بين التسامح والكراهية!
وصف الله سبحانه وتعالى الرسول الكريم محمد بن عبد الله بأعظم وصف حين قال"وإنك لعلى خلق عظيم" وفي طيات هذا الوصف، أنبل الميزات وأرقى الصفات من نبل وكرم وتسامح وعطف وتجاوز وكل ما من شأنه تعبير عن الرقي الخلقي لهذا النبي المصطفى، صلى الله عليه وسلم. وهو ما عبر عنه نبينا الكريم بتجلي ووضوح، حين عاد إلى مكة المكرمة منتصراً، بعد 20 عاماً من الاضطهاد والحروب والنكاية وقتل الأصحاب وتعذيب المؤمنين برسالته، عاد كبير الشأن يملك زمام الأمور وجيشاً عظيماً، بيده إنزال كل العقوبة على من أذوه وقتلوا أصحابه، من طردوه ولاحقوه وألبوا العرب عليه... لكن هل فعل ذلك؟! المتسامح الكريم سأل أهل مكة: ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا أخ كريم وابن أخ كريم. قال اذهبوا فأنتم الطلقاء. وبعد هذا العفو مباشرة، حاول أحد أهل مكة اغتياله في الحرم وعندما كشف الرسول أمره لم يزد على أن ابتسم ومسح على قلبه وقال له اتق الله.
هذه هي سيرة محمد صلى الله عليه وسلم، التسامح والعفو حين القدرة المطلقة... ونبي هذه الأمة لا يحتاج إلى مثل هذا التعريف لأن من هم على غير ملته شهدوا له بذلك، بل إن المؤرخين على جميع مللهم ومناحلهم قد اتفقوا على أنه أعظم من أُنجب على مر التاريخ والأزمان، ويكفي أن كتاب "أعظم الخالدين" قد وضعه على قمة هرم الخالدين، وكذلك كتاب "أعظم مائة رجل في العالم"، وضعه في مقدمة هؤلاء العظماء.. هؤلاء المؤلفون لم يكونوا على دينه، بل استقوا ذلك مما وثق وسطر من سيرته من تسامح ورقي فكري وعظمة رسالة.. وبعد أليس من الأولى أن نكون نحن من نتمنى أن نكون على هديه وطريقه؟ أقول أولى أن ننعم بالتسامح والحب لكل من هم في العالم أجمع ؟!.. نهتدي بهديه ونستلهم من سنته كل المثل والقيم، لأن انفلات ثقافة الكرة والتعصب والعنف بين الأديان والبشر قد عظم ضرره على الإسلام، بل إنها قد أضعفت من التوجهات السلوكية والأخلاقية بعيدة المدى للإنسانية ككل، ومثل ذلك لابد أن يصبّ في تعميق الكره والتخلف وعودة البشرية إلى نظام التقاتل المستمر، والأدهى والأمر من ذلك، أنه يتيح الفرصة أكثر لمن يملك القوة العسكرية أن يتحكم أكثر، ويفترس من البشر أكثر بحجة القضاء على الإرهاب الديني !!.
ديننا الإسلامي هو دين الحقوق والحب والتعايش، وهو الذي سبق المواثيق الدولية في كل ما يخص الحقوق الاجتماعية وشدد عليها للناس كافة وليس للمسلمين فقط، رسول كريم عرض الإسلام برفق واعتدال وتعقل وتواصل بمحبة وتسامح مع الناس.. فهل يدرك أولئك المنساقون سواء بحسن نية أو بدونها إلى أي مصير يقودون شباب هذه الأمة سواء من على المنابر أو من خلال المنتديات ووسائل الإعلام، وإلى أي مدى هم يسيئون إلى هذا الدين العظيم. فإن كذب حبر من أحبار المسيحية، أو تهكم جاهل من اللادينية، فلا يعني أن نجيّش ونهدد بالقتل والحرق، لأن الإسلام هو دين الحوار والجدل بالحق "وجادلهم بالتي هي أحسن " دين الرشد الأخلاقي، دين الرحمة والإصلاح ... لا.. التهديد والوعيد. فرفقاً يا من تنادون بالويل والثبور بشباب الأمة، ورفقاً بمكتسباتها.
<p><a href="mailto:[email protected]">Mosaad@al-majalla.com</a></p>