مستقبل أسعار النفط بين نظريتين: أسعار عالية أم منخفضة؟

<a href="mailto:[email protected]">a@aalhajji.com</a>

4 - ارتفاع تكاليف إنتاج النفط ورفع الشركات للسعر المجدي اقتصادياً.
يوضح الشكل البياني رقم (4) السعر القياسي لتكاليف حفر آبار النفط والغاز لصناعة النفط الأمريكية، والتي تعتبر الصناعة الحدية في العالم من جهة، والأكثر تأثراً بتغيرات أسعار النفط من جهة أخرى. وهذا يعني أن بياناتها مرآة لما يحدث في صناعة النفط العالمية حول العالم، مع بعض الفروق البسيطة. ويتبين من الشكل البياني أن تكاليف الحفر تضاعفت منذ نهاية عام 2004، بعد ثباتها بين 2001 ومنتصف 2003.
تشير البيانات إلى أن أكبر ارتفاع في تكاليف الحفر كان من نصيب الحقول البحرية. فعلى سبيل المثال، أشارت بعض الشركات العاملة في خليج المكسيك إلى ارتفاع الأجر اليومي لبعض أنواع الحفارات بمقدار أربعة أضعاف منذ عام 2003. وتشير بيانات أخرى إلى ارتفاع التكاليف الكلية للصناعة بأكثر من 3 أضعاف خلال نفس الفترة. ويعود هذا الارتفاع إلى عوامل كثيرة منها نقص الحفارات والمعدات، الارتفاع الكبير في أسعار المعادن، وارتفاع الأجور بسبب نقص العمالة الماهرة.
نتيجة لهذا الارتفاع في التكاليف، قامت شركات النفط برفع السعر المجدي اقتصادياً، وهو السعر الذي تقرر الشركات بناء عليه الحفر أو عدم الحفر. وإذا افترضنا ثبات كل العوامل الأخرى، فإن هناك علاقة عكسية بين السعر المجدي اقتصادياً وأنشطة الحفر.
بالرغم من كل ذلك، تشير البيانات إلى زيادة كبيرة في أنشطة الحفر، الأمر الذي سبب عجزاً كبيراً في الحفارات في العالم. كما تشير التقارير إلى أنه يتم حالياً بناء عدد كبير من الحفارات الجديدة، خاصة أن أرباح الحفارات البحرية قد وصلت إلى مستوى قياسي في الشهرين الماضيين.

<img border="0" src="http://www.aleqt.com/picarchive/hajji.jpg" width="499" height="400" align="center">

البيانات بين نظريتين
ترى نظرية التغيرات الهيكلية أن الارتفاع الكبير في تكاليف صناعة النفط العالمية خلال السنوات الثلاثة الأخيرة وما نتج عنه من رفع الشركات للسعر المجدي لاتخاذ القرار بالحفر، وقرار دول "أوبك" الضمني رفع السعر الأدنى لسلة نفوط "أوبك" من نحو 25 دولارا للبرميل إلى نحو 50 دولاراً للبرميل، يمثل تغيراً هيكلياً دائماً في صناعة النفط العالمية، الأمر الذي يضمن بقاء أسعار النفط في مستويات مرتفعة، وربما استمرارها في الارتفاع. إن رفع الشركات للسعر المجدي اقتصادياً لاتخاذ قرار الحفر، بما في ذلك الشركات الحكومية في دول أوبك، يعني ضمنياً انخفاض الإنتاج المستقبلي لهذه الشركات مقارنة بحالة عدم رفع هذا السعر.
يستدل مؤيدو هذه النظرية بالارتفاع الحاد والكبير في التكاليف بشكل لم تشهده صناعة النفط العالمية من قبل. إضافة إلى ذلك فإن الارتفاع لم يكن في جزء من الصناعة وإنما في كل أجزائها. ولم يكن في صناعة النفط فقط، وإنما في الصناعات المساندة لصناعة النفط مثل التعدين والحديد والصلب. كما يستدلون بتأخير الشركات والدول المنتجة لبعض مشاريع التنقيب بسبب ارتفاع التكاليف، الأمر الذي سيضمن بقاء أسعار النفط مرتفعة. ويشير هؤلاء إلى أن زيادة أنشطة الحفر بمقدار33 في المائة خلال 14 شهراً الماضية في الولايات المتحدة لم يؤد إلى زيادة الإنتاج، الأمر الذي سيسهم أيضاً في عدم انخفاض أسعار النفط. ويؤكد هؤلاء على أن نقص الحفارات في العامين الماضيين أجبر الشركات على اتباع سياسات زادت من كفاءة استخدام هذه الحفارات، ولا يمكن زيادة الكفاءة أكثر من ذلك. إضافة إلى ذلك فإن إعادة الحفارات والمعدات القديمة إلى العمل أسهم في التخفيف من حدة الأزمة، ولكن هذا المخزون القديم قد انتهى أو لا يمكن استخدامه بسبب نقص قطع الغيار.

الرأي المعاكس
يرد مؤيدو نظرية التغيرات الدورية أن صناعة النفط العالمية شهدت هذه التغيرات "الهيكلية" من قبل حيث قامت الشركات بتغيير السعر المجدي اقتصادياً، وقامت "أوبك" بتغيير السعر الأدنى المفترض لسلة نفوطها. فقد ارتفعت تكاليف الحفر وتكاليف المعدات في السبعينيات بنفس طريقة الارتفاع الحالية، ورغم ذلك ارتفع الإنتاج فيما بعد وانخفضت الأسعار إلى أقل من عشرة دولارات للبرميل. ويؤكد هؤلاء أن اتجاه بيانات تكاليف الحفر والمعدات في الفترات الأخيرة يطابق اتجاه التكاليف في السبيعينيات. ويشيرون إلى أن بيانات الصناعة توضح انخفاضاً في التكاليف الكلية في الشهور الأخيرة. فالبيانات تشير إلى أن الرقم القياسي لتكاليف منتجي النفط والغاز انخفض من 352 في تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي إلى 256 في تموز (يوليو) الماضي.
يشير مؤيدو نظرية التغيرات الدورية إلى عدة أمور مهمة ستجعل أي تغير هيكلي تغيراً دورياً في النهاية منها:
1 - زيادة كبيرة في أنشطة الحفر حول العالم لدرجة أن عدد الحفارات العاملة خارج أمريكا الشمالية ارتفع حتى اقترب من الرقم القياسي الذي وصلت إليه الصناعة في عام 1981. يأتي هذا الارتفاع بعد أكثر من عامين من ارتفاع أسعار النفط بينما جاء الرقم القياسي في عام 1981 بعد أكثر من عشرة أعوام من ارتفاع مستمر للأسعار.
2 - ارتفاع أجور الحفارات في الفترات الأخيرة لا يتناسب مع تكلفة بنائها، الأمر الذي سيؤدي إلى تصنيع المزيد منها.
3 - زيادة الكفاءة وتخفيض التكاليف بشكل كبير بسبب التحسن التكنولوجي في السنوات الأخيرة. فالحفارات والمنصات الجديدة تتميز بخاصيات لم توجد من قبل، أهمها صغر حجمها مقارنة بالمساحة التي تغطيها، وقدرتها على تنصيب أغلب أجزائها إلكترونياً، واحتوائها على أجهزة تحكم متقدمة جداً، والقدرة على التحكم فيها ومراقبتها عبر الأقمار الصناعية. هذا يعني أن مقارنة عدد الحفارات تاريخيا مضلل بسبب تحسن نوعية الحفارات مع الزمن. هذه التغيرات ستمكن الشركات مع مرور الوقت من تخفيض السعر المجدي اقتصادياً كما حصل في الماضي عندما انخفض هذا السعر بأكثر من الثلثين بسبب التطور التكنولوجي في تلك الفترة.
4 - إن أحد اسباب زيادة التكاليف في الفترات الأخيرة هو مشاريع التوسعة الضخمة في الخليج العربي، والتي سينتهي أغلبها بحلول 2010. عندها لن تزيد الطاقة الإنتاجية فقط، ولكن الطلب على الحفارات والمنصات سيقل، الأمر الذي سيخفف من أجورها وأسعارها، وبالتالي سيخفض من تكاليف التنقيب والإنتاج.
5 - بالرغم من كل الصعوبات المذكورة سابقاً، إلا أن ردة فعل أنشطة الحفر لارتفاع الأسعار الحقيقية في الفترات الأخيرة تماثل ردة فعل أنشطة الحفر في السبعينيات وأوائل الثمانينيات، رغم أن أسعار النفط الحقيقية مازالت أقل مما كانت عليه في بداية الثمانينيات بنحو 13 دولارا للبرميل. فإذا أضفنا هذه الحقيقة إلى التقدم التكنولوجي السابق ذكره، فإن مآل التكاليف، وبالتالي أسعار النفط إلى الانخفاض.
6 - بيانات الحفارات الشهرية التي يستخدمها الخبراء والمحللون لا تتضمن بيانات الصين. ورغم حاجة الصين إلى الحفارات إلا أن الصين تصنع الآن أكثر من 100 حفارة سنوياً، ويتوقع أن تبدأ عما قريب بتصدير بعض هذه الحفارات بعد توقيع عدة عقود مع شركات أمريكية وأوروبية. إن دخول الصين في مجال صناعة الحفارات يعني انخفاض سعرها مع مرور الزمن، وبالتالي انخفاض تكاليف الحفر عالمياً. إضافة إلى ذلك فإن هناك نحو 20 حفارة تعمل في المياه الصينية، وهذا ضعف المعدل التاريخي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي