الضحك المؤلم
<a href="mailto:[email protected]">Mosaad@al-majalla.com</a>
كان ضحكاً ممزوجاً بالألم يجتاحنا ونحن أطفالاً متطلعين على مقاعد الدراسة، أو على "بساط الدراسة" على أي شيء، ما يتفق مع تلك المرحلة المؤرخة بأواخر الستينيات وأوائل السبعينيات الميلادية، مصدره أن كل من حولنا يقولون لنا إن إسرائيل هي العدو، ومعلمنا الفلسطيني يقول ويل لكم فإسرائيل ستتمدد من الفرات إلى النيل وإلى المدينة المنورة جنوباً، فيزداد الخوف، حتى يأتينا المعلم من بلاد النيل ليؤكد أن إسرائيل شرذمة مصيرها السحق على أيدي الشجعان العرب، فيتخضب الخوف ببعض التفاؤل حتى لو لم نكن ندرك أنه قد انطلق من إيحاء كاذب!!
هذا هو حالنا نضحك ونبكي، واستمر الألم في كلتا الحالتين إلى الآن، وتابعنا ارتقاء إسرائيل، بل أسهم كبرياؤنا الأجوف وتخاذلنا المقزز بصنع ارتقائها التقني، وبتفاهتنا المخجلة جعلنا منها عملاقاً عسكرياً، ولا بأس بعد ذلك أن نتحمل جورها وظلمها لأبناء جلدتنا، ولا عليه إن احتلت الأراضي وأرغمتنا على عدم المطالبة بها، لأننا جعلنا منها قضيةً نتسلق عليها، وإشكالية ننشد بها علواً وحضوراً، وحجةً لبعض يرى أن مصالحه واستمراريته ترتبط بجعل إسرائيل عدواً محارباً, ومازلنا نبكي من واقع عربي يريد ذلك، ويستخدمه في كل حين كورقه لتحقيق مصالحة حتى لو دمرت الأرض الطيبة وقتل الإنسان البريء.
ولتتمادى وتتمادى وها هي عربدتها تمتد لتستغل "سوء فعل" بعض أهل لبنان لتعيث فساداً في هذا البلد الجميل دون رادع دولي وبمباركة أمريكية وسط عالم لا يملك إزاءها إلا الشجب والاستنكار. كنّا نضحك في طفولتنا من فرط البراءة التي تمتزج بالخوف، والآن نضحك لأن التعلم الذي نلناه خلال تلك الفترة لم يكن قادراً على استيعاب المعادلة والعدوان، ونضحك أيضا لأن تأسيسنا المعرفي عن إسرائيل خلال زمن الطفولة، كان متضخماً جهلاً وعقماً، بما يجعلنا الآن نشك في مصداقية كل من نقل لنا هوية هذا العدو وأهدافه. ولتستمر معاناتنا وهمومنا ويستمر ما نحن عليه على حال، ننتظر الفرج من رب العالمين أن يريحنا من إسرائيل، ندعو عليها بالويل والثبور وهي مستمرة في غيّها تقتل الأطفال وترمل النساء وتجتاح الأرض.
فوضى العدوان على لبنان تستمر ودائرة المجهول مع هذا العدو تتسع، ولا ندرك كيف نوقف هذا المعتدي المتسلط عند حده، وبعد هناك من يريدنا أن نتفاءل، وكيف للقلوب القلقة أن تنشد الفرح والتفاؤل؟ لكن لا سبيل لانتزاع بعض الألم إلا أن نعود إلى مقاعد الدراسة لأجل أن ننال وعيداً، أو بشرى من معلمينا أولئك الذين أجادوا دور ملقن الضحك المؤلم، لنعيش معهم بعض الكذب أو المبالغة لعلنا نستطيع أن نتجاوز المحنة!!