادر البشرية المؤهلة في شتى التخصصات العلمية ثم اتسع نطاق اهتماماتها ليشمل الإسهامات المتعددة في مجالات البحوث العلمية والتطبيقية وتقديم الاستشارات والبرامج التدريبية وعقد المؤتمرات والندوات العلمية التي تصب في نهاية المطاف في خدمة المجتمع في شتى قطاعات التنمية الشاملة.
إن جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية وفقاً للإرادة الملكية السامية التي رسمت أبرز ملامحها وحددت أهدافها ورسالتها تمثل رؤية استراتيجية طموحة، ارتكزت على تحليل متعمق ودقيق للمتطلبات الوطنية الداخلية للمرحلة الحالية والمستقبلية من جهة وللتحديات والمستجدات العالمية المعاصرة من جهة أخرى. ومما لا شك فيه أن هذه الجامعة تأتي استجابة طبيعية للنهضة الصناعية والتقنية والاقتصادية المتمثلة في بناء المشاريع التنموية العملاقة في شتى أرجاء المملكة، أما على الصعيد الخارجي فإن التسارع المتلاحق للتقدم العلمي والتقني ولاسيما في مجال تقنية المعلومات يستوجب إنشاء المؤسسات العلمية المتميزة القادرة على المنافسة في ظل تحديات العولمة وتداعياتها.
بيد أن هذه الجامعة ليست مجرد جامعة، على الرغم أنه من المتوقع أن تقوم بأداء وظائفها التدريسية أو التعليمية والبحثية وتسخيرها لخدمة المجتمع بأسلوب يتسم بالإبداع والابتكار بعيداً عن النمط التقليدي الذي تمارسه المؤسسات الأكاديمية، لكنها فوق ذلك كله تحمل في مضامينها أبعاداً وطنية وقومية وعالمية.
أما على البعد الوطني، فإن جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية سوف تمثل أنموذجاً رائداً يحتذى به من قبل شقيقاتها الجامعات الأخرى في الجوانب الإدارية والتنظيمية والأكاديمية والبحثية على حد سواء.
وفي اعتقادي أن قيام هذه الجامعة يمثل منعطفاً تاريخياً بارزاً في مسيرة تطوير التعليم العالي، إذ إنه من غير المستبعد أن يحدث قيام هذه الجامعة التي ينبغي أن تتمتع بقدر كافٍ من المرونة والاستقلالية والحرية الأكاديمية تغيراً جذرياً في الهيكلية الإشرافية والإدارية والتنظيمية والتمويلية والتشغيلية لبقية مؤسسات التعليم العالي وفي مقدمتها الجامعات السعودية الأمر الذي قد يستدعي إعادة هيكلة نظام التعليم العالي برمته.
أما على البعد القومي، فلقد سعدت كثيراً بردود الأفعال والتعليقات عن جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية التي أبداها عدد من النخب الإدارية والأكاديمية، في اجتماع علمي عقدته المنظمة العربية للتنمية الإدارية بعنوان الجامعات العربية ودورها في تنمية المجتمع في مدينة الإسكندرية خلال الصيف المنصرم، حيث تقدمت بورقة عمل عن الجامعات السعودية وتوطين التقنية، أشرت فيها إلى أهم ملامح هذه الجامعة كما وردت في الخطاب الملكي الكريم ولاسيما ما يتعلق بسياساتها المتعلقة بفتح أبوابها لكل الأساتذة والعلماء والباحثين المتميزين والدارسين النابغين من أبناء الأمتين العربية والإسلامية حيث ركزت المداخلات على الدور المتوقع لهذه الجامعة في رعاية النبوغ والتميز العربي الإسلامي والإسهام في الحد من هجرة العقول العربية والإسلامية خارج الحدود إلى الجامعات الغربية والأجنبية.
بل إن البعض استبشر خيراً ووصف الجامعة بأنها الحلم العربي والإسلامي لمستقبل أكاديمي علمي واعد إذا ما توافرت لها الإمكانات المادية والبشرية واللوائح التنظيمية والبيئة العلمية المناسبة.
أما على البعد العالمي، فإن هذه الجامعة المزمع قيامها تمثل لفتة إنسانية كريمة من ملك الإنسانية ومملكة الإنسانية، لأنه من المتوقع أن تفتح أبوابها لكل عالم أكاديمي رصين ولكل دارس وباحث نابغ من شتى أصقاع العالم على أساس معيار التميز، بغض النظر عن الدين أو اللون أو الجنس أو العرق. إنها مبادرة كريمة من رجل كريم ينتمي إلى أمة كريمة أراد الله عز وجل لها أن تكون خير أمة أخرجت للناس، مهتدياً بذلك على أساس أن دين الإسلام هو دين البشرية ومقتدياً بالرسول الكريم الذي أرسل هدى للعالمين. إن جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية من المتوقع أن تكون جامعة عالمية متميزة في نظامها وأدائها وإنجازاتها العلمية والتعليمية، لكنها ليست مجرد جامعة بل مركز إشعاع عالمي للعلم والتقنية، تتلاشى بين قاعاته ومعامله كل دعوات الصدام الحضاري وتنحسر بين طرقاته وجنباته شتى مظاهر التعصب والتعنصر، استجابة للهدي السماوي بإعمار الأرض والحفاظ على كرامة الإنسان بما يحقق الرخاء والرفاهية والسلام للبشرية جمعاء.
وقبل أن أختم مقالي، أتمنى من القائمين على إنجاز مسودة هذا المشروع، أن تتاح الفرصة للمتخصصين وذوي الخبرة من داخل المملكة وخارجها لمناقشته بأسلوب علمي رصين من خلال ورشة عمل كبرى يتم من خلال فعالياتها وأنشطتها إنضاج المشروع وإثرائه بما يتناسب مع الآمال والطموحات المنعقدة على ميلاد هذه الجامعة.. لأنها ليست مجرد جامعة.

والله من وراء القصد ،،،

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي