(تيْهـةْ الْحضَيْري قَصْرتهْ)

<a href="mailto:[email protected]">abubeid@binzagr.com.sa</a>
رجوع التاجر المُفلس لدفاتره القديمة، أكثر العِبر التجارية والمواعظ الإرشادية قرباً لذاكرتي، ومرجعاً عملياً أطرقه في فترات (الزنقة) لتقديم المعلومة، قبل فوات الأوان وضمن المغلى الباقية، خاصة لتقديم البحث الأسبوعي ليوم السبت في "الاقتصادية". مراجعات إصدارات "الاقتصادية" للأسبوع الماضي وفرت القناعة لجدارة الصديق المحامي الدكتور عبد الله بن مرعي بن محفوظ، محامي الادعاء لتصديه عرض تقرير مركز الأبحاث الأوروبي الذي تضمن أنَّ (المشكلة الاقتصادية المقبلة تعني أنَّ هناك تناقصاً في عدد الدول والمستثمرين الدوليين الذين يحتاجون إلى الدولار الأمريكي، وبالتالي سيعني بالضرورة ضعفاً ملحوظاً ومستمراً للعملة الأمريكية في الفترة المقبلة مقارنة باليورو تحديداً، حيث أكثر التقييمات ثباتاً تقول إنَّ كل يورو يعادل 1.28 دولار أمريكي، ولكن في حال بلغت الأزمة ذروتها، فإنَّ التوقعات تقول إنَّ كل يورو سيعادل 1.70 دولار أمريكي عام 2007) .
نظراً لتخلف محامي الدفاع عن الدولار الأمريكي حضور المحاكمة، قرَّرت المحكمة التأجيل، ورفع الجلسة، للنظر في حيثيات ما يقدمه الطرفان في موعد يتحدد قبل نهاية عام 2006 وإصدار الحكم في أمثل تاريخ من عام 2007، وتظهر فيه حقيقة مقارنة قيمة الدولار الأمريكي لليورو مع التقدير المرتفع من 1.28 إلى 1.70 في تقرير (يوروب 2020). مرافعة محامي الادعاء والدفاع المنتظرة قبل نهاية العام، سوف تتضمن الوقائع والحقائق المتطابقة والمعروفة دولياً عن الدولار الأمريكي واليورو دون أدنى اختلاف بينهما، إلاَّ ما يدخل ضمن احتمال ما تسمع له طحيناً ولا يمكن أن ترى له تأثيراً على موضوع القضية في المنظور القريب من (توقيف نشر أرقام الكتلة النقدية M3) إلى (افتتاح أول بورصة للنفط باليورو)، إضافة إلى أنَّ الأزمات العالمية (السبعة) المذكورة في التقرير فاقدة وزنها لعموميتها واستمرار تواجدها دولياً، وتضيع جدواها أمام اعتبارات اقتصادية أخرى لتأثيراتها في المدد الطويلة، بعد أن تآخت البشرية لتكرارها وتزايد أنواعها وتعدد أشكالها وقدرة الحكام على فبركة المسكنات لاحتوائها واستخدام الفضائيات لتجعل منها مسلسلات عالمية مسلية.
إذا تقرير (يورب 2020) يحذر من انهيار الدولار في عام 2006، فإنَّ هنالك تقارير كثيرة أخرى مستخدمة المعلومات نفسها لتصل لنتائج متقاربة ومتشابهة ومختلفة. المهم التفريق بين الحقائق والفبركات. الأولى لا خلاف عليها والثانية توافر حق الدفاع والادعاء والارتزاق من ورائهما. راحة القاضي في معرفة ما تريده الأطراف المتخاصمة في حضرته لإصدار حكمه. الأمر أكثر تعقيدا للمواطن العادي المستثمر دولياً لوقوعه بين مستشارين أصحاب مصالح مؤثرة، ضمن وافر المعلومات والتوقعات والاحتمالات من تجارب سابقة تـُتـَّخذ من حوادث الماضي القديم مرجعية للحكم على متغيرات مستقبلية متجددة. البراعة في التعامل بين المواطن المستثمر دولياً الواعي علمياً لمقدرات استثماراته ومستشاريه، توافر توازن منطقي في القرارات، ولا تجعل منه مثل الزوج المتفاخر بقبضته على زمام الأمور المنزلية المهة، بينما الزوجة تتولى اتخاذ جميع القرارات (المصيرية) ويتابع بنفسه ما يراه مهماً للعائلة من قرارات هيئة الأمم المتحدة والجامعة العربية وخلاف بريطانيا والباكستان على لعبة الكريكت.
أرقام كتلة (M3) النقدية أوقفها مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي دون إبداء الأسباب، بينما حكومة زمبابوي في إفريقيا والبرازيل في أمريكا الجنوبية والسعودية في آسيا حريصين على شهرية إصدارها محلياً و(مغازلة) الآثار المترتبة عليها والتفاخر بمحققاتها التنموية. الريال السعودي أو الريال البرازيلي عملة محلية، بينما الدولار الأمريكي عملة متداولة في جميع دول العالم. كتلة (M3) الأمريكية توضح إجمالي تداول السيولة الدولارية عالمياً وليس للكمية النقدية المتداولة في الاقتصاد المحلي. المعنى والمقصود عالمياً أنَّ العملة في الأساس إصدار حكومي تترتب عليه إصدارات كثيرة من جهات غير حكومية أهمها البنوك التي تعطي وتوفر للعملاء استخدامات إضافية للعملة مرتبطة بالسحب والإيداع، وعلاقة مطاطة بالإصدار الرسمي. الأسباب والمبررات لوقف إعلان رقم كتلة (M3) غير معلنة، لكن الإصدار والوقف في حد ذاته ليس أقوى من الطلب العالمي على الدولار الأمريكي على الرغم من جميع السلبيات والمخاوف الظاهرة والخافية. ربما هنالك نافذة تطل علينا لتعطي التفسير، من حكمة للآباء، وينساها الأبناء مثل أمور كثيرة، تقول إن (حسن السوق ولا حسن البضاعة). ناهيك عن ذلك مهما كان الدولار الأمريكي بضاعة مضروبة، فإنَّ أهميته ليست في قيمته الورقية بقدر كونه وسيطا للتبادل التجاري الدولي. الربع الأخير من القرن العشرين كانت عملة البرازيل بالدولار الأمريكي ضعيفة للغاية، لكن صادراتها المتخلفة القيمة ووارداتها المرتفعة أغرقتهم في الديون. بداية القرن الواحد وعشرين عملة البرازيل بالدولار الأمريكي قوية للغاية وارتفعت فوق 33 في المائة، مما يؤثر سلباً على صادراتها ويزيد من وارداتها. الأمثلة كثيرة لتوضح أنَّ ضعف الدولار الأمريكي وقوته أمام العملة المحلية لا يؤثر على دور الوساطة وليست له علاقة مؤثرة بالعملة الواحدة المعنية بالمشكلة. الريال السعودي والدولار الأمريكي ترابطهم مستمر منذ نصف قرن، وفقاً لمعادلة هندسية التعامل النقدي والمالي لاعتبارات اقتصادية مفترضة وغير معلنة لطبيعة الثبات. الدولار الأمريكي أمام بعض العملات مرتفع وأخرى منخفض وثابت بقوة تعاملات السوق أو قوة النظام.
افتتاح أول بورصة للنفط باليورو نهاية آب (أغسطس) 2006 في طهران، حق مشروع وتمنيات طيبة لتعدد الأسواق وتعدد عملات التداول. اليورو عملة أوروبية قوية لتداول تجاري مباشر مع الاتحاد الأوروبي، وعالمياً عن طريق الدولار الأمريكي بطريق المقايضة السعرية مقابل ثمن للفرق يتحمله البائع أو المشتري. قوة اليورو ومحدودية كمية الإصدار تقف حائل في طريق خروجه عن دوره الأساسي: عملة أوروبية موحدة التعامل داخل الاتحاد الأوروبي وتمويل التجارة الأوروبية. داخل الاتحاد الأوروبي تبدو قيمة اليورو وكأنها تنخفض لزيادة الأسعار، بينما في التجارة الخارجية قيمته تبدو وكأنها ترتفع أمام الدولار الأمريكي. داخل أمريكا الدولار يحكم سعره مستوى التضخم وسعر الفائدة وقيمته تحددها قدرته الشرائية من بيوت إلى لحم وخضار للمواطن الأمريكي، ومتأثرةً بمعدلات التضخم السائدة محلياً وخارجها تمويل التجارة الدولية والوساطة بين عملات دول العالم، والتغييرات في العملتين يعكس بقدر كبير الأحوال الاقتصادية، والتفاوت في سعر الفائدة الرسمي في الاقتصاديات المعنية.
شهد العالم بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية تطويق الجنيه الاسترليني والفرنك الفرنسي والليرة الإيطالية لقصر تعاملاتها ضمن بلد الإصدار والمستعمرات. أعطت اتفاقيات بريتان ودز الدولار الأمريكي دوراً عالمياً بقيمة ثابتة مرتبطة بالذهب جعلته العملة الصعبة عالمياً، وحجمت العملات الأخرى للعمل داخل اقتصادياتها، وتأرجحت أمامه مختلف عملات دول العالم. انتهى الارتباط في الربع الأخير من القرن الماضي، وأصبح التأرجح من الجانبين متأثراً باقتصاديات هندسة دولار الولايات المتحدة الأمريكية من جهة وعملات دول العالم من جهة أخرى. إذا قبلنا أنَّ المعنى في قلب الشاعر، فإنَّ (توقع أزمة عالمية سياسية واقتصادية تكون مشابهة للأزمة الاقتصادية التي حدثت عام 1929)، ما زال مغيبا وفي علم الغيب لتوافر قدرات ومصالح دولية في الاقتصاديات الجديدة للعالم الحديث. اليوم ليس مثل البارحة، وعلم الهندسة المالية والنقدية أصبحت صناعة خدمية عواملها الإنتاجية أقوى من العناصر التي تشغـِّلها وتديرها وتجعلها خدمية مربحة ضمن النظم الاقتصادية الاجتماعية الجديدة التي تدور أفلاكها حول شؤون العمل والعمال الذي هو قلب الاقتصاد العالمي النابض وفقاً لحنكة التعامل معه وتعاطي شجونه وهمومه.
الأرقام الاقتصادية المتداولة عالمياً نتاج الهندسة المالية النقدية للاقتصاديات الصناعية الغربية ودول شرق آسيا بالدولار الأمريكي، وتُؤثر في تحركاته الفاعلة اقتصاديات الصين وشرق آسيا المالكة لما يزيد على نصف المستخرجات النقدية الأمريكية وتتناغم تحركاتها النقدية للمستويات القيمية للدولار الأمريكي وفقاً لكل من العملات الأجنبية المتعددة دون الحصر على اليورو المهم لتجارة الاتحاد الأوروبي ولا يعرف عنه إلاَّ قلة من أجناس العالم لمحدودية سوقه العالمية ومنافذ توافره، وتداوله عالمياً مازال يقارب أو أقل من الين والفرنك السويسري والجنيه الاسترليني. إضافة إلى أنَّ سعر الدولار الأمريكي مقارنة باليورو والعملات الرئيسية يضم في ثناياها كُلف انعكاس لردود الفعل السالبة والموجبة المتوقعة والأزمات المنتظرة والردود المتوقعة على العلاقة التجارية للعملات الأجنبية في المدد القصيرة والطويلة. ضمن هذه الأفكار فإن سعر اليورو الدولار الأمريكي يأخذ بالاعتبار السلبيات والايجابيات في المدى القصير لمنطقتي الدولار واليورو. الرائج في الأسواق العالمية في نهاية آب (أغسطس) ليس انهيار الدولار الأمريكي بقدر ما هو أنَّ الارتفاع الحاد في سعر اليورو خلال الأشهر الأربعة الماضية، قد يؤدي إلى تصحيح في تحسن سعر تعامل الدولار الأمريكي مع اليورو قبل نهاية 2006، وربنا يعطينا طول العمر حتى نهاية العام لنرى الانهيار من عدمه، ومصداقية القول عن (كذب المنجمون).
تداولات الريال السعودي محصورة في داخل السوق المحلي، وتواجده عالمياً في الأسواق الخارجية التي يتكاثر فيها السياح السعوديون وسعره في الجمهورية العربية المتحدة بالجنيه المصري متقارب للسوق المحلي لكثرة العرض والطلب عليه من السعوديين والحجاج والمعتمرين المصريين وتأثير سعر الدولار الأمريكي الثابت للريال السعودي والمهندس للجنيه المصري. الوضع السعري للريال يختلف في سويسرا وبريطانيا وفرنسا لمحدودية الطلب وقلـَّة نقاط التداول. الثقل البترولي السعودي للاحتياطي والمصدَّر للعالم لم يحوِّل التعامل من الدولار الأمريكي إلى الريال السعودي أو اليورو الأوروبي والين الياباني والفرنك السويسري، لسبب تدرُّج قيمة الدولار الأمريكي الشرائية في الانخفاض أمام العملات الأجنبية ولقبول البائع والمشتري الدولار الأمريكي وسيطاً للتعامل والفرق في أسعار العملات يعوضه السوق العالمي من داخل الأسعار ويوفر العامل (المصحح) في أنَّ بين البائع والمشتري يفتح الله، ضمن الحاجة للسلعة وعدم توافر عملة بديلة أحسن من الدولار الأمريكي للقيام بدور الوساطة.
استمرار ارتفاع اليورو محفوف من جهة بكثير من المخاوف في قدرة الاتحاد الأوروبي على تحقيق الازدهار الاقتصادي المفترض أمام المصاعب العملية التي يواجهها الإتحاد الأوروبي في هضم توافق الأساسيات الإنسانية والعرقية والتاريخية لخمسة وعشرين اقتصادا ومقارنتها من جهة أخرى بتأثيرات السياسات الأحادية لأكبر اقتصاد عالمي تدور في فلكه اقتصاديات آسيا والصين والهند واليابان ويتأثر بفرص التصحيح التجارية العالمية المتوقعة لدول أمريكا الجنوبية التي تقف في طريق انطلاقة تجارتها الدولية اتفاقيات فرضتها عليها فرنسا وإسبانيا والبرتغال من قرون مضت، وزادت عليها الولايات المتحدة قيوداً ضريبية تصل لبعض السلع إلى 160 في المائة ومحاذير تعرقل تجارتها وتضر بمصالحها وتتعارض مع صلب تطلعات منظمة التجارة العالمية.
حصدْتُ فوائد كثيرة من قراءتي لعرض الصديق عبد الله بن عمر بن محفوظ (يورب 2020) وانهيار الدولار في 2006، ووقفت على مهارة الصديق عرض فكر التقرير في أسلوب سهل، يبين حقيقة شكوى كثيرين صعوبة متابعة كتاباتي. الموضوع الذي اختار الدكتور عرضه مهم ومفيد لمحتواه وفتح المجال لإيضاحي عن كثرة الدراسات المتضاربة لهذا الموضوع الحيوي. المهم معرفة أنَّ للدولار الأمريكي مهمتين رئيسيتين: عملة نقدية ووسيط متفرد للتعامل التجاري عالمياً تسانده مقدرة فائقة في هندسة الفوارق النقدية والمالية، ويجب أن تأخذ بها الدول الأخرى وخاصة النامية التي أهم مصدر لدخلها القومي بالدولار الأمريكي وتعيش وتحيا على واردات من دول صناعية عملاتها مرتفعة القيمة مقابل الدولار. استمرارية الدراسة مهمة كلما كان الكم النقدي الدولاري الأمريكي متزايدا عالمياً والقيمة الشرائية للواردات لعملات أجنبية مرتفعة القيمة أمام الدولار الأمريكي، تخفيفاً لزيادة تكلفة قيمة الاحتياجات المستوردة محلياً وابتعادا عن خشية الانهيار الحقيقي عالمياً. والله أعلم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي