(عقلانية سلطان بن سلمان).. هل تخرج (السياحة) من البعد الوطني إلى الاقتصادي؟

<a href="mailto:[email protected]">Abdullahbinmahfouz@gmail.com</a>
إن المرحلة المقبلة، تحتاج منا النظر حولنا جدياً والاستفادة من التجارب السابقة والحالية، ولا نتحرج أو نتردد في إدخال تجارب جديدة لا تتعارض مع تعاليم ديننا وتقاليدنا، من شأنها تشجيع نسبة كبيرة من المواطنين للبقاء في بلادهم.

أصبح من المؤكد أن الرئيس صالح التركي وأعضاء مجلس إدارة غرفة جدة (بيت الأعمال) الاسم الجديد الذي أيده وزير التجارة والصناعة في اجتماع الأمس، وسوف أذكر محاور اللقاء في المقال المقبل، أنهم يحاولون تطبيق أسلوب جديد في اللقاءات والمناقشات مع كبار المسؤولين، الذين يتوافدون عليها، ربما سيترك آثاراً إيجابية في المستقبل على (لغة الحوار) بين المسؤول والمواطن!
هذا الأسلوب، يتمثل في وضع أجندة محددة لملفات ومشكلات اقتصادية واجتماعية، ومن ثم مناقشتها بأسلوب حضاري بعيداً عن اتهامات التقصير وخلافه، وأخيراً الخروج باتفاقيات مكتوبة على الأقل يمكن تفعليها وتحويلها إلى خطة وبرنامج عمل.
وليس بسبب كوني عضواً في مجلس الإدارة، أحاول (تزكية) الأسلوب الجديد أو الدعاية له، فأنا قبل ذلك، كاتب اقتصادي ورجل أعمال عاصر كثيراً من اللقاءات والاجتماعات الرسمية.
ولا مانع من القول، إن حديث (الأبواب المغلقة)، فيه كثير من (الشفافية) و(الصراحة)، وهناك تحسن في اللقاء الثاني حيث تم استبعاد اللغة السائدة وهي المجاملات وعبارات الشكر والثناء والتقدير.
في لقاء وزير العمل الدكتور غازي القصيبي، خرج أعضاء الغرفة بنتائج جيدة ومقبولة لأن التقصير منا، ونشكر معالي الوزير غازي القصيبي على الدعم الذي سيحصل عليه القطاع الخاص من الوزير شخصياً في كل المبادرات التي من شأنها دفع ملف توظيف آلاف الشبان والشابات السعوديين، الذين ينتظرون دخول سوق العمل. وأغلب الظن أن الجميع قرأ تصريحات الوزير القصيبي حول اللقاء الذي دار بينه وبين أعضاء غرفة تجارة وصناعة جدة.
على أن اللقاء الذي تشرفنا به نحن أعضاء غرفة جدة مع الأمير سلطان بن سلمان الأمين العام للهيئة العليا للسياحة كان (ضربة معلم)، على خلفية الملاحظات والانتقادات الموجهة لمهرجان (جدة غير)، وغياب دور (بيت الأعمال) عنه منذ نحو ثلاثة أعوام!
كنا كأعضاء في غرفة جدة وكمواطنين أيضاً، بحاجة إلى أن نسمع الرجل الذي يقود في اعتقادي واحداً من أهم الملفات الاقتصادية في بلد يصرف فيها أبناؤه، وبحسب إحصاءات رسمية، ما يزيد على 28 مليار ريال سنوياً خارج حدود البلاد.
الأمير سلطان بن سلمان، عرفناه باكراً (رجل الفضاء العربي الأول)، يخوض ملفا معقدا وشائكا في اعتقادي، لوضع لبنات أساسية لمستقبل السياحة في بلاده، طبق أسلوباً منهجياً وعملياً، فقضى الفترة الأولى في دراسات وأبحاث وأرقام واستراتيجيات وخطط طويلة وقصيرة الأجل، ثم دخل في نقاش وورش عمل مع أمراء المناطق الوزارات والمؤسسات ذات العلاقة الوثيقة بقطاع السياحة، وخرج باتفاقيات معها، وهو الآن يدخل المرحلة الأخيرة، التي أرى أنها تتمثل في تحديد المنتج السياحي لبلاده الذي سيسوقه إلى جمهور المتلقين، وهو بطبيعة الحال المواطن والزائر الأجنبي.
(أمير العقل والمنطق)، وليسمح لي بتسميته بذلك، فقد وجدت الأمير سلطان بن سلمان، يتحدث بتفاؤل كبير ولكن على أرض صلبة، يحلم ويتمنى ولكن على أرض الواقع، يناقش ويجادل ويرفض ويقبل بكل الآراء!
وبما أننا في غرفة تجارة وصناعة جدة، كانت هناك عدة أسئلة مطروحة سابقاً قبل اللقاء وخلاله، وفي مقدمها: هل يمكن تفعيل المنتج السياحي في جدة، والعمرة، ومركز المعارض وتحويلها إلى استثمارات ناجحة؟
الإجابة عن هذه الأسئلة لا تبدو سهلة لأن استشفاف المستقبل يبقى عملاً محدوداً، لكن بإلقاء مزيد من الضوء على التطلعات والتحركات الأخيرة، يمكننا من الإجابة عنها، بل والتأكيد على أننا وضعنا أيدينا عليها، مؤكدين عبارة (بيدي لا بيد عمرو).
في محافظة جدة خصوصاً، ينبغي علينا الاعتراف أولاً أن جهودنا ما زالت متأخرة على الرغم من أن (عروس البحر) تنفرد بموقع مميز في البحر الأحمر وبمقومات طبيعية ودينية ومالية. إضافة لتنوع اللهجات والعادات والتقاليد والفولكلور الشعبي, وتوفر المواقع الأثرية التي تعود إلى فترة ما قبل الإسلام.
ولكن نقف نقطة نظام، فرجال الأعمال العاملون في القطاع السياحي يرون ما سبق ذكره في تلك (المميزات)، بأنها عبارات إنشائية، فالقطاع الخاص حتى يندفع نحو القطاع السياحي، يطالب بالتحرك سريعاً لدعم البنية التحتية والعلوية، وسلسلة من الإجراءات للقضاء على البيروقراطية وازدواجية القرارات، وإنشاء بنك لتقديم القروض السياحية، وتبني إنشاء شركات التشغيل السياحي... إلخ من المتطلبات.
والرد على ذلك بدأ في شكل عملي في محافظة جدة، فنحن مقبلون على تغيرات كبرى في مطار الملك عبد العزيز وفي ميناء جدة الإسلامي، ومشاريع توسعة شبكات الطرق والجسور والاتصالات، ويمكن القول أيضاً، إن الإجراءات باتت شبه معقولة بين كل الوزارات والهيئات ذات العلاقة بدءا من وزارة التجارة والصناعة، وأمانة جدة، والهيئة العليا للسياحة، وهيئة الاستثمار.

في حديثه (العقلاني) و (المنطقي) كشف الأمير سلطان بن سلمان، أن جهود الهيئة العليا للسياحة بدأت منذ وقت باكر بهدف تنظيم برامج وفعاليات، إذ أطلقت حملات وبرامج سياحية تنشيطية ترويجية للسياحة الداخلية تحت شعار"تقرب إلى عائلتك.. تعرف على المملكة"، عبر وسائل الإعلام المحلية المقروءة والمسموعة والمرئية، وعبر المواقع الإلكترونية، وبإيجاد الفعاليات والبرامج المنوعة في جميع المناطق والمحافظات والاستفادة من مميزاتها وذلك في محاولة لاستقطاب 80 في المائة من السياح السعوديين.
ولم يتحرج الأمير سلطان بن سلمان، بأن يسرد للأعضاء المميزات التي تنفرد بها محافظة جدة عن غيرها من المحافظات والمناطق الأخرى، وكأنه يرمي الكرة في ملعب رجال الأعمال!
وبدورنا خرجنا نحن أعضاء غرفة تجارة وصناعة جدة، ونحن متفقون على أن "بيت الأعمال " ينبغي عليه التحرك سريعاً، فالدور المطلوب منه سيكون على (المحك) خلال الفترة المقبلة من دورته. ولا أكون مبالغاً في القول إن المسؤولية كبيرة، فالوقت قصير، والتحديات عدة!
أولاً: مطلوب أن تتحرك (غرفة جدة) للاستفادة من المقومات الأساسية لصناعة سياحة ليس في جدة فقط بل في مكة المكرمة، على خلفية أنها بوابة الحرمين الشريفين، فموسم العمرة، ينبغي أن تستفيد منه جميع القطاعات!
ثانياً: مطلوب أن يعود الدور القيادي لـ (غرفة جدة) سريعاً في تفعيل دور مهرجان (جدة غير) في دعم السياحة الترفيهية والتسويقية.
ثانياً: مطلوب من (غرفة جدة) أن تشكل فريق عمل بينها وبين (الأمانة) والهيئة العامة، لاستثمار المواقع الأثرية والقلاع التاريخية المنتشرة في منطقة مكة المكرمة التي يعود بعضها إلى فترة ما قبل الإسلام، في صناعة الترويج السياحي ووضع برامج لها وتأهيل تلك المواقع بالخدمات المهمة التي تشجع السائح على التردد إليها. فهذه المواقع ما زالت خارج نطاق الاهتمام وأغلبها مهمل ويحتاج إلى إعادة تأهيل للاستفادة منها في السياحة، وهذه المواقع كثيرة خاصة في وسط البلد وهي بحاجة إلى الترويج الإعلامي.
ويجب الإشارة هنا، إلى أن الانتقاد الموجه إلى السياحة الداخلية عموماً وفي محافظة جدة خصوصاً، أنها لا تزال مرتفعة التكلفة مقارنة بدول مجاورة على خلفية مستويات أسعار الإقامة، والتنقل، والترفية. ويذهب البعض للتأكيد مثلاً أنه في جدة تعتبر لطبقة الأغنياء والميسورين.
وعلاوة على ذلك، فإن من أبرز الملاحظات غياب السياحة الاختصاصية الموجهة لشريحة (العائلات) و(الشباب)، وهذه الأخيرة ربما تكون معقدة إلى حد كبير، خصوصاً إذا علمنا أن الإحصاء السكاني يشير إلى أن 80 في المائة من السعوديين يقعون في الفئة العمرية بين ستة أعوام إلى 25 عاماً!
يجب أن نعترف أن السياحة الداخلية، وبحسب ملاحظات المواطنين أنفسهم مرتفعة (الكلفة)، حتى يمكننا إيجاد علاج لها، والحل كما هو معروف عالمياً بـ (المشغل السياحي) و(المسوق السياحي)، وهي شركات متخصصة في تقديم البرامج بأسعار منافسة، تحفظ من ناحية عنصري الإشغال والربحية للمنشآت السياحية، منعاً للمنافسة العشوائية.
وما يحدث على أرض الواقع، أن المواطن أو الزائر يحصل على أسعار مختلفة تعبر عن فوضى في السوق، فهو من جهة يمكنه الحصول على سعر غرفة في فندق من شركة وسعر آخر من الفندق وسعر آخر من صديق...إلخ!

وفي الجانب الآخر، ونتيجة ممارسات خاطئة من القلة على خلفية أنهم يقومون بأفعال منافية للشرع الإسلامي، أصحبنا أكثر تردداً من دعم برامج السياحة الخاصة بالعائلات والشبان، فأغلقت المراكز التجارية أمام الفئة الأخيرة خصوصاً، وأصبحت المطاعم شبه غرف منزلية، وأصبحت معظم البرامج مملة وغير مشوقة، (طاردة) وليست (جاذبة).
ختاما، تجاوزنا بنجاح المرحلة السابقة التي كرست السياحة الداخلية بأنها مطلباً (وطنياً)، فقد أصبحنا نتعامل بأنها مطلب (اقتصادي)!
إن المرحلة المقبلة، تحتاج منا النظر حولنا جدياً والاستفادة من التجارب السابقة والحالية، ولا نتحرج أو نتردد في إدخال تجارب جديدة لا تتعارض مع تعاليم ديننا وتقاليدنا، من شأنها تشجيع نسبة كبيرة من المواطنين للبقاء في بلادهم.
إن قاعدة العمل الجماعي تظل مطلوبة، فليست السياحة، كما قالها الأمير سلطان بن سلمان مسؤولية الهيئة العليا للسياحة فقط، بل مسؤولية مجتمع بأكمله!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي