مستقبل أسعار النفط بين نظريتين .. أسعار عالية أم منخفضة؟

الحلقة الخامسة
5- تغير نوعية النفط المستخرج

يشير البعض إلى البيانات التي توضح تدهور نوعية النفوط المكررة مع الزمن، خاصة في الولايات المتحدة. ويشير البعض الآخر إلى زيادة الطلب على النفوط الخفيفة الحلوة في الوقت الذي تتكون فيه أكبر الاحتياطيات العالمية من النفط الثقيل. تحقق النفوط الخفيفة ربحية أعلى لأنه يمكن الحصول منها بسهولة على البنزين والديزل ومشتقات أخرى مثل وقود الطائرات وغيرها. يتوقع بعض الخبراء أن تسوء نوعية النفط مع الزمن، الأمر الذي يعني زيادة في التكاليف، خاصة في مجال النقل والتكرير. ففي مجال النقل تحتاج الأنابيب إلى زيادة عدد المضخات لدفع النفط، كما أنها تحتاج إلى مزيد من الصيانة. أما في مجال التكرير فإن تردي نوعية النفط يتطلب استثمارات ضخمة في المصافي لتمكينها من تكرير هذا النوع من النفط لاستخراج مشتقات خفيفة مثل البنزين. كما يتوقع أن يستمر الطلب على المشتقات الخفيفة في الزيادة بسبب القوانين البيئية في الدول الصناعية. كان ما سبق هو الحقائق مجردة، ولكن كل من النظريتين تفسر هذه الحقائق بشكل مختلف تماماً عن الآخر.

البيانات بين نظريتين
يرى أتباع نظرية التغيرات الهيكلية أن تغير نوعية النفط بسبب استنزاف النوعيات الخفيفة وبقاء النوعيات الثقيلة يمثل تغيراً هيكلياً يمنع أسعار النفط من الانخفاض. فتكاليف استخراج ونقل وتكرير النفط الثقيل عالية، وتكريره يتطلب استثمارات ضخمة في المصافي تتجاوز عشرات المليارات من الدولارات. يستدل مؤيدو هذه النظرية ببيانات وزارة الطاقة الأمريكية التي توضح تدهور نوعية النفط المستورد إلى الولايات المتحدة خلال السنوات الماضية. فواردات النفط الأمريكية الآن تبلغ ضعف ما كانت عليه عام 1987، إلا أن معظم الزيادة كانت في واردات النفط المتوسط والثقيل التي زادت بأكثر من الضعف، بينما لم تتغير كميات النفط المستورد من النفط الخفيف. تشير البيانات إلى أن متوسط نوعية مزيج النفط المستورد تدهورت من نحو 34 درجة بمقياس معهد النفط الأمريكي إلى نحو 30 درجة أخيرا. إضافة إلى ذلك فإن كمية الكبريت زادت كنسبة من وزن النفط المستورد من 0.85 في المائة إلى 1.5 في المائة. يذكر أنه كلما زادت كمية الكبريت في النفط انخفضت نوعيته.
يرى أنصار نظرية التغيرات الهيكلية أن بلوغ الإنتاج ذروته في كل من بحر الشمال وألاسكا وبعض مناطق الولايات المتحدة يعني أن أغلب ما تبقى من النفط الثقيل، ولا يمكن تغيير هذه المعادلة إلا إذا تم اكتشاف حقول ضخمة من النفط الخفيف، إلا أن زمن الاكتشافات الضخمة ولى منذ أكثر من عقدين.

نوعية النفط ونظرية التغيرات الدورية
يفسر مؤيدو أنصار النظرية الدورية شيوع فكرة تدهور نوعية مزيج النفوط العالمية بثلاثة أمور. الأول هو تدهور نوعية النفط الذي تستورده الولايات المتحدة، أكبر مستهلك ومستورد للنفط. الثاني أن هناك تغير نوعية الطلب على النفط بسبب القوانين البيئية وغيرها. والثالث أن الطاقة الإنتاجية الفائضة تتكون كلها من النفط الثقيل.
يرفض مؤيدو النظرية الدورية ما يدعيه أنصار نظرية التغيرات الهيكلية, مشيرين إلى أن البيانات المستخدمة متحيزة لأنها تركز على نوعية ما تستورده الولايات المتحدة. هذه النوعيات المستوردة لا تعود إلى أسباب تتعلق بالاحتياطيات وإنما لأسباب فنية واقتصادية تعطي المصفين الأمريكيين أرباحاً أكبر إذا قاموا بتصفية الأنواع الأثقل بسبب الفرق الكبير بين أسعار النفوط الثقيلة والخفيفة. وتستطيع المصافي تحقيق هذه الأرباح لأنها، خاصة المصافي الواقعة غربي الولايات المتحدة، متقدمة تقنيا بشكل يجعلها أكثر مرونة في التعامل مع النفوط المختلفة. يشير أنصار هذه النظرية إلى خطأ توقع الخبراء في السبعينيات أن الوزن النوعي للنفط العالمي يزداد باستمرار، الذي يعني تدهور نوعيته، حيث تم اكتشاف حقول نفطية من النوع الخفيف والخفيف جداً فيما بعد، خاصة في السعودية. لذلك فإن ظاهرة تدهور نوعية النفط قد تكون ظاهرة قصيرة المدى لأنه ليست هناك أدلة تاريخية تشير إلى تدهور نوعية النفط على المدى الطويل.
يؤكد أنصار هذه النظرية ضرورة النظر إلى نوعية النفط في الاحتياطيات، وليس النفط في التجارة الدولية، لمعرفة ما إذا ساءت نوعية النفط المتبقي. كما يؤكدون حقيقة مهمة وهي أن كون الطاقة الإنتاجية الفائضة من النفط الثقيل لا يعني تدهور نوعية النفط، ولا تعتبر مؤشراً على ذلك. تشير بيانات شركات النفط العالمية إلى أن متوسط نوعية النفوط العالمية لم تتغير خلال السنوات الأخيرة. فمع بلوغ بعض الحقول ذروة إنتاجها وتركز النوعيات الثقيلة فيها، تم اكتشاف العديد من الحقول الجديدة في العالم، التي تحتوي على كميات كبيرة من النفط الخفيف، الأمر الذي حافظ على متوسط نوعية النفط. إلا أن ارتفاع أسعار النفط الخفيف في العامين الأخيرين وزيادة الفرق بين أسعار النفط الخفيف والثقيل، زادا من التجارة بالنفط الثقيل، الأمر الذي أعطى انطباعاً بأن نوعية النفط بدأت تسوء مع مرور الزمن. ولكن كل البيانات تشير إلى زيادة كبيرة في عمليات الحفر والتنقيب لدرجة أن وزارة الطاقة الأمريكية تتوقع زيادة كبيرة في احتياطيات النفوط الخفيفة، خاصة في غرب إفريقيا والبرازيل والأرجنتين. إضافة إلى ذلك فإن عددا من الخبراء يتوقع أن تضخ السعودية المزيد من النفط الخفيف جداً خلال السنوات المقبلة. يؤكد أنصار هذه النظرية أنه حتى لو افترضنا تدهور مزيج النفط العالمي فإن هذا سيؤدي إلى انخفاض الأسعار وليس ارتفاعها، خاصة أن النفط الثقيل يباع بحسومات كبيرة هذه الأيام.
يرى بعض الخبراء أن الاكتشافات النفطية تمر بدورات طولها نحو 50 عاماً، وأن الدورة الحالية شارفت على الانتهاء. صحة هذه النظرية تعني أن نضوب بعض الحقول العالمية وتدهور نوعية النفط هما أمران مؤقتان سيتغيران مع بدء اكتشافات جديدة في الدورة المقبلة.
أخيراً، يؤكد أنصار نظرية التغيرات الدورية أنه حتى لو تدهورت نوعية النفط فإن المشكلة تتمثل في قدرة المصافي على تكرير النوعيات الثقيلة. فتغير نوعية النفط لا يعني شيئاً إذا توافرت المصافي القادرة على استخراج مشتقات نفطية خفيفة من هذا النفط الثقيل بتكاليف منخفضة. لذلك فإن المشكلة ذات شقين، توافر الاستثمارات من جهة، وتوافر التكنولوجيا من جهة أخرى.

<p><a href="mailto:[email protected]">a@aalhajji.com</a></p>

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي