تشريع توثيق المعاملات المالية في الإسلام

<a href="mailto:[email protected]">hnc@hnccom.com</a>

لعل من أبرز ما تميزت به الحضارة الإسلامية تفاعلها مع المجتمع البشري وتشريعها نظم شملت أمور الحكم والإدارة والاجتماع والاقتصاد، وبالأخص نظم أمور الدولة المسلمة. ويبدأ عادة مؤرخو الفكر المحاسبي للحضارات القديمة بالتركيز وبإسهاب على نموذج توثيق المعاملات المالية سواء أكان لدى البابليين والآشوريين أو الفراعنة واليونانيين والرومان، ومن هذا المنطلق نبدأ من حيث بدأوا، حيث إن أول تشريع إلهي حدد وبشكل واضح وصريح سبحانه وتعالى في كتابه العزيز أسلوب توثيق المعاملات المالية، حيث أفرد أطول آية في القرآن الكريم لتحديد إجراءات توثيق المعاملات المالية الآجلة والحاضرة. فالآية رقم 282 من سورة "البقرة" فصلت بشكل دقيق لا يماثله أي نظام سابق أو لاحق إجراءات توثيق المعاملات المالية.
ومما يستفاد من هذه الآية وتفسيرها من الناحية المالية والله أعلم ما يلي:
1 ـ إلزامية توثيق المعاملات المالية والآجلة بالكتابة سواء أكانت صغيرة أو كبيرة، وهذا يعني من الناحية المالية أن المستفيد الأساسي لتوثيق الدين يكمن فقط في المستند المكتوب، إضافة إلى عدم اعتبار الأهمية النسبية في هذا المجال.
2 ـ جواز التعاملات المالية بأجل شريطة ألا تكون تعاملات ربوية.
3 ـ استقلال الكاتب وضرورة تأهيله، فلا بد أن يكون الكاتب عادلاً، ولا يمكن أن يكون عادلاً إذا لم يكن مؤهلاً للكتابة. ويعني في وقتنا الحاضر، والله أعلم، أن يتصف الكاتب أو "المحاسب" بالعدالة والاستقلال والتأهيل، وهذه من أساسيات تأهيل المحاسب والمراجع القانوني كما حددتها الحضارة الغربية بعد 14 قرناً من تحديدها من قبل الله سبحانه وتعالى.
4 ـ تحديد فكرة الأطراف ذوي العلاقة، حيث لا بد من أن يملي من عليه الدين وألا يتدخل الكاتب في تفاصيلها. فإذا لم يكن مؤهلاً لا بد من توكيل ولي له، فلا يمكن أن يتدخل في الإملاء ذو علاقة كالدائن أو الكاتب أو غيرهما، وعليه فلا يعتد بالعمليات المالية إذا كان هناك أطراف ذوو علاقة.
5 ـ ضرورة الشهادة من أطراف مستقلين على ما تمت كتابته وذلك لتأكيد استقلال الأفراد الدائن والمدين والكاتب كافة. كما أن الآية حددت بشكل دقيق مسؤولية الشاهد حاضراً ومستقبلاً.
6 ـ حماية جميع أطراف التعامل وعلى الأخص الكاتب والشهود، ولا شك أن هذا التشريع يعتبر أرقى ما يتم التوصل إليه في دعم تأهيل واستقلال الكاتب، ومازال الغرب والعالم أجمع يحاول بالوسائل والتشريعات كافة حماية المحاسب والمراجع القانوني من طغيان وضغط أطراف العلاقات المادية. ولو دعا المسلمون لهذا التشريع وطبق بشكل تعبدي لاستقامت العلاقة بين العميل والملاك والمستثمرين والمراجع القانوني.
7 ـ حرية توثيق المعاملات في التجارة الحاضرة، وهنا ترك إجراءات توثيق وتسجيل المعاملات الحاضرة حسب تطور المعاملات المالية في الزمان والمكان. أما المعاملات الآجلة فلا بد من توثيقها بغض النظر عن تطور تلك المعاملات.
8 ـ وأخيراً والله أعلم، حددت هذه الآية شروط توثيق الأحداث المالية، وهي الشروط الأساسية نفسها التي رست في الفكر المحاسبي منها توافر حدث مالي آجل أو حاضر، وطرف مدين وآخر دائن، وضرورة توافر استقلال الكاتب وتأهيله عن أفراد العلاقة، والله أعلم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي