مؤسسو الشركات المساهمة التي تطرح للاكتتاب كسبوا كل شيء
بعد تردد واضح ومحاولة تسويف نشرت شركة البحر الأحمر بياناتها المالية للسنتين المنتهيتين في 31 آذار (مارس) 2006 و2005م. وهو تردد كنت أتوقع أن لدى الشركة ما تخفيه. ولا أخفيكم سرا أني قررت عدم الاكتتاب في الشركة ما لم أطالع وأقرأ قوائمها المالية. والحمد لله أن الشركة أفرجت عن قوائمها المالية في أول يوم من بداية الاكتتاب في 30 في المائة من أسهمها، وعندما شاهدنا تلك القوائم وجدنا أنها من ناحية التحليل الأساسي تتمتع بمركز مالي ممتاز وتحقق أرباحا جيدة، حيث اقترب صافي أرباح الشركة من 125 مليون ريال، وبموجودات تتجاوز 490 مليون ريال.
وموضوع اليوم ليس شركة البحر الأحمر أو الأصفر على وجه التحديد ولكن سوف أستخدمها كمثال لحالة شاملة جامعة لكل قضية الاكتتابات في الوطن، حيث يتبادر إلى الذهن سؤال رئيس حول الشركات عموما والشركات المساهمة المغلقة خصوصا التي تتجه إلى أن تكون شركات مساهمة مفتوحة، هذا السؤال هو: لماذا هناك رغبة في الاستخفاف بالحقوق العامة وحقوق المساهمين؟ هل تدني مستوى الثقافة الاستثمارية والاقتصادية لدى العامة سبب الاستغلال؟ عموما ولهذا السبب وجد التنظيم ووجدت الجهات الرسمية للعب الدور الذي يحمي حقوق جميع الأطراف دون خلل أو إخلال.
وعودة إلى موضوع شركة البحر الأحمر حيث لم أفهم سبب هذا التردد في نشر القوائم المالية إلا أن يكون بسبب عدم تعود الشركة على الكشف عن أرقامها لكونها شركة مساهمة مغلقة. وبالتالي فإن الثقافة المالية لمسؤولي الشركة لم تكن في مستوى الحدث، ولكن وفي كل الأحوال أعتقد أنه يجب أن يطلب من أي شركة يتم طرحها للاكتتاب العام أن تنشر قوائمها المالية قبل شهر على أقل تقدير من بداية تاريخ الاكتتاب حتى يتمكن العامة من مراجعة قوائمها وإعلان نتائجها المالية، وحتى يمكن للمحللين قراءة القوائم وإبراز معالمها المالية المهمة التي قد تحتاج إلى توضيح أو دراسة أعمق.
وكما قلت فإن القراءة السريعة لقوائم شركة البحر الأحمر تُظهر مركزا ماليا قويا وتوجها واضحا نحو تحقيق مزيد من النتائج الجيدة مستقبلا، وهو الأمر الذي نتمناه لكل الشركات المساهمة وغير المساهمة.
لكن تبقى قضية علاوة الإصدار كقضية عامة ذات أبعاد اقتصادية خطيرة، وهو الأمر الذي حصل في فترة شركات "الدوت كوم" في نهاية عقد التسعينيات من القرن المنصرم وبداية القرن الحالي الذي انفجرت فيه الفقاعة بسبب هذه الشركات. ولولا أنها كانت في بلاد قواعدها الاقتصادية قوية وتعاملت مع المشكلة بشكل سريع وجيد، حتى أنها خلقت مؤشرا خاصا بتلك الشركات ولم تربطه بمؤشراتها الرئيسية، لكانت عواقبها الاقتصادية السلبية وخيمة. ولكن لدينا سوف تكون محطة تمرير وليست مرور لكثير من الشركات، وهي محطة مغرية ويسيل لها اللعاب. ويجب أن نعلم أن لدينا ما يزيد قليلا على 400 شركة مساهمة مغلقة، جزء كبير منها حديثة التأسيس وأهدافها وجدواها غير واضحة. وقد لوحظ أن هناك ازدهارا لقطاع جديد في المملكة وهو قطاع تأسيس شركات وبيعها تحت ما يعرف "بأسهم تأسيس الشركات" وبمليارات الريالات، وكلها تعمل على افتراض أنها سوف تكون شركة مساهمة وتبيع أسهمها على العامة بسعر مغر. وهو قطاع نشط جيدا هذه الأيام والجميع يعمل في كل مدن المملكة على الاستفادة من هذا التوجه الذي آمل أن تقوم الأجهزة الحكومية المسؤولة عن الشركات المساهمة والترخيص لها بدور أكبر من دور الختم والبصم، لأن هناك شركات بدأت تتحدث عن أصول عينية وأصول شهرة، وتحاول الزج بما علق لديها من عقارات في شركات أشك تماما أنها سوف تضيف شيئاً للاقتصاد المحلي.
ولنعد إلى شركة البحر الأحمر كمثال فقط على ما ذهبنا إليه في قضية علاوة الإصدار، فقد وافقت الشركة على طرح 30 في المائة من أسهمها البالغة نحو 30 مليون سهم (يعني 9 ملايين سهم)، وبحكم أنها بعلاوة إصدار بلغت 48 ريالا، إضافة إلى عشرة ريالات القيمة الاسمية للسهم يصبح الإجمالي المدفوع من قبل المكتتب 58 ريالا. وهو الأمر الذي يعني ببساطة شديدة أن الشركة (أقصد ملاك الشركة) سوف يحصلون على نحو 428 مليون ريال من طرح 30 في المائة من أسهم الشركة، وهو أمر يبرر زيادة رأسمال الشركة من ثلاثة ملايين فقط إلى 300 مليون ريال، مما يعني أن هناك مبلغ 147 مليونا كانت عبارة عن أرباح مبقاة مضاف إليها 150 مليون ريال دفعت من قبل الملاك قبل الاكتتاب كزيادة نقدية لرأسمال الشركة. وقد رجعت تلك المبالغ البالغة 297 مليون ريال للملاك رغم أنهم لم يطرحوا منها للعامة سوى 30 في المائة فقط (أنا مع عدم طرح نسبة كبيرة من أسهم الشركات المساهمة وذلك للتأكد من بقاء الدافع لإدارة جيدة للشركات، ولدينا تجارب واضحة لشركات ضاعت عندما فقدت الملاك الاستراتيجيين بينما هناك تجارب ناجحة لشركات كانت الغالبية من أسهمها في يد ملاك معروفين ولديهم الدوافع الشخصية لنجاح الشركة). إذن رجعت تلك الأموال للملاك المؤسسين حيث بلغت نحو 427.7 مليون ريال + 210 ملايين ريال رأس المال الذي لا يزال في حوزتهم. هل هناك في الدنيا أفضل من هذا الاستثمار. استثمار أموال ترجع خلال فترة قصيرة جداً بأرباح صافية جزء على شكل نقدية للجيوب وهو مبلغ 427.7 مليون ريال (قيمة بيع 30 في المائة من رأس مال الشركة بعلاوة إصدار 48 ريالا للسهم) وجزء رأسمال مستثمر 210 ملايين ريال (70 في المائة من أسهم الشركة ما زال المؤسسون يمتلكونه) بحيث تبلغ نسبة الربح من هذه العملية 214 في المائة. المهم أن تكون الشركة وكل الشركات التي تطرح للاكتتاب إضافة للاقتصاد السعودي في كل أوجه الإضافات الممكنة لا أن تكون عبئا عليه!!!