الأراضي الفضاء .. والحفاظ عليها

<p><a href="mailto:[email protected]">yafarraj@hotmail.com</a></p>

تعد الأراضي الفضاء أو "الموات" كما يعبر الفقهاء من أملاك الدولة, كونها منفكة عن الاختصاص وملك الغير, وهو الضابط الذي جعله الفقهاء لما يجوز إحياؤه من الأراضي, ففي المملكة إذا لم تكن الأرض محياة قبل صدور الأنظمة بمنع الإحياء عام 1387هـ فإن الأرض تكون ملكا للدولة, ويمنع وضع اليد عليها أو تملكها, والمحاكم ممنوعة من إعطاء وثائق التملك على هذه الأراضي, وهناك تفاصيل لهذا الموضوع في الفقه والقضاء لا يمكن استعراضها هنا لكن ما أشرت أليه هو الحكم العام لها.
التكييف أعلاه وهو أن  الأراضي بعد هذا التاريخ تعد مملوكة للدولة أو على الأقل تختص بها، هو تكييف دقيق من تقريرات رئيس القضاة في وقته الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله في الفتاوى, وهو بهذا يمنع الإحياء بعد هذا التاريخ, ويخرج عن دائرة خلاف الفقهاء في مدى اعتبار إذن ولي الأمر شرطا لصحة الإحياء, حيث يرى الجمهور أنه ليس بشرط, ويرى القلة من الفقهاء انه شرط , وهناك فرق بين الصورتين يظهر للمتأمل.
وللموضوعية فإن للشيخ أكثر من رأي في المسألة بل قد صرح في الفتاوى بأن إذن ولي الأمر ليس شرطا للإحياء، أخذا بقول جمهور الفقهاء, ولعل من أسباب هذا التعدد في الآراء هو اختلاف القضايا المعروضة عليه, فمن المعلوم أن الفتاوى تشتمل على كتب وتقريرات في الدرس من تعليقات تلميذه الجامع للفتاوى, وجزء منها عبارة عن خطابات صادرة منه إبان عمله في رئاسة القضاة جوابا على استشكالات يرفعها له القضاة, ولا بد من مراعاة هذا  التنوع في ما يضمه هذا المجموع للدارس و القارئ لفتاواه فليس الحكم أو الرأي الصادر في البحث العلمي كالرأي الصادر في قضية معينة لها ظروفها ومعطياتها, وعودا على رأي الشيخ في المسألة فإن الرأي الذي صدرت به المقال هو من أواخر ما صدر عنه بالنظر للتواريخ, كما أنه لا يتعارض مع عدم اشتراط إذن ولي الأمر في الإحياء كما أشرت إليه سابقا.
وفي الجانب النظامي فقد ورد تنظيم ما يتعلق بحجج الاستحكام - وهي التسمية النظامية للوثائق التي تصدر عن المحاكم استنادا للتملك بالإحياء – في نظام المرافعات الشرعية, وفيما يتعلق بالأراضي الفضاء فقد نصت المادة الخامسة والخمسون بعد المائتين على أنه يجب على المحكمة علاوة على الإجراءات المنصوص عليها نظاما إذا طلب منها عمل استحكام للأرض الفضاء أن تكتب بذلك للمقام السامي.
 وبرأيي أن هذا التنظيم هو الأفضل, وهو المتوافق مع المبادئ العامة للعدالة الحافظة للحقوق, والمراعية لتكافؤ الفرص, فلو ترك الأمر للناس أن يقوموا بالإحياء كيف شاءوا لصار الضرر على الضعيف  وغير القادر, لا سيما مع تطور الأوضاع وظهور  التنظيمات البلدية التي لا تسمح بالعشوائية, وتتطلب تنظيما دقيقا للأراضي, مع مراعاة الحاجة لشق الطرق وتوزيع أراضي الخدمات العامة في المناطق المناسبة لها، وغير ذلك من المصالح التي لا تخفى.
ولن تتحقق هذه المصالح, وتتبين أفضلية هذا الرأي المانع للإحياء بعد التاريخ المعين إلا باكتمال الجانب الآخر المكمل للعدالة المنشودة من توزيع الأراضي على المواطنين بمساحات عادلة, ومنع الاستيلاء على هذه الأراضي بأي طريقة من الطرق من أي شخص كان, ومعاقبة من يثبت عليه ذلك, ومصادرة الأراضي المغصوبة وإعادة توزيعها على المواطنين, وإعادة النظر في آلية المنح " الإقطاع " ومساحاته, وأشخاص من يمنحون, فهو كفيل بتوفير الكثير من الأراضي التي نحتاج إليها في مستقبل الأيام لتغطية الاحتياج المتزايد عليها، وهذا ما يتوافق مع الأوامر الصادرة من المقام السامي أخيرا بالتشديد بهذا الخصوص, وتحميل المسؤولية لمن يخالف الأنظمة, والله الموفق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي