سوق الأسهم السعودية قبل التفكير في الحلول.. ماذا يجب القيام به؟!

[email protected]

نتطلّع جميعاً دون استثناء إلى أن تنتهي الأزمة الراهنة الأقسى في تاريخ سوق الأسهم المحلية بأسرع وقت، تلك الأزمة التي طال أمدها بدخولها الشهر التاسع على التوالي منذ أن اشتعل فتيلها مع بدء تعاملات صباح الأحد 26 شباط (فبراير) من العام الجاري. ولكن قبل أن أقوم بمحاولة اقتراح أهم الحلول الممكنة للخروج من ربق هذه الأزمة الحمراء آخذاً بالاعتبار الحساسية المفرطة لأي قرارات أو إجراءات يمكن أن تتخذ من قبل هيئة السوق المالية، أو أي طرفٍ له علاقة بالسوق، وانعكاسات تلك القرارات على أوضاع السوق المختلة بصورةٍ كبيرة. أؤكد قبل أن أنفذ إلى دائرة مقترحات الحلول لا بد من تمهيد أو تهيئة بيئة معالجة الأزمة. ذلك أن الحلول المطروحة للإنقاذ تتسم بالعديد من الخصائص أو السمات البالغة الأهمية، والتي لا يمكن تجاهلها ونحن بصدد العمل على توطيد متطلبات استقرار السوق بالدرجة الأولى، ومن ثم وضعه على خط سيرٍ تخفُّ فيه حدّة التذبذبات ودرجات المخاطرة، بل وتمنع ترسبها وتراكمها في زوايا مخفية من السوق، لتنفجر في لحظة من المستقبل القادم يمكن أن تعيدنا إلى الوراء ماحقةً معها كل الجهود والتطويرات التي تمّت على هيكلة السوق.
فما أهم تلك السمات التي تختص بها الحلول المقترحة هنا؟ هذا ما سأستعرضه هنا قبل أن أبدأ بالتفصيل في وضع مقترحات حلول الخروج من "الدائرة الحمراء" الراهنة، والتي أرجو من الله أن يوفق لتظهر في الأسبوع المقبل.
التوقيت: هذا العامل من أخطر العوامل التي يمكن أن تؤدي إلى كارثة حقيقية على السوق إن تم إغفاله! وهذا ما أوضحته دراسة للزميل الدكتور سالم آل قظيع نشرها هنا في صحيفة "الاقتصادية" بداية العام الجاري، حينما توصّل في إحدى نتائج دراسته أن قرارات الهيئة التي استقبلتها السوق بصورةٍ "سلبية" أو معاكسة حملت تأثيراً يتجاوز "ضعف" تأثيرها فيما لو كانت "إيجابية". ذلك على الرغم من أن جميع قرارات الهيئة انطلقت من تحت مظلة نظام السوق المالية ولوائحه التنفيذية، وتُعد قراراتها بإيقاع العقوبات على المخالفين مثال على القرارات التي استقبلتها السوق بصورةٍ سلبية! وهذا يعكس تماماً إحدى حالات الاختلال المعقدة التي أشرتُ إليها في مقالات سابقة. ولعل الهيئة التفت إلى هذا الجانب مبكراً في وقتٍ متقدم، حينما انتهجت إعلان جميع قراراتها قبل أو بعد إغلاق عمل السوق! ولكن في حالة السوق المحلية بما تكتظ به من اختلالات هيكلية يبدو أن هذا العامل شديد الحساسية يتطلّب أخذه بأهمية أكبر بكثير من السابق. ولعل من أبرز الشواهد الساخنة على ما ذهبت إليه التراجعات الكبيرة في المؤشر العام بعد صدور قرار هيئة السوق المالية بإيقاف التعامل مع الحسابات الاستثمارية لاثنين من المتداولين بعد نهاية عمل السوق في 9 نيسان (أبريل) 2006، لينحدر المؤشر العام في عشرة أيام فقط بأكثر من 31.2 في المائة! وبعد، تزداد أهمية أخذ هذه السمة بعين الاعتبار في إطار تنفيذ الحلول والمقترحات الهادفة إلى إخراج السوق المالية من أزمتها الحمراء الراهنة.
المدى الزمني: تعد سوق الأسهم المحلية سوقاً ناشئة بكل المقاييس، ما يعني أنها تعمل تحت مظلة التطوير والإصلاح والمعالجة، وذلك نظير ما تكتظ به من اختلالات هيكلية معقدة وكثيرة. وعلى الرغم من مرور عقدين من الزمن قبل تأسيس الهيئة، إلا أنني متأكد تماماً أن ما قامت به هذه الهيئة الناشئة، وعلى الرغم من كل ما حدث من أخطاء إن وجدت، أنها قد أحدثت من التطوير والتعديل الهيكلي في ظرف سنتين أكثر مما تم إحداثه طوال العقدين الماضيين! والشواهد على ذلك كثيرة؛ لعل من أبرزها رفع مستوى الشفافية والإفصاح إلى 100 في المائة، مقارنةً بالحالة المزرية التي كان يعاني منها هذا الجانب المهم. كما أخضعت ثقافة السوق العشوائية المفعمة بروح المضاربة المحمومة في فترة وجيزة لثقافة القانون! وأرى أن لائحة سلوكيات السوق واحدة من أهم الإضافات الجوهرية التي افتقدتها سوقنا المالية طوال العقدين الماضيين اللذين سبقا تأسيس الهيئة، واليوم نشهد إضافةً جوهرية لا تقل عنها ممثلةً في لائحة حوكمة الشركات. ما أهدف إليه هنا؛ أن المعالجات الهيكلية بحاجةٍ ماسة إلى منحها المدى الزمني لتتمكن من إبراز أثرها وجدواها، كما أهدف إلى القول إن ما تقوم به الهيئة من تطوير وإصلاح للسوق يتطلّب مديات زمنية قد تطول إلى عدة سنوات، وهذا أمرٌ مهم جداً يجب أن تستقر حقيقته لدى كافة الأطراف بما فيهم الهيئة نفسها. ولعل من أبرز تلك التحديات التي تتطلب وقتاً قد يمتد إلى عشر سنواتٍ هو تحويل السوق المالية المحلية من سوقٍ قائمة أغلبيتها على الأفراد إلى سوقٍ مؤسساتية، وعليه يجب ألا نتسرع القرارات أو النتائج في هذا الطريق البالغ الخطورة! وهذا من أهم ما يثير جدلية التوقيت الجديد لعمل السوق المالية، فكما يبدو أن السوق لم تستطع التكيف معه أو حتى لم تتقبله تماماً! وذلك أمرٌ متوقع؛ لأن أغلبية نشطاء السوق من الأفراد الذين يشكلون أكثر من 90 في المائة من المتعاملين، يرتبط أغلبهم بوظائف وأعمال يتعارض وقتها مع التوقيت الجديد. في الجانب الآخر؛ لم نر حتى اليوم مؤسسات الوساطة الجديدة التي مضى على بعضها أكثر من عام منذ الترخيص لها قد بدأ بالفعل في ممارسة عملها، إذ ما زلنا عند نقطة الصفر! فما البدائل المتاحة للأفراد للتكيف مع توقيت التداول الجديد للسوق سوى البنوك المكتظة بالمتعاملين؟!
التنسيق مع الجهات ذات العلاقة: رأينا قرارات وإجراءات اتخذتها الهيئة في الأوقات الماضية، بعضها وجد معارضة من جهات رسمية أخرى كحالة بنك البلاد، وبعضها كشف عن عدم وجود تنسيق بين الجهات ذات العلاقة. وفي حالة جهازٍ جديد كالهيئة يزداد الأمر أهمية إلى حدوده القصوى؛ وقد توسعتُ في هذه القضية تحديداً الفترة التي سبقت تأسيسها وأثناء وبعد هذا التاريخ، وأكّدت ضرورة أن تدعم ثلاث جهاتٍ بعينها عمل الهيئة "وزارة المالية، ومؤسسة النقد، ووزارة التجارة والصناعة"، وبعيداً عن العودة إلى تلك التفاصيل؛ تؤكد الحالة الراهنة للسوق المالية الأهمية القصوى لتعزيز هذا التنسيق وتطويره، ولعل من أبرز ما يجب الإشارة إليه في هذه القضية تحديداً، أن تقدّم مؤسسة النقد بما تمتلكه من خبراتٍ اقتصادية ومالية وطنية، ممثلةً في الكوادر البشرية بالإدارة العامة للأبحاث الاقتصادية والإحصاء؛ نصائحها الاستشارية فيما يتعلق بالتطوير الهيكلي للسوق، ودراسة الآثار المحتملة لأي من القرارات أو الإجراءات المستقبلية قبل صدورها.
الجميع مسؤول وليس الهيئة فقط: يجب أن نفهم جميعاً أن الهيئة لوحدها لا تملك "الحل السحري" لحل أزمة السوق الراهنة، ولا حتى مشاكله المحتملة مستقبلاً. الجميع يتحمل المسؤولية من أصغر مستثمر إلى أكبر جهةٍ لها علاقة بالسوق؛ الجهات الرسمية بما فيها الهيئة ووزارة المالية ومؤسسة النقد ووزارة التجارة والصناعة والبنوك التجارية ومؤسسات الوساطة والشركات المساهمة ومكاتب المراجعة القانونية والجمعيات المهنية، على رأسها جمعيتا الاقتصاد والمحاسبة وعموم المستثمرين كباراً وصغاراً. وبطبيعة الأمر فلكلٍ مسؤوليته ودوره في دعم استقرار السوق من عدمه! كما أن الأثر السلبي للإخلال بهذا العامل بأي درجةٍ كانت سينعكس سلباً على السوق المالية. وأنا أؤكد هنا أن أحد أخطر الأسباب التي أدّت إلى الخسائر الكبيرة الراهنة في السوق، قد أتى من هذا "الباب الأسود" بما يعني أن مسؤولية ما حدث تقع على الجميع دون استثناء بدرجاتٍ متفاوتة، وأنه يعني أيضاً أن الحل مرهون بما يتعلق بكل جهةٍ أو فردٍ من المذكورين أعلاه!
نستكمل معاً بإذن الله تعالى في الأسبوع القادم مقترحات الحل، والتي ستنطلق في جوهرها من مبدأ أن الجميع مسؤول عمّا حدث للسوق من انهيار، وأنهم أيضاً مسؤولون عن اتخاذ ما يلزم من حلول كلٌ حسب دوره وموقعه في السوق. كما سأتطرق إلى التحذير من بعض الحلول الخادعة أو الكوارثية التي يظن البعض أنها حل، وهي في حقيقة الأمر ليست إلا مسكناً للألم أو حتى فخاً قد ننصبه للسوق مستقبلاً، سندفع ثمنه مضاعفاً مقارنة بحجم الخسائر الراهنة، كمن ينادي بالسماح للشركات المساهمة أن تشتري أسهمها، أو من يطالب الحكومة بالتدخل المباشر في تعديل قوى العرض والطلب القائمة في السوق، أو من يطالب بإيقاف فرض العقوبات على المخالفين في السوق، أو من يطالب بالإيقاف التام للاكتتابات الجديدة، كل هذا سأستعرض مخاطره معاً مطلع الأسبوع المقبل بإذن الله، فإلى الملتقى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي