(ما فاتكْ من الزَّرعْ إلاِّ سِبْلهْ)

<a href="mailto:[email protected]">abubeid@binzagr.com.sa</a>

حمداً لله تأكيد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز (أنَّ سياسة الدولة السعودية لا يوجد فيها ما يسمى بالمناطق القريبة والمناطق النائية، فكل ذرَّة من ذرَّات تراب هذا الوطن قريبة من القلب، ولا يوجد تفريق بين منطقة وأخرى أو مواطن ومواطن). وأفاض خادم الحرمين الشريفين القول إيضاحاً، في كلمته التي ألقاها في الحفل الذي أقامه أهالي الباحة فرحة بقدومه إلى المنطقة، أنَّ (المواطنين سواء في الحقوق والواجبات ولا يوجد مواطن محظوظ ومواطن محروم). نظرة خادم الحرمين الشريفين الثاقبة، إلى منطوق خطابه التاريخي لفلسفة التنمية الاقتصادية الاجتماعية السعودية المستدامة لإعمار الأرض مدوية للملأ في قوله إنه (لا توجد لدينا أوطان صغيرة، بل لدينا وطن كبير) .
التفاوت الكبير بين التخطيط والتقدير والإنجاز والتنفيذ الاقتصادي الاجتماعي لحكوميين وعامين وخاصين وأهليين لنصف قرن مضى يكاد يكون المُسبِّب الرئيسي لتشتيت فعالية التشييدات واعتبار قيام المشاريع الغاية من الصرف عليها والاستثمار فيها دون أيَّ اعتبار لكمال إنجازها وجني ثمار الخدمة المطلوب توفيرها بالمستويات المقدرة تحصيلها من الاستثمارات الرأسمالية وكفاية انضباط صرف الميزانيات التشغيلية وفقاً لسلامة ضمان الإنجاز وكفاءة الاستفادة. مليارات الريالات اعتمدت لمشاريع طموحة نفذت على مستوى الوطن ونتائجها قاصرة وخدماتها ناقصة وفائدتها معطوبة، ليس لندرة الأموال المدفوعة ولا لنقص في الاعتمادات المرصودة ولا بُخل من الدولة لقيام الدعامات الاقتصادية وتقوية الأساسات المقامة، ولكن لعجز التركيبة الإدارية المالية ونظمها غير المواكبة لخدميِّة ومهنيِّة تنوع المشاريع الحديثة لعصر العولمة والتنافس النسبي بين الأمم، ونقص نوعي وكمِّي في الاهتمام للتفريق بين الوسيلة والغاية، لدرجة دفعت مسؤول كبير عن الاستثمار تفسير الماء بعد الجهد بالماء، في دفاعه عن قيام نهج اقتصادي مُستحدث وفلسفة "مردودة" لبُعدها عن المنطق المعرفي الحديث، ولا نجدها في كتب الاقتصاد التطبيقي عن (تشييدات) ونجاح قيامها وتأسيسها بعيداً عن روتين الواقع الاقتصادي الوطني المحلي المعطـِّل لانتشار الازدهار المأمول وسلبياته وتعطيلاته. فلسفة تبرير ما لابد منه من تفريعات خارقة لأبجديات التنمية الاقتصادية المستدامة، اعتراف سجـَّلته الصحافة المحلية دون تقييم للأضرار المحتملة لبقاء الكيان كما كان ومخاطر الاستخفاف بمضامين المفهوم الاقتصادي من أنَّ العملة المزيـَّفة طاردة للعملة الرسمية المعتمدة. التوجه الاقتصادي السعودي الرسمي للدولة يجسـِّد الرضا عن المكاسب المحققة ويعي سلبيات نصف قرن مضى في تطبيقات القوانين والنظم الاقتصادية الاجتماعية القائمة. الفكر الاقتصادي يعجز عن فهم تقليل أهمية محورية تطوير صالح الأعمال وإزالة الطالح، لبرامج تشجيع الاستثمار، عوضاً عن أخذ المهام والأمور من قصيرها لمسارات تشييدات تنموية تقليدية بقوانين ونظم غير متطورة ولا متكاملة بل قاصرةً لتوفير السلاسة المنتجة في (وطن صغير) للاستثمارات الجديدة المضافة مجاورة (لوطن كبير) من مئات السنين قائم بخيرات وفرتها ميزانيات الدولة في قوالب اقتصادية اجتماعية متجانسة من الدفاع، للأمن والصحة والتعليم.. إلخ، تعطي المواطنين فوائد سلامة تنفيذها، وفقاً لفكر اقتصادي اجتماعي مُتفق عليه بعيداً عن فزلكة الاجتهادات تحت شعارات ازدهار الاقتصاد الوطني وسعادة المواطنين عن طريق المسؤولين الحكوميين والخاصة والأهليين، والعامة.
الاعتمادات المالية في الميزانيات لمشاريع نصف قرن مضى، لم تستهدف الإنفاق لغاية في نفس يعقوب، ولا لتوفير السيولة واللهو المجتمعي وتكاثر الثروات الفردية والجماعية، بقدر توفير خدمات اعتمدتها الدولة على مستوى الوطن وفتح مجالات العمل لازدهار الاقتصاد بالتشغيل للمواطنين وفقاً للكفاءات والجهود والأرزاق. أوضاعنا الاجتماعية وأحوالنا الاقتصادية لنصف قرن تحسـَّنت لمستويات ربما بعضاً منا قد يحسد أحوالنا الطيبة، وعارفين ومتيقنين، وعلى أقل تقدير من قراءات الصحافة المحلية، النواقص في أساسيات خدمات المناطق والمنشآت الخدمية الحكومية والخاصة والأهلية من المستشفيات إلى البنوك المحلية المتميزة بخدمات متدنية خاصة لمتوسطي الدخل، على مستوى الفروع القطاعي والنسائية والأرباح السنوية المخبلة للمتعاملين معهم، ليس لأرقامها الخيالية المحبطة لفقراء المتعاملين، ولكن لمحدودية الخدمات المتوافرة لهم مقابل الأتعاب ومعاناة التعامل ومحدودية المغانم الخدمية. الجهات الرسمية عن الأجهزة الخدمية للوطن والمواطن بعيداً عن منطقتي الجبيل وينبع، تفتقد أساسيات جدِية النظرة المسؤولة الحديثة اجتماعيا واقتصادياً لمشاريع التنمية و التفريق بين التشييدات ومخرجاتها. الزيارات المعلنة لكبار المسؤولين لمواقع العمل من مستشفيات إلى جامعات ومدارس يرى فيها المواطن محدود الدخل والفقير، بهللة لا تسقي ولا تغني من جوع، وليس لها تأثير مضاف لجهود الوطن وبعيدة عن تحسين مستوى معيشة الفرد لعدم التفريق بين (الشيء ولزوم الشيء) المتمثـِّل في كمال المخرجات واكتمالها بدلاً من تركها ناقصة منقوصة، وإضرارها بالتشييدات الخدمية وللقدرات والطاقات والرغبات والتطلعات المبلقنة.
دون إنقاص لمجهودات العاملين، وعطاء نصف قرن لبناء قواعد صلبة وثوابت متينة على مستوى الوطن اجتماعيا واقتصادياً، السواد الأعظم منا مقصر في فكره لرؤيتنا أنَّ العطب من غيرنا وليس في نتائج أعمالنا، وهدر لنعمة إيفاء الكيل وأمانة تقانة التقنية والإبداع المخلص والشفقة والرحمة بمستقبل الوطن من أضرار جبروت الإهمال في المسؤوليات والتهاون في القيم والحقوق المتعلقة بالنشاطات التنموية اقتصادياً واجتماعياً. القناعات متوافرة لدينا من أقوالنا همساً على مستوى الجهر وأقوال المسؤولين في الصحافة المحلية من تحويل أهم الاستثمارات المستحدثة لجزر على هيئة مدن صناعية اقتصادية خارجة عن الاقتصاد الوطني السعودي المؤسس لنصف قرن، وتهاون في قبول منطقية ارتباط الأجزاء الصغيرة للوطن الكبير، سعياً لتحقيق مكاسب معينة بمجرَّد إخراجها من العوائق والروتين وكأننا نقبل المعطـِّلات جزءاً طبيعياً من واقعنا، وتقليل منافع إجماليات أفـْرُع الازدهار الاقتصادي وتكريس مفهوم الأوطان الصغيرة. الوطن الواحد الكبير قيامه في تناسق التخصص وتوازن توفير التقانة والمعرفة والأبحاث والعلم والترابط على هدى أخلاقيات الرسالة المحمدية في إعمار الأرض، بالعدل والقسط في الكفاءة والمقدرة والإبداع والعلم والتعليم على الأسس الصحيحة الواضحة المعروفة مؤقلمة، خدمة لطموحاتنا وخبراتنا الجماعية والابتعاد عن بلقنة الأفكار وإتباع فكر الأسود والأبيض الذي لا يقبل الشاطر ولا المشطور ويرفض الاعتراف بوجود الفاصل بينهما.
بعد حذف اسم الوزارة المعنية. قول الكاتب ياسر الكنعان في "الاقتصادية" إصدار الثلاثاء 25/7/2006 (أمام أي عاقل يدير منشأة ما خياران، النجاح والاستمرار فيها، أو الفشل وإغلاقها. (الوزارة المعنية) أمامها الكثير من المنشآت غير الناجحة، ومع ذلك مستمرة في إدارتها والصرف عليها بطريقة لا تحيي ولا تميت). ويستطرد قلم الكاتب مسايراً فكره المتباين لأفكار الوزارات التي تمثـِّل أوطانا صغيرة لأفكار كثيرة متضاربة، ليقول (على الوزارة أن تلتفت قليلاً إلى تلك "المنشآت"، وتحسن من أدائها لخدمة الناس، تطورها، وتبحث عن خطط بديلة للآليات المستخدمة في تمويل تلك "المنشآت". لا يكفي أن تعيش تلك "المنشآت" على أجهزة الإنعاش، نريدها أن تعيش).
الإيضـاح الذي قدمه المسؤول الحكومي رفيع المستوى في الباحة، عن المشروعات التي تفضـَّل بها خادم الحرميـن الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للوزارة المعنية من كاتب "الاقتصادية" ياسر الكنعان، تضمنت تفصيــلات دقيــقة عن مئــات المــلايين المعتــمدة وتفصيلات فنية دقيقة عن المنشآت المقترحة من (خزان المياه الأرضي المكوَّن من خزانين رئيسيين تجميعيين بسعة "1300" متر مربع والتحــلية والمعــالجة إلى عــدد الأسـرة)، دون الإشارة والتنبيه إلى المخرجات الخــدمية والتشغيلية ومدى مطابقتها للاحتياجات الأسرية والإجراءات التنظيمية لتجنُّب المعاناة والإهمال، المسبـِّبة لتدنـِّي الخدمات الإنسانية وشكوى المواطنين المتكرِّرة لنصف قرن مضى.
التوجهات الحسنة والنـِّيات الطيبة مُقدمة من خادم الحرمين الشريفين في حله وترحاله للوطن والمواطنين حُباً خالصاً لله، وغيرةً صادقةً على الوطن والمواطن، تستهدف تحسين معيشة بناة الوطن وتشغيلهم وتوظيفهم في أعمال مفيدة للوطن وازدهار اقتصاده. صرف بلايين الريالات المعتمدة لتنمية وإعمار أرض الوطن، تلازم توجيهاته السنية لرفعة الأداء وأمانة الإنجاز وتوفير الخدمات المعيشية على مستوى الوطن للأفراد من أمن وجامعات وزراعة وصناعة وتعليم وثقافة وصحة وعمالة. الدولة ملتزمة بتوفير الأموال المعلنة للعمل والتشغيل والبناء في تنمية مستدامة بسواعد المواطنين وتأمين مستقبلهم. الأمل أن يتوافر الفكر الخدمي الإنمائي من إقامة المشاريع المقترحة والمعتمدة دون تكرار سلبيات نصف قرن مضى. التنمية المستدامة ليست فقط في توفير ضمانات الإنفاق السخي والمشاريع الضخمة المعتمدة خارج النطاق المؤسساتي الاقتصادي الاجتماعي القائم. البراعة في الاستفادة من السخاء المالي يتطلـَّب توضيح المستويات الوطنية السعودية، للوطن الكبير، دون تجزئة الخدمية المنتظرة والنتائج المقدَّرة والمخرجات المستهدفة، ومقارنتها بما هو قائم وإيضاح الوسائل والطرق التي تعطي القناعة بأن مخرجات الاستثمارات الكبيرة ومنتجاتها هي المستهدف وليست الإنشاءات.
الفِكر الذي أخرج الاقتصاد السعودي من تخلـُّف نصف قرن إلى المستوى الحضاري الذي نحن عليه، قادر على أن يقدَّم المختصين برنامج خدمي رفيع الطموحات، على مستوى الوطن الكبير، للنهوض بالمستويات الحالية اقتصادياً واجتماعيا ومعيشياً إلى المستويات التي يرضى بها الشباب والشابات لعملهم وحياتهم ومستقبلهم، ويطمئنوا إلى أنَّ الإضافات في كيانات التنموية الوطنية السعودية مخرجاتها قادرة لتنهض بالحياة الرغدة والعمل المنتج للمستويات التي تتطلـَّع إليها الدول المنافسة للاقتصاد الوطني السعودي والحياة دولياً في طريقها للقرن الواحد والعشرين. القدرة لتغير الفكر تنموياً من إنفاق للتشييد وتكاثر الأموال حتى زيارة المقابر حتمي لنلتزم بالإنفاق الربحي لإعمار الأرض خدمياً والاستثمارات في نشاطات اقتصادية اجتماعية حياتية مستدامة، وأهم قناعاتها وأكثر تحدياتها إصلاح أي اعوجاج في مسيرتنا التنموية لنصف قرن مضى. مهم إيضاح العوامل والمسببات المنطقية اقتصادياً واجتماعيا لمكابرات قائمة لاختلاف الرأي في تقييم التبرير الاقتصادي لقيام "مدن" حديثة بعيدة عن مدن قائمة، وأمر حيوي احتساب مردود نقص أداء مشاريعها في الهيكلية الموضوعة والتكاثر المربك. المعطـِّلات القائمة واضحة ومعروفة من مفهوم تنموي، غير أنَّ مواجهتها تخالف حكمة خادم الحرمين الشريفين أنْ (لا توجد لدينا أوطان صغيرة بل لدينا وطن كبير). والله أعلم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي