من مشاهدات الصيف:الخطوط السعودية.. التخصيص لن يحل كل المشاكل
لم يسبق أن كتبت عن "الخطوط السعودية" رغم ما يلاحظه المداوم على استخدامها ويؤكده ما ينشر باستمرار من شكاوى وملاحظات حول الأداء على الأرض وفي الجو, يلمس المتتبع ازديادها بشكل ملحوظ خلال فترات المواسم, وبالذات في الصيف الأخير, الأمر الذي ينبئ عن فشل ما نسمع عنه من محاولات وجهود لرفع مستوى الأداء, وإشاعة روح الإخلاص والولاء, ولعل أكثر ما سمعنا ونسمع عنه هو التخصيص الذي تعلق عليه كل الآمال في القضاء على المشاكل, وكأن عدم التخصيص هو السبب فيما يحدث من أخطاء هي في مجملها متعلقة بالذهنية الفردية للعاملين والمتعاملين على حد سواء, ومدى تأصل الوعي والثقافة والشعور بالواجب في وجدانهم.
ولكي أكون منصفا, أقول إن قدر "السعودية" أنها كانت ولاتزال الناقل الجوي الوحيد لا يشاطرها غيرها حتى في حمل المشاكل, فضلا عن أن عملها يتصف بالحساسية وتحف به المخاطر لتعلقه بسلامة الركاب وحياتهم ووقتهم وأعمالهم! ومن سوء حظها أنها تتعامل مع نوعيات مختلفة من البشر, يقع معظمهم في أدنى مراتب الوعي والإدراك والثقافة ضمن أفواج تتدفق من المعتمرين والحجاج والعمالة وركاب المواسم وما يضيفه ذلك من صعوبة التعامل مع ركاب لا يفهم بعضهم حتى لغة الإشارة, وهذا في ظني ما يفسر الحالة المستعصية على الحل في مطار الملك عبد العزيز في جدة بوصفه المطار الأكثر مواجهة لتلك النوعيات من البشر الذين تأثرت منهم نفسيات العاملين في المطار, وأصبحوا يؤدون أعمالهم بشيء من الضيق والضجر, انعكس على أسلوب التعامل مع كل من يستخدم المطار حتى أكثر الناس وعيا وإدراكا وأرقاهم سلوكا.
نعم إن نوعية الركاب الذين يستخدمون مطار جدة هم بلا شك غير النوعية التي تستخدم مطارا مثل دبي أو بيروت, غير أن هذا السبب لا يبرر ما يحدث من تقصير وأخطاء يرى المراقب أحيانا أنها ما كان ينبغي أن تحدث لو أدى الموظف عمله بشيء من الاهتمام وتعامل برفق ولين مع الراكب الذي لم يكن أمامه غير "السعودية", وهي المستفيد الأول منه.
الأمثلة كثيرة على تدني الاهتمام من قبل بعض ولا أقول كل الموظفين بما يهدم جهود المخلصين ويصيبهم بالإحباط, وهم يرون محاولاتهم لإصلاح الوضع تذهب سدى.
في آخر رحلة أخذت فيها الطائرة مختارا, كعادتي, مع عائلتي وهي الرحلة رقم 152 باريس ـ جدة ـ الرياض بتاريخ 4/9/2006, التي أقلعت متأخرة ساعة عن وقتها المحدد وهو 12:45 ظهرا, حصل ما كنت أتخوف منه في مطار جدة, حيث تم إنزال ركاب الرياض بعد الوصول الساعة 6:45 بدلا من مواصلتهم إلى الرياض في رحلة رسمية مجدولة, وبعد إنهاء إجراءات الجوازات لم يجد الركاب أمامهم من يرشدهم إلى أين يذهبون, حتى موظفي "السعودية" في كاونتر المواصلة اعتذروا بأنه ليس لديهم علم بالرحلة, ولا تعليمات عن كيف يتصرفون. وبعد وقوف الركاب بشكل غير لائق مدة طويلة, ومعظمهم من العائلات والأطفال ومنهم الأجانب الذين يحضرون إلى المملكة لأول مرة, حصل الموظف على التعليمات وهي أن عليهم تسلم أمتعتهم وإنهاء إجراءات الجمارك والانتقال إلى صالة الرحلات الداخلية. وقام الموظفون باستبدال بطاقات صعود الطائرة القديمة التي انتهى مفعولها ببطاقات لا تحمل سوى رقم الرحلة, دون تحديد أرقام المقاعد عليها, رغم ما حصل من مشادات مع بعض الركاب بسبب فقدهم البطاقات القديمة, أو حتى كعوب التذاكر, وقد واجه الركاب صعوبات كبيرة في كيفية تدبير أمتعتهم وأين يسلمونها, وبدا عليهم الإرهاق ومشاعر الاستياء! وكان المقرر حسبما أفاد به موظفو "السعودية" أن تقلع الرحلة الساعة العاشرة مساء إلا أنهم أبلغوا لاحقا بأنهم سينقلون على الرحلة 8060 التي نودي عليها الساعة العاشرة, ولأن بطاقات الصعود التي أعطيت لهم لا تحمل أرقام المقاعد, فقد جلس بعضهم في أول مقاعد صادفوها, وعندما حضر الركاب المغادرون من جدة وهم يحملون بطاقات عليها أرقام مقاعدهم فوجئوا بأن مقاعدهم محتلة, ونشبت بسبب ذلك مشادات وعراك بين طاقم الرحلة والركاب استغرق إنهاؤه نحو الساعتين, حيث غادرت الرحلة الساعة 11:40 دقيقة ووصلت الرياض الساعة الواحدة صباحا, وبالتأكيد لم يصل الركاب بيوتهم قبل الثانية والنصف صباحا.
والسؤال الذي يطرح بداهة هو: لماذا سلم موظفو المواصلة الركاب بطاقات دون تحديد مقاعدهم عليها, إما من خلال بطاقاتهم القديمة وإما من خلال كشف الرحلة؟ وهل تتكرم "السعودية" بتحديد المسؤولية ومجازاة المتسبب وإعلان ذلك حتى لا يتكرر حدوث هذا الأمر؟
وللمقارنة فقط, فقد كنت في رحلة عائلية خلال العام على "الخطوط الإماراتية", مضطرا, لأنها وفرت عرضا لا تستطيع "السعودية" توفيره من الرياض إلى باريس عبر دبي, وحدث أن تأخرت رحلة الرياض ولم تصل دبي إلا بعد مغادرة رحلة باريس, فوجد الركاب من يستقبلهم فور نزولهم ويعتذر لهم, ويعدهم بتوفير أقرب رحلة, وكان أن تم ذلك خلال أقل من ثلاث ساعات على الخطوط الفرنسية, بعد أن قضى الركاب وقتا مريحا داخل قاعة وفرت فيها كل وسائل الراحة.
وفي رحلة سابقة على خطوطنا برفقة بعض الزملاء, وكما هو الملاحظ دائما قام طاقم الخدمة بالإسراع في تقديم الخدمة بمجرد أن استوت الطائرة في الجو, ربما لكي ينعموا بالراحة بقية الرحلة, ولا تهمهم بعد ذلك نداءات الركاب, وهو ما حصل بالفعل في تلك الرحلة, حيث استغربنا عدم الاستجابة للنداءات المتكررة, فأخذنا الفضول إلى استطلاع الأمر, وعندما ذهبنا إلى مقدمة الطائرة للبحث عن المضيفات فوجئنا بهن مستغرقات في النوم على أرضية الطائرة, دون اكتراث بعملهن, أو لما قد يحدث للرحلة والركاب من مفاجآت, وكان أن اكتفينا بتحرير مشهد وقعنا عليه وزودناه بعناويننا وبعثناه بعد الوصول إلى المدير العام للمؤسسة بطريقة لا نشك في وصوله إليه, غير أننا لم نجد أي صدى لما حدث.
عندما قلت إن خطوطنا تتعامل مع نوعيات مختلفة من البشر قد يكونون هم السبب أحيانا في تأخر بعض الرحلات, فإنني أعلم أن ما يحدث من أخطاء من الموظفين يفوق ما قد يتسبب فيه الركاب, ولا يبرر بأي حال أخطاء مثل التي ذكرت, أو مثل ما يتحدث عنه الكثيرون ممن عادوا من إجازاتهم وهم يحملون الكثير من المعاناة التي قلبت ابتهاجهم بالإجازة إلى ضجر وآلام, مثلما حدث لركاب الرحلة التي كنت أحد ركابها.
لعل المدير العام الجديد للمؤسسة يفلح في سبر أسباب ما يحدث من مشاكل وتحليلها ومعالجتها, ولعل أول خطوة في هذا السبيل هي الرصد الذاتي والمشاهدة دون الاكتفاء بما ينقل إليه من خلال التقارير, وأتمنى عليه, لكي يصل إلى ذلك, أن يتولى أمور تنقلاته بنفسه دون الإفصاح عن شخصيته ابتداء من الاتصال بموظف الحجز المركزي, ومرورا بإنهاء إجراءات السفر داخل المطارات, وانتهاء بأحد المقاعد في الدرجة الأولى التي يسمونها الضيافة وليس غيرها. إنني أعلم ما سيواجهه من متاعب, ولكنني أتمنى عليه أن يصبر ويتحمل إن أراد اكتشاف الواقع كما هو دون تنميق أو مبالغة, فذلك هو الطريق الأوحد لبدء خطوات الإصلاح. والله من وراء القصد.