بعد 5 سنوات من هجمات سبتمبر.. ملامح عالم جديد
<a href="mailto:[email protected]">drashwan59@yahoo.com</a>
خمسة أعوام مرت منذ وقوع هجمات 11 من أيلول (سبتمبر) 2001 على نيويورك وواشنطن تغير خلالها وجه العالم وأصبحنا في مرحلة تحول كبرى نحو عالم جديد لم تتضح معالمه كاملة بعد. وبالرغم من أن تلك الهجمات الإرهابية الأكبر في تاريخ الولايات المتحدة وتاريخ العالم كله لم تثبت بعد قضائياً المسؤولية الجنائية عنها لأي طرف أو جماعة أو مجموعة في العالم، فقد توافقت أطراف وجهات دولية عديدة في مقدمتها الإدارة الأمريكية على أن المسؤول عنها هو تنظيم القاعدة الذي يقوده أسامة بن لادن الذي سعى هو نفسه في خطابات ووثائق عديدة إلى تأكيد تلك المسؤولية بعد فترة من وقوع الهجمات نفى خلالها علاقته بها. في ظل ذلك التوافق "العرفي" و"الأمني" وليس القانوني أو القضائي على مسؤولية هذا التنظيم الإسلامي المتشدد والعنيف عن تلك الهجمات، راحت ملامح العالم القديم تتغير سريعاً تحت وطأة السياسة الخارجية الأمريكية التي تشكلت بعدها وعليها تحت اسم "الحرب العالمية ضد الإرهاب" لتعطي ملامح جديدة آخذة في التبلور لعالم جديد مختلف.
ولعل أول تلك الملامح الجديدة لهذا العالم الجديد هي زيادة معدلات العنف والإرهاب والحروب على مستوى العالم ووصولها إلى درجات غير مسبوقة خلال الأعوام الـ 30 السابقة. فقد تضمنت الحرب الأمريكية على الإرهاب قدراً واسعاً ومتواصلاً من استخدام القوة العسكرية والعنف بصوره الأمنية والعسكرية كافة في عدد كبير من مناطق العالم مما أدى إلى سقوط عشرات الآلاف من الناس ما بين جرحى وقتلى، فضلاً عن موجات واسعة من التدمير لحقت بالبنى الأساسية المدنية والعسكرية لعدد من دول العالم. وترافق مع ذلك الاستخدام الأمريكي المفرط للقوة العسكرية والأمنية المسلحة مع الدول الأخرى الحليفة تصاعد صور أخرى مماثلة له على يد دول أخرى حليفة لواشنطن في مقدمتها إسرائيل التي أفرطت – كعادتها – في استخدام العنف والقوة المسلحة ضد الفلسطينيين ومن بعدهم اللبنانيون. وفي الوقت نفسه تصاعدت حدة ونوعية وعدد عمليات المقاومة الوطنية المسلحة التي تقوم بها فصائل كثيرة من أبناء الشعوب التي وقعت عليها العمليات العسكرية والأمنية والإسرائيلية وبصفة خاصة في العراق، أفغانستان، فلسطين، ولبنان، ووصلت في مجملها إلى حدود لم يسبق لها أن وصلتها في أية مرحلة تاريخية سابقة، الأمر الذي أدى بدوره إلى سقوط آلاف الجرحى والقتلى وقدر هائل من الخسائر المادية.
وعلى الوجه الآخر فقد تصاعدت أيضاً وبصورة غير مسبوقة حدة وعدد العمليات التي يمكن وصفها بالإرهابية والتي توجه بالأساس إلى أهداف ذات طبيعة مدنية سواء كانت بداخل مناطق يدور فيها صراع عسكري أو خارجها. وبحسب التعريف الأمريكي لهذه النوعية من العمليات الإرهابية، فقد أوضح تقرير وزارة الخارجية الأمريكية عن الإرهاب في العالم لعام 2005 أن العالم قد شهد خلاله نحو 11 ألف عملية من هذا النوع مقابل نحو أربعة آلاف عملية فقط حسب التقرير لعام 2004 نفسه، أي بزيادة أكثر من مرتين خلال عام واحد. ولم تزد العمليات الإرهابية فقط من حيث العدد خلال الأعوام الخمسة التي تلت هجمات أيلول (سبتمبر)، بل واتسع نطاقها الجغرافي لتشمل معظم مناطق العالم ودوله من أقصى جنوب شرق آسيا مروراً بالعالم العربي والشرق الأوسط وأوروبا الغربية، وصولاً للجزر البريطانية والولايات المتحدة نفسها. وفي ظل هذا التزايد والاتساع للعمليات الإرهابية على المستوى العالمي بدا واضحاً خلال الأعوام الخمسة نفسها أن تراجع وانحسار تنظيم القاعدة في كل من أفغانستان وباكستان ومناطق قليلة حولهما لم يمنع من انتشار أفكار ونموذج هذا التنظيم في مناطق واسعة أخرى من العالم، حيث قام من تبنوه بتنفيذ بعض تلك العلميات وفقاً لأفكار القاعدة ونموذجها.
وفي ظل تلك الفوضى العارمة التي اجتاحت العالم بعد هجمات أيلول (سبتمبر)، أتى ملمح جديد لكي يؤكد خطورة ما يوشك العالم على الدخول إليه من مرحلة جديدة في تاريخه. فقد بدا واضحاًَ غياب القانون الدولي عن معظم الصراعات والحروب الدائرة في العالم، حيث راحت كل الأطراف وفي مقدمتها الولايات المتحدة تخوضها دون أي التزام بقواعد القانون الدولي فيما يخص سيادة الدول أو حقوق الشعوب والمدنيين، وهو نفس الأمر الذي ميز سلوك الجماعات والمجموعات الإرهابية التي وضعت نفسها في مواجهتها. وفي ظل هذا الغياب الفادح لقواعد القانون الدولي من جانب الدولة الأكبر في العالم والذي ميز أيضاً ودوماً سلوك الدولة الأقرب لها، أي إسرائيل، راحت واشنطن تضغط بقوة على المنظمة الدولية الكبرى في العالم، أي الأمم المتحدة ومجلس الأمن فيها، لكي تتحول من راعية محايدة لمصالح دول العالم وما بينها من تناقضات، إلى أداة مباشرة لخدمة السياسة الخارجية الأمريكية والدول الحليفة لها بغض النظر عن مصالح الدول الأخرى أو حقوقها وبغض النظر أيضاً عن توافق قراراتها مع قواعد القانون الدولي أو مخالفتها له.
ويأتي أخيراً الملمح الأبرز للعالم الجديد بعد خمس سنوات من هجمات أيلول (سبتمبر) ويتمثل في تحول العالم العربي والإسلامي إلى ميدان حرب حقيقي تدور فيه معظم عمليات العنف والحرب والإرهاب. فخلال تلك الفترة لم تشهد أية منطقة أخرى من العالم أي صراعات أو حروب أو عمليات إرهاب مثلما شهد العالمان العربي والإسلامي. ففي هذين العالمين قامت الولايات المتحدة باحتلال دولتين منه هما أفغانستان والعراق، كما قامت إسرائيل بتكثيف هجماتها على الأراضي الفلسطينية وشنت حرباً واسعة على لبنان، بينما تلوح اليوم في الأفق ملامح تهديدات عسكرية جادة أمريكية وإسرائيلية لدولتين أخريين من هذين العالمين نفسهما هما إيران وسورية. ويبدو أيضاً لافتا أن عمليات الإرهاب الرئيسية التي وقعت في السنوات الخمس التالية كافة لهجمات أيلول (سبتمبر) قد وقعت في مناطق مختلفة من هذين العالمين العربي والإسلامي فيما عدا هجمات مدريد عام 2004 ولندن عام 2005، وكان العدد الأكبر من ضحاياها من المسلمين وليس من ديانات أو جنسيات أخرى.