اقتصاديات الحروب
<a href="mailto:[email protected]">naila@sma.org.sa</a>
من أخبار الجرائد والتلفزيون تطالعنا الإحصائيات عن نتائج العدوان الإسرائيلي على لبنان وفلسطين وبأرقام تصاعدية، ولا يوجد بالطبع أي توازن بين الخسائر الإسرائيلية والخسائر العربية، فالعرب هم الرابحون دائماً في معركة الخسائر المستمرة للأسف.
والمتابعة والحديث عن هذه الخسائر في الأرواح والأموال وتدمير البنية التحتية لهذه الدول العربية هو موضوع الساعة فالمصاب جلل وكبير أكبر مما يتحمله قلب وعقل إنسان.
وانهيار اقتصاد هذه الدول هو من الآثار المتوقعة خلال الحرب وعند انتهائها كما يدل على ذلك التاريخ ولم يكفني ما نراه في القنوات الفضائية من أرقام، فكان لزاماً علي معرفة ودراسة هذا النوع من الاقتصاد وهو اقتصاديات الحروب.
حدد لورانت جوتشل، مدير المؤسسة السويسرية للسلام تعريف مصطلح "اقتصاديات الحرب" بأنه مجموعة من التركيبات الاقتصادية التي تنشأ في فترات النزاعات المسلحة والصراعات، وتستمر حتى بعد انتهائها.
كما أكد الخبراء أن اقتصاديات الحرب لا توجد فقط في الدول التي تعيش بالفعل نزاعات مسلحة، بل أيضا في المناطق المتوترة وغير المستقرة والمناطق المجاورة لها.
فالحروب الطويلة في تلك المناطق، وعدم استقرار الأوضاع فيها، تركت آثارا واضحة في الحركة الاقتصادية، وجعلتها تتحرك في منحى آخر غير الاقتصاد العادي الذي يعمل من أجل التنمية، وبالتالي، كان لكل تلك العوامل أثرها في الديمقراطية والحياة السياسية والاجتماعية.
تغلغل "اقتصاد الحرب" في تلك المناطق، يعوق تقدم المجتمعات والحكومات في أداء عملها، ويعرقل تحقيق أي نجاحات في بناء نظام دولة آمنة مستقرة، لا سيما مع وجود تدخل مستمر من أطراف أجنبية في مسارات السياسة الخارجية والداخلية.
حيث تحطم الحرب قواعد اللعبة المنطبقة على عمليات التبادل في اقتصاد السوق: فتجارة المقايضة تحل محل المعاملات التي تتم بالعملة, وقد تنهار الدولة والخدمات العامة, ويكون هناك ميل لهيمنة الإفلات من العقاب على حكم القانون, مما يجعل تنفيذ الواجبات التعاقدية نهباً للصدفة ومكلفاً من حيث الضمان.
تعدل الحرب من سلوك وكلاء القطاع الخاص سواء على مستوى الشركات أو على المستوى الأسري. ويولد عدم الاستقرار السياسي عدم اليقين الذي يحد بشدة من أفق التخطيط وثقة المستهلكين والمستثمرين. ويعزف أصحاب رؤوس الأموال عن الاستثمار في المجالات التي تشتد فيها الحاجة إلى ذلك, في قطاع الأصول الإنتاجية الثابتة كالبنية الأساسية الزراعية والصناعية مثلاً.
إن استراتيجيات البقاء التي يتبعها السكان ترتبط بانتشار أنشطة موازية وخارجة عن القانون, الأمر الذي يسفر غالباً عن أنشطة اقتصادية غير رسمية تلقي بظلها على السوق الرسمي. وقد تضطر أكثر الفئات ضعفاً إلى بيع متعلقاتها الشخصية مثل المجوهرات والأصول المنتجة مثل الأرض والماشية التي يستحوذ عليها آخرون بأسعار منخفضة للغاية. هكذا يمكن للحرب أن تغير بشكل جذري توزيع الثروة والقوة بين الجماعات الاجتماعية الاقتصادية, حيث تحقق أقلية صغيرة أرباحاً كبيرة بينما تنزلق الأغلبية العظمى نحو الفقر المطبق.
تميل الحكومات في البلدان التي تمزقها الحرب إلى أن تكون طاقتها الاستيعابية منخفضة, لكنها قد تواجه تدخلات هائلة في المجالات الإنسانية والاقتصادية والسياسية والأمنية.
وبعد انتهاء الحرب غالباً ما تكون المؤسسات المالية الدولية هي الجهة المقرِضة الأساسية في مرحلة إعادة البناء. كما تلعب دوراً حاسماً في تصميم السياسة الاقتصادية, حيث تحدد الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة لتمكين الدولة من الحصول على التمويل الأجنبي. وتبدأ بفرض شروط اقتصادية وشروط سياسية ولكن التطبيق المتزامن مع الشروط الاقتصادية والسياسية غالباً ما يعني انتحاراً سياسياً لأهل السلطة وتجدداً للعنف في البلاد التي خرجت لتوها من نزاع طويل.
هذه المعضلة تكشف على نحو أكبر عدم الانسجام في مجمل استراتيجية الحكومات المانحة إزاء البلدان التي مزقتها الحرب. فالشروط السياسية تصاغ عادة من قبل وزراء الخارجية والإدارات السياسية, على حين أن الشروط الاقتصادية التي تحددها المؤسسات المالية الدولية يتم إملاؤها من قبل وزراء المالية والبنوك المركزية. وستظل البلدان التي تمزقها الحرب تواجه المتطلبات المتضاربة من مجتمع المانحين طالما أن اليد اليمنى للحكومات المانحة لا تفهم بشكل كامل ما تفعله اليد اليسرى بل قد تعرضها للخطر.
وعادةً ما يستخدم المجتمع المالي الدولي الجزرة والعصا للتأثير في سلوك متلقي المعونة من خلال مزيج من المكافآت الاقتصادية والسياسية تراوح بين ترويج المعونة والتجارة والحظر الشامل وتجميد الأصول الأجنبية.
ومن درس التاريخ الاقتصادي السياسي هذا نلاحظ أن تخريب البنية التحتية لكل من فلسطين ولبنان ما هو إلا بداية لخطة منظمة لتركيع حكومات هذه الدول وشعوبها لشروط اقتصادية وسياسية مناسبة لرغبات منظمات مالية دولية تسيطر على قرارتها بشكل كبير الولايات المتحدة وهي التي تمد إسرائيل بالقوة بجميع أنواعها . فهل هناك بداية لتصحيح الوضع الاقتصادي للدول العربية التي تقوم إسرائيل بدمارها فعلاً أم هي لعبة مستمرة للأبد؟
ألف سؤال وسؤال يضيع دون إجابة وأهمها: هل هناك نهاية لهذا الوضع المخزي؟