استخدام وسائل الإعلام (9)

<a href="mailto:[email protected]">Ffaheem2006@yahoo.com</a>
اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأمريكية

يحرص اللوبي الإسرائيلي على التأثير المباشر في الإدارة الأمريكية وبصفة خاصة صناع القرار فيها ولكنه يهتم أيضا بتكوين وتشكيل المفاهيم الخاصة بالجمهور والشعب الأمريكي حول إسرائيل ومنطقة الشرق الأوسط. وهنا لا يميل اللوبي إلى فتح مناقشات حرة يتم فيها تداول الرأي والرأي المضاد وإنما يلجأون إلى التأثير في العقول المؤثرة والكتاب المرموقين والمهنيين في وسائل الاتصال والأكاديميين، لأن هؤلاء يتمتعون بقوة هائلة في مجال التأثير في الشعب الأمريكي وصناع القرار على السواء. وينفر اللوبي من المناقشات العامة لأنها قد تتسبب في إحياء تساؤلات لدى الأمريكيين حول سبب تأييدهم المطلق لإسرائيل والعمل على معرفة أسرار حجم الدعم الممنوح لدولة أجنبية والتعرف على تكلفته المادية والأخلاقية وعائده بالنسبة إلى المواطن الأمريكي.
ولا يجد المتابع أي صعوبة في التعرف على مواقف ومرئيات اللوبي الإسرائيلي لأنه حاضر بقوة في وسائل الإعلام المتداولة، ويرجع ذلك ببساطة إلى أن معظم المعلقين الأمريكيين موالون لإسرائيل. وعندما تثور مسألة الشرق الأوسط لا يستطيع المتحدثون تصور فكرة انتقاد إسرائيل. ويذكر الصحافي إيريك الترمان اسم 61 معلقا وكاتبا للعمود من المنحازين تماما لإسرائيل دون أي تحفظ. ولم يجد الترمان في الساحة الأمريكية الإعلامية أكثر من خمسة صحافيين ينتقدون تصرفات إسرائيل أو يتبنون وجهات نظر عربية. وقد تنشر بعض الصحف موضوعات تتحدى السياسات الإسرائيلية، ولكن ميزان التميز والسيطرة يقع في جانب إسرائيل دون أدنى شك.
ويتجسد الانحياز الكامل لإسرائيل في المقالات الافتتاحية للصحف الكبرى. وقد لاحظ روبرت بارتلي رئيس تحرير "الوول ستريت جورنال" ذات مرة "إن ما يريده شامير أو شارون أو بيبي (يقصد بينامين نتنياهو) يجد صداه الإيجابي في نفسي على طول الخط". لذلك لم يكن مستغربا أن نقرأ دائما في هذه الصحيفة مقالات افتتاحية في غاية السخونة تؤيد أي موقف تختاره إسرائيل, وكذلك الحال بالنسبة إلى "الواشنطن تايمز" و"شيكاغو صن تايمز". كما أن هناك مجلات متخصصة في الدفاع عن إسرائيل في كل موقف مثل "كومنتاري", "نيوريببلك" New Republic, و"ويكلي ستاندارد".
ونلاحظ الانحياز الصحفي في كامل صورته في "نيويورك تايمز". وقد تنتقد هذه الصحيفة إسرائيل أحيانا، بل قد تتحدث عن بعض مآسي الفلسطينيين وحقوقهم المشروعة، ولكنها لا تعرف للحياد أو التوازن أو العدالة سبيلا. واعترف أحد كبار المسؤولين في الصحيفة وهو ماكس فرانكل في مذكراته بتأثير ميوله وانحيازه لإسرائيل في اختياراته موضوعاته ومعالجته لها, وقال بالحرف الواحد" لقد كنت مخلصا ومواليا لإسرائيل بصورة لم أجرؤ أبدا على التعبير عنها بالكلام" واستمر يقول في المذكرات نفسها "إن معرفتي بإسرائيل وصداقاتي هناك كانتا تزوداني بصلادة وقوة بحيث أستطيع أن أزعم أنني كتبت معظم تعليقاتنا الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط. وكما لاحظ القراء من الموالين للعرب قبل المنحازين لليهود، فقد كنت أكتب دائما من وجهة نظر إسرائيلية".
ويمكن القول إن تغطية وسائل الإعلام الأمريكية الأخبار الخاصة بإسرائيل وجيرانها وسير الأحداث في المنطقة أقل مبالغة في الانحياز من التعليقات وذلك لأن الإخباريين يحرصون على أن يوصف عملهم بالموضوعية، فضلا عن أنه من المحال أن تغطي أحداث الشرق الأوسط دون وصف ممارسات إسرائيل الفعلية وإمعانا في تعظيم الكتابة المؤيدة لإسرائيل ولتحطيم أي نزعة للتوازن أو الموضوعية ينظم اللوبي حملات كتابة خطابات، ومظاهرات ومقاطعة لأي وسيلة إعلامية تجرؤ على انتقاد إسرائيل. وقد صرح أحد الإعلاميين في الـ "سي. إن. إن" بأنه يتلقى أحيانا ستة آلاف رسالة بالبريد الإلكتروني في يوم واحد تشكو- وبأسلوب ولهجة واحدة- من أن موضوعا أذيع كان ضد إسرائيل. كما أن اللجنة الخاصة بالكتابة الدقيقة حول الشرق الأوسط في أمريكا, وهي لجنة منحازة لإسرائيل تماما وتعرف باسم "كاميرا" نظمت مظاهرات حول محطات الراديو القومية في 33 مدينة في أيار (مايو) 2003، وحاولت إقناع المتبرعين والمساهمين في تمويل هذه المحطات بالتوقف عن دعمها حتي تصبح تغطيتها أكثر تعاطفا مع إسرائيل. وخسرت محطة بوسطن إن. بي. آر مليون دولار نتيجة هذه الحملة. كما أن الضغط على هذه المحطة جاء أيضا من أصدقاء إسرائيل في الكونجرس، الذين طالبوا بالتعمق في تغطية الشرق الأوسط (التعمق هنا هو اللهث وراء وجهة النظر الإسرائيلية).
هذه العوامل وغيرها توضح السبب وراء خلو وسائل الإعلام الأمريكية من نقد إسرائيل أو التساؤل حول هذه العلاقة الوطيدة مع إسرائيل، وإن كانت هناك بين فينة وأخرى تساؤلات حول مدى نفوذ اللوبي.. وإلى أين يجر المصالح الأمريكية؟.
من ناحية أخرى, يهيمن أصدقاء إسرائيل على المفكرين في الولايات المتحدة،وهؤلاء يلعبون دورا في غاية الأهمية في تشكيل الرأي العام بل العقل الأمريكي، لأنهم النخبة والقدوة ويتمتعون بمصداقية عالية. ونتيجة تأثيرهم القوي فإنهم أصحاب دور كبير في تحديد مسارات السياسة الفعلية. وقام اللوبي الإسرائيلي بتكوين معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى على يد مارتن إنديك.
ورغم أن هذا المعهد يحرص على إخفاء علاقاته بإسرائيل ويزعم أنه يقدم رؤية "متوازنة وواقعية" حول قضايا الشرق الأوسط وهو ما لم يحدث أبدا، ذلك أن معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى WINEP يحصل على تمويله من أفراد وهيئات ملتزمة بشدة بدفع قضية إسرائيل ومصالحها قدما، كما لا يسمح بإدارته والعمل فيه إلا لأفراد لا يقلون ولاء والتزاما بما تريده إسرائيل.
ويمتد تأُثير اللوبي إلى ما هو أبعد من المعهد المذكور. فعلى امتداد 25 عاما، نجحت القوى المؤيدة لإسرائيل في فرض وجودها في المعهد الأمريكي للمشروعات ومعهد بروكنجز ومركز السياسة الأمنية ومعهد أبحاث السياسة الخارجية ومؤسسة هيرتياج "التراث" ومعهد هدسون ومعهد تحليل السياسة الخارجية والمعهد اليهودي لشئون الأمن القومي JINSA، هذه المؤسسات الفكرية مؤيدة بالكامل لإسرائيل، وقد يظهر بين وقت وآخر صوت ينتقد مبالغة أمريكا في التورط وراء مصالح إسرائيل.
وثمة دليل على هيمنة اللوبي على هذا القطاع الفكري المهم (قطاع معاهد ومراكز الأبحاث) هو ما حدث في تطور ونشأة مؤسسة بروكنجز. فعلى امتداد سنوات طويلة كان أهم خبير لها حول شؤون الشرق الأوسط هو ويليام كوانت، وهو أكاديمي متميز ويتمتع بسمعة رائعة في العدالة والتوازن والموضوعية خاصة فيما يتعلق بالصراع العربي ـ الإسرائيلي، أما اليوم فإن أعمال معهد بروكنجز يديرها مركز سابان لدراسات الشرق الأوسط التي تحصل على تمويلها من حاييم سابان, وهو رجل أعمال أمريكي إسرائيلي ثري وصهيوني متعصب إلى أقصى درجة. أما مدير مركز سابان فهو الصهيوني الموجود في كل مكان مارتن إنديك. وهكذا تحول معهد كان يتمتع بالموضوعية والسمعة الطيبة والمصداقية حول قضايا الشرق الأوسط، إلى عضو في فريق الغناء الجماعي الذي ينشد أغاني إسرائيلية ولا يضيع اللوبي جهوده في صنع النجم سدى فيختار نجما تسهم كل وسائل الإعلام الأخرى في صنعه فيما يسمى التكتيك المتكامل. فاللوبي يختار نجما "سينما – تليفزيون – صحافة.. إلخ) ويبالغ في صقله وتلميعه لرفع درجة نجوميته ومصداقيته ثم يوضع على لسانه ما يشاء اللوبي في شكل تصريحات عفوية أو تلقائية. كما يحرص اللوبي على بث رسالة واحدة عبر وسائل مختلفة ( مجلة- صحيفة- إذاعة- مقال- فيلم- محاضرة عامة) فيتوهم المواطن عندما يحصل على الأكذوبة نفسها من مكانين أو ثلاثة أنها عين الحقيقة.
ويسهم اللوبي بشدة فيما يعرف الآن بالرقابة أو الحماية الإلكترونية حيث يجري إغراق الأمريكيين في بحر من وسائل الإعلام "فضائي- محوري- كابلي – محلي-" وبكميات هائلة، حيت لا يتوجه إلى محطات أخرى تقول الحقائق المرفوضة، خاصة في عصر السماوات المفتوحة وانكسار الاحتكار الإعلامي وارتفاع سقف المعرفة وتنوعه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي