حلول لسد الفجوة بين مسؤولي الحكومة والإعلام

<a href="mailto:[email protected]">t-hafiz@hotmail.com</a>

هناك فجوة عميقة واضحة في العلاقة التي تربط بين المسؤولين بالأجهزة الحكومية ووسائل الإعلام المحلية المختلفة في المملكة العربية السعودية، ولعل ما يؤكد صحة ذلك محدودية ظهور وندرة تحدث المسؤولين الحكوميين لوسائل الإعلام السعودية المختلفة، بهدف الالتقاء من خلالها بالمواطنين لتعريفهم بما يدور في داخل أورقة أجهزتهم الحكومية، بشكل دوري منظم ومنتظم يجعل المواطن على علم ودراية تامة، بما يقوم به المسؤول في الجهاز الحكومي من أعمال، وما يقدمه جهازه من خدمات، ما في ذلك بما ينوي المسؤول عمله في المستقبل ويخطط له للنهوض بمستوى أداء جهازه.
هذا الجفاء الإعلامي بين مسؤولي الدولة والإعلام السعودي، وبعد المسافات التي تفصل فيما بينهما، خلق نوعا من التباعد الواضح في العلاقة، التي تربط بين المواطن والمسؤول الحكومي، ولا سيما أن الإعلام هي الأداة الأمثل والوسيلة الأفضل والأكثر شيوعاً لتوصيل المواطن بالمسؤول وتقريب وجهات النظر فيما بينهما، ومشكلة هذا التباعد، وضعت المسؤول تقريبا وجعلته في عزلة شبه تامة عن المواطن، وبالذات أن ذلك التباعد قد حد من قدرة المسؤول من التعرف على حاجات المواطن وتلمسها عن قرب، بما في ذلك التعرف على المشاكل والهموم، التي يعانيها ويواجهها لدى تعامله مع الجهاز الحكومي أو مع القائمين على إدارته.
هذا التباعد الإعلامي بين المواطن والمسؤولين الحكوميين، أعطى الإحساس للمواطن بأن المسؤولين في أجهزة الدولة المختلفة يعشون في أبراج عاجية، لا يمكن التواصل معهم أو حتى التحدث إليهم في أمر أو بمسألة ما لها علاقة بحاجة المواطن وبأداء الجهاز الحكومي، الأمر الذي ضاعف من بعد المسافة، وخلق المزيد من التنافر والتباعد بين المواطن والمسؤول الحكومي.
هذا المأزق الإعلامي الذي يعيشه المسؤول الحكومي ببلادنا، والذي كما أسلفت تسبب في ضعف وفي تضييق قنوات الوصل والتواصل، بين المواطن والمسؤول الحكومي بالأجهزة الحكومية المختلفة، أفرزته وصنعته ثقافة المجتمع السعودي، التي لم تعود أفراد المجتمع منذ نعومة أظفارهم على التحدث للعامة والتحاور مع الآخرين، هذا الضعف في ثقافة الحوار وعدم القدرة على التحدث للآخرين أو أمامهم، خلقتها في البدايات نشأة الأسرة، وأسلوب تربيتها الخاطئ للنشء، إذ كانت تصادر في الماضي حرية الكلمة والتعبير عن الرأي، ومن ثم جاء نظام التعليم السعودي، بوسائله وبمراحله المختلفة، ليعزز ويثبت من ثقافة تلك المفاهيم الخاطئة والبالية، كما أن عدم تركيز المناهج التعليمية في المراحل الجامعية المختلفة، على تدريس مواد متخصصة في تقوية وتثبيت مفاهيم لغة الحوار لدى الطلاب Presentation Skills، بما في ذلك تثبيت مفاهيم التحدث لديهم أمام الآخرين Addressing an Audience، ساهم بشكل كبير في تعميق ضعف ثقافة الحوار بين أفراد المجتمع السعودي، وعدم القدرة على التحدث أمام الآخرين ومواجهتهم، بأسلوب حضاري راق وعصري متقدم.
الحكومة السعودية، تنبهت للخلل المنتشر بثقافة الحوار الوطني بين أفراد المجتمع، وتبنت فكرة إنشاء مشروع مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، بهدف تعزيز وتأصيل ثقافة لغة الحوار بين أفراد المجتمع السعودي، بصرف النظر عن اختلاف المفاهيم والمذاهب والرؤى حول موضوع ما.
برأيي أن الحل الوحيد للخروج من هذا المأزق الإعلامي، المتمثل في ضعف وهشاشة العلاقة الإعلامية التي تربط بين المواطن والمسؤول الحكومي، هو تبني المسؤول الحكومي لفكرة تصميم وتنفيذ خطة إعلامية سنوية، يتحدث من خلالها لعامة المواطنين بشكل دوري منظم ومنتظم، وأيضاً كلما دعت الحاجة إلى ذلك، بهدف وكما أسلفت توضيح أهداف وعمل الجهاز الحكومي، وتلمس احتياجات المواطن والتعرف على مشاكله وهمومه عن قرب، ولعلي أقترح في هذا الخصوص، إخضاع جميع المسؤولين التنفيذيين العاملين بالأجهزة الحكومية المختلفة بالدولة، بدءا من الوزراء وما في حكمهم، لدورات متخصصة في فن إلقاء الخطابة ومحاورة الآخرين، وكما هو معمول به ومطبق في معظم دول العالم المتقدم، ولعلي أقترح أيضاً في هذا الخصوص، تخصيص وسائل الإعلام السعودية المقروءة والمسموعة والمرئية منها، لبرامج حوارية متخصصة لاستضافة المسؤولين الحكوميين في الدولة، ومحاورتهم المحاورة الجريئة والصريحة، التي تتيح للمواطن التعرف على عمل وأداء الجهاز الحكومي وتقييمه، والتعرف كذلك على أبرز الخطط المستقبلية لتطويره، وتمكنه أيضاً من قياس مدى درجة الرضى عن أداء المسؤول وجهازه.
في مقال سابق نشر لي في "الاقتصادية"، شددت على ضرورة مطالبة المسؤولين التنفيذيين بالأجهزة الحكومية المختلفة، بتقديم وشرح برنامج عمل أجهزتهم الحكومية قبل توليهم مناصبهم الحكومية، أو بعض قضاء فترة عمل مناسبة بالجهاز، والذي من خلاله، يمكن الكشف لعامة المواطنين، عن أبرز الخطط المستقبلية، التي سيتبعها المسؤول للارتقاء بأداء الجهاز، مشدداً في ذلك على أهمية ضرورة استخدام جميع الوزارات والأجهزة الحكومية المختلفة في الدولة، وتطبيقها لما يعرف ببطاقة الأداء المتوازن Balanced Scored Card في إدارتها لدفة أعمالها، والتي يمكن من خلالها تحديد الأهداف وقياس الأداء، بما في ذلك التعرف على الانحرافات ومعالجتها.
في رأيي أن استخدام الوزارات والأجهزة الحكومية المختلفة في الدولة، لمثل هذه التقنيات والأساليب الإدارية الحديثة والمتطورة، ونشرها في وسائل الإعلام المحلية المختلفة، سيساعد على نشر الوعي الإداري بين عامة الناس، بعمل الأجهزة الحكومية والإنجازات، التي تحققت خلال فترة زمنية ما، كما أن مثل هذا الأسلوب سيساعد المسؤولين على قياس مدى رضا المواطن عن أداء المسؤول الحكومي وجهازه، ولعلي أقترح في هذا الخصوص، أن تشتمل بطاقة الأداء المتوازن على جزئية تتعلق بمدى تواصل المسؤول مع المواطن خلال الفترة الزمنية التي تغطيها البطاقة، من خلال إعداد برنامج زيارات عمل مسبق لزيارات المسؤول لمناطق المملكة المختلفة.
في رأيي أيضاً أن تعزيز قنوات الاتصال والتواصل بين المواطنين والمسؤولين، في الأجهزة الحكومية المختلفة في الدولة وتطويرها، سيساعد على التحسين من أداء الأجهزة الحكومية من خلال توفير ما يعرف في علم الإدارة الحديثة بالتغذية المرتدة أو المعاكسة للمسؤولين في الدولة، هذا الأسلوب سيساعد أيضاً على توليد الإحساس لدى المواطن بالرضى، لكونه أصبح قادراً على التخاطب مع المسؤول الحكومي والتواصل معه عن قرب والتعريف والتحدث إليه عن مشاكله وهمومه، والذي بدوره سيعمل على تعميم الفائدة والنفع على جميع أفراد المجتمع السعودي بلا استثناء.
في رأي كذلك أن تعزيز قنوات الوصل والتوصل بين المواطن والمسؤول الحكومي، سيعزز من جهود برنامج الإصلاح الإداري الطموح، الذي تتبناه الحكومة السعودية، والذي يشمل جميع الأجهزة الحكومية، ويقوده خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، كما أن ذلك سيثبت من مفاهيم مقولة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الأخيرة، "من نحن دون المواطن"، التي أعلن عنها مجلس الوزراء في 28 آب (أغسطس) 2006، واعتبرها منهجا لعمل كل الأجهزة والمؤسسات الحكومية، والتي عبر عنها عدد من الاقتصاديين والمفكرين في حديث لهم لـ "الاقتصادية"، أن اعتمادها في برنامج عمل الأجهزة الحكومية، من شأنه أن يدفع الأجهزة التنفيذية في البلاد، إلى التفاعل وإنجاز مسائل المواطنين في أسرع وقت، وبالله التوفيق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي