في سوق الأسهم.. مَن يقنع مَن ؟!
طرفان وثالث لهما في كل جلسة نقاش حول سوق الأسهم، الطرف الأول يقول بالاستثمار في الأسهم ذات العوائد ولفترات طويلة مع الاعتماد على التحليل الأساسي (أرباحها، أصولها، مؤشرات أداء السهم وخاصة المكررات والنمو في أداء الشركة). وهؤلاء يستدلون بالأرباح التي حققها المستثمرون في الأسهم القيادية لمدد طويلة فمن اكتتبوا في أسهم البنوك وسابك والتصنيع والمجموعة حققوا أرباحا خيالية في أوقات معقولة.
الطرف الثاني يقول إن السوق السعودية سوق غير استثمارية لا تنطبق عليها أي قاعدة من قواعد التحليل المالي فهي سوق مضاربية يقودها مجموعة من الهوامير والقروبات، ومن أراد أن يحقق أرباحا كبيرة في أوقات قصيرة، عليه الاستثمار في أسهم الخشاش" أسهم قليلة لشركات خاسرة يسيطر عليها أحد المضاربين بسهولة "، ويستدلون على ذلك بالارتفاعات التي حققتها تلك الأسهم منذ تصحيحات شباط (فبراير) إلى الآن "ارتفع سهم الأسماك من 25 إلى 410 أي بما يعادل 16 ضعفا في غضون خمسة أشهر".
وينادي الطرف الثالث بترك الاستثمار المباشر في الأسهم والاتجاه للصناديق الاستثمارية لراحة البال أولا ولتحقيق أرباح معقولة في فترات زمنية مناسبة ثانيا. ويستدلون على ذلك بالأرباح التي حققها المستثمرون في الصناديق منذ عام 2003 حيث استطاعوا مضاعفة رؤوس أموالهم دون تعب وسهر ولهث وراء التوصيات والشائعات، مؤكدين أن الصحة والوقت لا يمكن تقديرهما بثمن، وأن أغلب الذين قاموا بالاستثمار المباشر خسروا الكثير الكثير من أموالهم فضلا عن صحتهم وعلاقاتهم الاجتماعية ومكانتهم المهنية وهما الأهم حسب رأيهم.
إذاً نحن بين أراء لثلاثة أطراف فما هو الرأي الأمثل؟ ومن يقنع من؟ القصص التي نسمعها تقول إن طرفا رابعا غادر سوق الأسهم تماما يحمل رأيا أكثر إقناعا من آراء الأطراف الثلاثة، هذا الطرف يقول بضرورة مغادرة السوق تماما لأنهم فقدوا الثقة نهائيا بسوق الأسهم، ويتضح ذلك في استفتاء أجرته جريدة الرياض على موقعها الإلكتروني حيث أوضحت نتائجه الأولية أن 58.1 في المائة فقدوا الثقة نهائيا بالسوق و24.9 فقدوها نوعا ما، و17 في المائة لم يفقدوها نهائيا، وهذا شيء منطقي فلا يعقل أن يستثمر الجميع في سوق واحدة فالأسواق كثيرة ومتعددة والفرص متواجدة في القطاعات الاقتصادية كافة ويمكن اغتنامها إذا أحسنا التعامل مع معطياتها.
وإذا رجعنا إلى الآراء الثلاثة باعتبار أن أصحابها من الـذين مازالوا يتعاملون في سوق الأسهم فباعتقادي أن أصحاب الرأي الثاني (مضاربي الخشاش) مازالوا الأكثر تأثيرا على صغار المستثمرين، وبالرغم من ارتفاع درجة الوعي الاستثماري لدى الكثيرين منهم بسبب حملات التوعية أو بسبب ما اكتسبوه من معارف ومهارات نتيجة التجربة والخطأ، إلا أن معظمهم يتجه لأسهم الخشاش نتيجة ما يرونه من ثبات في أسعار الأسهم القيادية وتضاعف في أسهم الخشاش في مدد قصيرة. وهنا لابد أن أشير إلى أنه وبرغم مضاعفة أسعار أسهم الخشاش إلا أن معظم صغار المستثمرين يعاونون من خسائر من التعامل بها لأنهم يلعبون دور الضحية ويلعب كبار المضاربين دور الجلاد، ولكن ماذا نقول؟ فلغة العاطفة غطت على لغة العقل.
أصحاب الرأي الأول، وإن كانوا أقل تأثيرا، إلا أنهم على قناعة تامة بأن من يراهن على الأسهم المضاربية "هو شخص لم يقرأ تاريخ البورصات ولم يعرف الحقيقة القائلة إنه مهما ارتفع أي سهم عبر آلية العرض والطلب المصطنعين، فإنه سيأتي يوم يرجع لا محالة لأرقامه التي يستحق، وعندها سيكون القابض عليه كالقابض على الجمرة. أصحاب هذا الرأي شعارهم العبرة بالخواتيم، ودليلهم في ذلك ما حصل في شباط (فبراير) المنصرم حيث خسر صغار المضاربين كل ما فرحوا بجمعه فيما مضى، بل إن بعضهم خسر معظم رأسماله، أصحاب هذا الرأي ما زالوا بعيدين عن أسهم الخشاش مهما كانت الإغراءات وهم بسبب ذلك في مأمن من الخسائر وإن فاتتهم الأرباح كما يدعي أصحاب الرأي الثاني.
أصحاب الرأي الثالث والقائل بترك الاستثمار المباشر في الأسهم والاتجاه للصناديق الاستثمارية يعانون من ضعف أداء الصناديق بعد انهيارات شباط (فبراير) ولذا فإن رأيهم مازال لا يلقى التأييد المناسب، وإن كان هناك فئة من المستثمرين ترى ضرورة التنويع بين الاستثمار المباشر وغير المباشر. وعلى كل، فإن القائمين على الصناديق الاستثمارية هم من يستطيعون دعم أصحاب هذا الرأي بالنتائج التي سيحققونها والتواصل مع المستثمرين الذي عليهم القيام به لإثبات كفاءتهم وجدوى الاستثمار من خلال تلك الصناديق.
وفي رأيي أن الخيارات الثلاثة كلها صحيحة حال تطبيق شروطها الخاصة ومن لا يرى في نفسه أهلا لتطبيق شروط هكذا فالأفضل له ترك الاستثمار في الأسهم عالية المخاطرة والتوجه إلى استثمارات أخرى تناسبه. فلكل مستثمر ظروفه ولكل سوق شروطها.
ختاما، أود أن أوضح أن هيئة السوق المالية كمنظم تستطيع بالتعاون مع المؤسسات المالية المرخصة ومع بعض الجهات الرقابية في الدولة أن تدعم الرأي القائل بضرورة تعزيز الاستثمار النافع على حساب المضاربة الضارة إذا عززت الرقابة الفاعلة بتعزيز أجهزة الرصد والضبط والإحالة والمعاقبة. وكما قلت في مقالة سابقة الوعي لا يكفي لمعالجة مشاكل السوق إذا لم يتم تعزيزه بالحزم في تطبيق الأنظمة واللوائح، وكلنا ثقة بهيئة السوق المالية الموقرة في القيام بذلك.
كاتب اقتصادي
<p><a href="mailto:[email protected]">Abdalaziz3000@hotmail.com</a></p>