البعد الاجتماعي في مفهوم الصيانة
<a href="mailto:[email protected]">alialanazi@yahoo.com</a>
تتناول معظم مواضيع الصيانة شقيها التقني والاقتصادي ومدى أثر ذلك على جودة إنتاج المنشأة والتكاليف المادية التي تترتب جراء تطبيق مفهوم الصيانة من عدمه.
ومما لا شك فيه، أن تطبيق الأسلوب الأمثل لمفاهيم الصيانة الحديثة، تحديد المشاكل والمعوقات التي تواجهها، إعداد خطط للصيانة الوقائية، وتخطيط وجدولة أعمال الصيانة باستخدام الحاسب الآلي تلعب دورا مهما في جودة الإنتاج والحد من تكاليف الإنفاق على المنشأة أو الجهاز أيا كان نوعه وحجم تعقيداته وتكاليفه، لأننا نتحدث عن نسبة وتناسب.
إلا أن هناك شقا تكامليا في عملية الصيانة وآثارا فنية، اقتصادية، وكذلك اجتماعية، تحتاج إلى دراسة الأبعاد التي تترتب عليها عملية تطبيق أساليب الصيانة.
فما هو البعد الاجتماعي في تطبيق أساليب الصيانة؟
إن تطبيق مفهوم الصيانة يحتاج إلى المهندسين والفنيين المهرة، وهذه المهارات والخبرات تحتاج إلى التعليم والتدريب واكتساب الخبرة، ويعتبر العنصر البشري العامل الأهم والعمود الفقري لتطبيق مفاهيم وأساليب الصيانة، الأمر الذي يترتب عليه مزيد من تكاليف إعداد الموارد البشرية التقنية المدربة والاستثمار بهذه العقول والموارد.
لقد استوقفني كثيرا تعليق على مقال سابق عن الصيانة وأثرها، وآثار هذا التعليق الكثير من التساؤلات.
تقول صاحبة التعليق الدكتورة هدى "الصيانة الدورية ليست مجرد خدمات تؤدى وانتهى الأمر، بل هي أعمق من ذلك بكثير، إنها باختصار نسق بنائي، وظيفي، حضاري متكامل، يسير بتناسب طردي مع درجة تقدم المجتمع والدولة بمؤسساتها الرسمية والخاصة والشعبية، تخيلوا لو نال موضوع الصيانة الاهتمام الصحيح من الجهات المعنية بالتنمية البشرية كالمدارس، الجامعات، ومؤسسات التدريب؟".
كيف سيرتقي مستوى الخدمات لدينا من خلال عمالة وطنية ماهرة، وكيف سنوجه طاقات شبابنا لأعمال يستفيد منها الوطن حق استفادته لنساهم في تقليل البطالة الحقيقية والمقنعة، فضلا عن التخلص من العمالة الوافدة غير الماهرة ومشاكلها الاجتماعية؟".
إنني أوافق على هذا التعريف للصيانة وتطبيق مفاهيمها ولقد شدتني التساؤلات التي طرحت في سياق الموضوع ولا أجد الإجابة الوافية لهذه التساؤلات المهمة، لذا قررت إثارة الموضوع وطرحه على الجهات المختصة بتنمية الموارد البشرية والمجتمع.
إن الأمر يستحق الوقوف عنده والبحث والدراسة عن الأثر الاجتماعي الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بالتأثير الاقتصادي الذي تلعب به التقنية، التدريب، التعليم، والخبرة دورا مهما لا يمكن تجاهله والتقليل من شأنه.
فإذا تم تجاهل الجانب الاقتصادي والتكاليف المترتبة على اكتساب العمالة غير المدربة الخبرة و"تعلم الحلاقة في رؤوسنا"، فهل ندرك أو نتدارك الأثر الاجتماعي لتواجد هذه العمالة على مجتمعنا؟
إن إيجاد عمالة وطنية مدربة على الصيانة أمر في غاية الأهمية حيث إن أحد أهم أسس الصيانة هو أن " تنفذ بإخلاص"، ويتطلب ذلك محفزات عدة تختلف باختلاف الشخص والثقافة والهدف من جراء القيام بهذا العمل التنفيذي على المدى القصير والبعيد.
سيسهم التدريب، التعليم، واكتساب الخبرة في تطوير عقلية الأفراد والمجتمع والقضاء على "العقلية الاتكالية" وسيسهم في تخريج أجيال مدربة ومتطورة فنيا وفكريا لينعكس ذلك على المجتمع والدولة في أبهى صوره ومنافعه، الأمر الذي سيسهم في القضاء على الكثير من سلبيات المجتمع ودفع عجلة التنمية الفكرية والتقنية إلى الأمام بخطوات كبيرة وكثيرة.
لست أقلل هنا من شأن الإخوة الوافدين، بل إنني احترم المحترفين والمهرة وأجدها فرصة لتقديرهم والتعلم منهم، ولكن من حقنا أن نتعلم اصطياد السمكة، لأننا لا نعلم إلى متى نستطيع دفع الأجرة للصياد، وأجد أنه من الواجب علينا الاعتماد على أنفسنا بأسرع ما نستطيع، خاصة في أمور الصيانة والمحافظة على المنشآت الكثيرة والمتنوعة والتي كلفت مئات المليارات وتحتاج إلى الرعاية والاهتمام لاستمرار عملها بكفاءة وجودة عالية وإطالة عمرها الافتراضي بتكاليف أقل.
إضافة إلى تطوير الكثير من مفاهيمنا ومداركنا وخبراتنا والاعتماد على أنفسنا ونفض غبار الاتكالية عن عقولنا. والله من وراء القصد.