حرب الأمة وفشل العرب ونبوءة الرسول الكريم
<a href="mailto:[email protected]">f.albuainain@hotmail.com</a>
أعان الله هذه الأمة من شرور أبنائها، أما الأعداء، فالله بهم كفيل. وقد صدق الرسول الكريم, صلى الله عليه وسلم, حين قال (صحيح مسلم): " إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة عامة وأن لا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم وإن ربي قال يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة وأن لا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها أو قال من بين أقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضا ويسبي بعضهم بعضا ".
هذه نبوءة الرسول الكريم وقد تحققت وكأنه ينظر إليها بعينيه الكريمتين؛ طويت له الأرض وأبصر ما فيها، فأخبر عن بعضها وتجاوز عن البعض رحمة بالمسلمين. هل أحتاج إلى أن أشرح الحديث؟ لا أعتقد، فالقارئ الحصيف أقدر مني على ذلك، أما أصحاب الشأن، فهم أكثر إحاطة منا جميعا بهذا الحديث الشريف، ولعلنا نذكرهم فقط من باب "وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين". ونضيف أن من أسهم في إقحام اليهود والأميركيين في العراق ولبنان ليسوا براء من هذا الحديث، بل تقع عليهم كامل المسؤولية فيما يحدث من قتل ودمار، ليس في لبنان فحسب، بل في كل قطر إسلامي أوجدوا فيه للعدو عذرا وموطئ قدم. قطعا لن ننسى إرهابيي حزب اليمين المتطرف، المحافظون الجدد، ولا الإدارة الأمريكية التي كانت سببا رئيسا في إشعال فتيل الحرب في ثلاث دول مسلمة على التوالي، أفغانستان، العراق ، وأخيرا لبنان، إما بتدخلها المباشر في أفغانستان والعراق، وإما بإعطائها الغطاء السياسي والدعم الحربي واللوجستي للإسرائيليين في استباحة الدماء العربية. ولن نتجاهل إرهاب الدولة الإسرائيلية الذي تنفذه عصابة من مجرمي الحرب في أرض لبنان الحبيب، إلا أننا نقول إن هؤلاء عصابة من المجرمين المتعطشين للدماء، كانوا، وما زالوا، يضعون خطط الحرب والدمار في أعوام السلم والرخاء، وينتظرون أخطاء العرب القاتلة من أجل الانقضاض عليهم وتنفيذ مخططاتهم التدميرية. وما يجري في لبنان ما هو إلا جزء من مخطط استراتيجي أنجز قبل عام، حددت فيه الأهداف والخطط العسكرية، ثم عُلقت حتى الحصول على العذر الشرعي الذي وجدته أخيرا في اختطاف الجندين الإسرائيليين. الحكومة الإسرائيلية وحزب المحافظين الجدد يعيدون رسم الحركة النازية البائدة بكل صورها البشعة، في تحد سافر للأعراف والمواثيق الدولية، يمارسون الإرهاب الدولي بحجة القضاء عليه، فيعاقبون الأبرياء ويتركون المتسببين في إشعال فتيل الحرب من أجل تنفيذ مخططاتهم المستقبلية. يمكن أن أستشهد على هذا بقصف الطائرات الإسرائيلية الشيخ أحمد ياسين، الأب الروحي لحركة حماس الفلسطينية وهو الشيخ المقعد الطاعن في السن؛ عندما شعرت إسرائيل بخطورة الشيخ المقعد على أمنها، كما تدعي، أرسلت له طائراتها الحربية تقصفه وهو خارج من صلاة الفجر، هكذا تتعامل إسرائيل مع كل من يهدد أمنها وإن كان شيخا مقعدا!!. رحم الله الشيخ ياسين فقد كان يمثل الصورة الحقيقية للجهاد الإسلامي الذي فرض على الإسرائيليين تصفيته الجسدية وترك رموز التحرر الآخرين!.
أعود إلى العربدة الإسرائيلية في المنطقة، ودعم الأمريكيين لها، وأقول إنها لا تحتاج إلى جهد من أجل إظهارها للعلن، فهي أكبر من أن تُخفى، وأعظم من أن تردع، وهذه حقيقة يجب أن يسلم بها الجميع، خصوصا أولئك الذين يتمنون ردع القوتين الإسرائيلية والأمريكية ووقف عربدتهما في المنطقة. الاعتراف بقوة الخصم هو مفتاح التغلب عليه مهما أوتي من قوة، أما الاستهانة بهِ فذاك طريق الهلاك. وهذه مشكلة الدول العربية، تحاول أن تنتصر بعدالة موقفها وشرعية مطالبها أمام دول مجرمة تتصرف بمعزل عن القوانين السماوية والأرضية، وتتفوق عليها وعلى العالم أجمع بالقوة والعتاد. عدالة القضية لا يمكن أن تحقق النصرة أمام المجرمين، بل أمر الله أولا، ثم القوة ، فإن عدمت القوة، فلا مناص إذا من استخدام الحكمة والمنطق من أجل الوصول إلى الغايات بعيدا عن حقول الألغام المدمرة.
القادة المحنكون هم الذين ينقذون شعوبهم من الدمار، لا الذين يسوقونهم إلى التهلكة، وهم الذين يجيدون قراءة الأحداث واستشراف المستقبل، وتقييم الخسائر المتوقعة والمكاسب المرجوة بميزان الذهب اعتمادا على موازين القوى البشرية. لقد ركن الرسول, صلى الله عليه وسلم، وهو أشرف الخلق قاطبة، ورسول رب العالمين، ركن إلى قياسات موازين القوى فأخفى رسالته حينا، ثم جهر بها، وقبل بالظلم حينا ثم اقتص لربه وللمسلمين، كان متوكلا على الله وعالما أن لا ناصر له إلا هو، إلا أنه لم يترك الأسباب ولم ينس موازين القوى البشرية، ولو شاء الله سبحانه وتعالى لنصره منذ يومه الأول "هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ". كيف ذاك؟ تحمل إيذاء قريش له، ولم يرد عليهم ، فقد كانوا أكثر منه نصرة ومنعة في موازين القوى البشرية، وهو أعز وأشرف وأقوى منهم بقوة الله وإرادته، ومع ذلك فقد شاء الله أن يتركه لموازين القوى البشرية، وأن يجري على يديه المعجزات الفكرية التي تخاطب العقل من أجل الإقناع والتفكر في آيات الله وقوته. ففي مكة وضعت على كتفيه الطاهرتين أحشاء الجزور، وحوصر وأصحابه وبني هاشم في شعب أبو طالب، وفرض عليهم أول حصار اقتصادي واجتماعي في الكون حتى كادوا يهلكون جوعا، وفي الطائف أمر المشركون صبيانهم وعبيدهم برميه بالحجارة، فرموه حتى سال الدم من قدميه الطاهرتين، وفي غزوة أُحُد شُقت شفته، وكُسرت رباعيته, صلى الله عليه وسلم, وهو يدافع عن جيشه وصحابته الكرام، وفي غزوة الخندق جاع حتى ربط الحجر على بطنه, صلى الله عليه وسلم. أحداث كثيرة تثبت أن الرسول الكريم, صلى الله عليه وسلم، أخذ بالأسباب، وتعرض إلى ما يتعرض له القادة والبشر، وهو رسول الله الكريم، وأعد نفسه وجيشه قبل أن يقدم على الجهاد ومحاربة الكفار. فما بال قادة الأمة لا يتأسون بسنة نبيهم الكريم، عليه أفضل الصلاة والتسليم، ويحقنون دماء الأمة بدلا من إهراقها في حروب لا طائل لهم بها، فلا يقدمون على حرب إلا وقد أعدوا العدة لها.
من أراد النصرة فليقدم الأسباب ثم يتوكل على الله، والله كفيل بنصرة المؤمنين " إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ " ولكن الله سبحانه وتعالى اشترط على المؤمنين نصرته، إذا ما أرادوا تحقيق النصر فقال " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ " فهل حققت الشعوب الإسلامية، والعربية بالذات، نصرة الله أولا قبل أن تبحث عن النصر؟
أخلص إلى القول إن ما تمارسه القوات الإسرائيلية من قتل وتدمير وسفك للدماء هو جزء من الإرهاب الدولي الذي أتقنت تنفيذه بمساعدة مباشرة من الحكومة الأمريكية التي كانت ولا تزال تقف في وجه أي قرار دولي يمكن له أن يدين العمليات العسكرية الإسرائيلية في الدول العربية؛ إلا أنني في الوقت نفسه أعتقد أن الدول العربية قاطبة لن تستطيع إنقاذ نفسها وشعوبها من العربدة الإسرائيلية إلا بالرجوع إلى الله وتحكيم كتابه وسنة نبيه، ثم بإرساء قواعد العمل الجماعي المشترك الذي يغلب العقل على العاطفة، ويخلق جبهة سياسية تفاوضية متينة يمكن لها أن تعوض الضعف العسكري الذي تعاني منه. نصرة الأمة لن تتحقق إلا بنصرة الله سبحانه وتعالى، تطبيق شرعه، واقتفاء سنة نبية، ثم بالتوكل عليه، والأخذ بالأسباب وإعداد العدة " وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ " وقد وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالنصرة والتمكين فقال: " وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ" . أختم بقول الله، العليم الخبير: " وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ " فالحمد لله على كل حال، ونسأله تعالى العزة والمنعة والنصرة للإسلام والمسلمين.