رسالة الشباب إلى الحكومة والمجتمع (3 من 3)
<a href="mailto:[email protected]">Abdullahbinmahfouz@gmail.com</a>
تأخرت في تسليم الجزء الأخير من مقالي المقرر الأسبوع الماضي ولعله الأخير, وذلك بسبب الحذر الشديد في اختيار خاتمة حوار ليكون نابعا من القلب, حيث أود أن يتفاعل معي القارئ من خلال رسائلي الصريحة والضمنية في الحلقتين الأولى والثانية.
وأعترف أن التأخير كان مفيداً إلى حد كبير, حيث شاركت في لقاء مع وزير العمل معالي الدكتور غازي بن عبد الرحمن القصيبي في اجتماعه مع مجلس إدارة غرفة جدة يوم الإثنين السابق، وكذلك اجتمعت في منزل (العم الكريم) وهيب بن زقر مع الزميل الأستاذ عبد الوهاب الفايز رئيس تحرير صحيفة "الاقتصادية". في اللقاءين دار نقاش وحوار حضاري حول المجتمع المدني ومطالب شباب الوطن، خصوصاً بعد تردد العبارة الرنانة التي أطلقها الإعلام الغربي (الشباب يصنع حريته), حيث إن البعض منا قد استهواه هذا الشعار، والبعض الآخر اختلف معه في أسلوب الطرح. لذلك أشير في لقاء وزير العمل الذي تمكن معاليه من وضع إجابة منطقية عن كل سؤال طرح عليه من الأعضاء, بل كان أدق في معلوماته من أعضاء المجلس. وللأسف أضعنا معظم الحديث في الثناء على معاليه، بينما هو يبحث عن الحل العملي الذي لم يوضع بالصورة المطلوبة، لذلك نطالب مركز الدراسات في الغرف التجارية بوضع استراتيجية شراكة مع وزارة العمل, وهو أفضل من الشكوى أو من جعجعة القطاع الخاص في الإعلام, خلاصة القول يا معالي الوزير أنت تحمل في ثناياك عقلا معلما وقلبا شاعرا وتستطيع مساعدتنا بوضع معادلة للشراكة مع القطاع الخاص.
أعود إلى حديثي مع رئيس تحرير "الاقتصادية" الذي بدأ بالسؤال مني: هل هناك مساحة حرية للشباب في الإعلام؟ وهل تدعم الصحافة نشر ثقافة القانون والنظام؟ وبحضوره وهدوئه المعروفين عنه، تحدث الفايز ودعم رأيه بوقائع وليس نظريات حول دور الصحافة في هذا الجانب، وليست مبالغة منه أن يفتخر وتفخر صحيفته بأنها أول من أعطى شباب رجال الأعمال فرصة الظهور على الساحة الإعلامية وأنا أحدهم، مما أسهم في بلورة أفكارهم إلى مقالات صحافية حتى يتعرف المجتمع الاقتصادي عليهم أولاً ومن ثم تكون آراؤهم تلك دليلا على البيئة "الصحية" التي يعملون فيها.
شكراً لك يا صحيفة "الاقتصادية" ولرئيس تحريرها الأستاذ عبد الوهاب الفايز على هذا الثقة والعمل النبيل، ولن ينسى لك قطاع كبير من الشباب دعمك الإعلامي، وكذلك الشكر إلى الجندي المجهول المستشار القانوني أحمد العمري على إسهاماته الرائعة في نشر ثقافة النظام في جريدة "الاقتصادية".
أعود إلى صلب الموضوع, فأشير إلى أن مطالبة الشباب بقبول تكوين هيئات وجمعيات مستقلة للدفاع عنهم مطلوب, مثل: هيئة الصحفيين والمهندسين والأطباء، ويجب أن تلقى تجاوباً سريعاً من الحكومة وبدعم خاص من القيادة.
هذا الدعم لا نريده (نظرياً) أو مجرد (رأي عام) أو (ضجيج إعلامي)، بل عملي ونظامي يطبق على أرض الواقع، فها هو مجلس الغرف السعودية ينجح في تكوين لجنة وطنية لشباب الأعمال، فيما كانت غرفة تجارة وصناعة جدة سبقت ذلك بكثير، حينما استعان الأمين السابق الدكتور ماجد القصبي في الأمانة العامة وفي مهرجان "جدة غير" وفي تكوين اللجان الفرعية للشباب، كما دعم (القصبي) فكرة عضو مجلس الإدارة السابق، وأمين عام الهيئة العامة للاستثمار الحالي معالي الأستاذ عمرو دباغ بإنشاء مركز جدة للتسويق ومنتدى جدة الاقتصادي, الذي أسهم في صقل المواهب الوطنية الشابة، واستمر الإنجاز مع الصديق عمر عناني، وها هي الفرصة تعطى الآن لأحد أفراد جيل الشباب الزميل سامي بحراوي ليقود دفة سفينة المنتدى إلى شاطئ الإنجازات، وننتظر منه تجديد الثقة بشباب الغرفة التجارية، وطلاب الجامعة في تنظيم وإدارة هذا الحدث، تحت إشراف هيئة عالمية متخصصة لنقل التطور والخبرة إليهم.
بعد ما ذكر سابقا نقف هنا نقطة نظام, فنحن نريد المزيد والمزيد، فلا يكفي أبداً أن تتولى مؤسسات محدودة عبئاً اجتماعيا ثقيلاً، فمؤسسة عبد اللطيف جميل لخدمة المجتمع تثق بإدارة الشاب إبرهيم باداود, التي أصبحت علامة مضيئة في دعم الشباب، وما نريده هو نقل (العدوى الصحية) إلى المؤسسات الاقتصادية الضخمة كافة، خصوصاً قائمة أكبر مائة شركة سعودية، نريد منها مؤسسات غير ربحية للعمل الاجتماعي.
كذلك نبين جهود شباب الأعمال في العمل الاجتماعي التي أصبحت بصمة مشرقة .. لدينا سيدات ورجال أعمال نشطون جدا في مجالات مختلفة, يعملون بكفاءة عالية, بل إن هيئة السياحة العربية التي يشرف عليها أحد السعوديين تعمل بكفاءة عشر وزارات عربية. هؤلاء هم السعوديون الذين نجحوا بثقتهم بأنفسهم وأسهموا في دفع الكوادر الوطنية إلى المراكز العليا بعد تطويرهم وتأهيلهم. الشباب السعودي على استعداد لجميع المناصب الفنية والعلمية من بدايتها إلى أعلى السلم الوظيفي. هذا هو فكرنا وغايتنا وهو يتسق مع الطبيعة الإيجابية للمواطن (القيم والسوي).
بعد هذا كله، هل أصبحت رسالة الشباب واضحة؟ إنها ببساطة تعني أنه يرغب في التعاون مع المجتمع للتطوير نفسه، فهو إنسان يتجدد ويحاول خلق صور ونماذج عملية، إنه ليس سلبياً حتى ينتهي به إلى القلق والتخلي واليأس من الأمر الواقع والمستقبل .. إلخ!
الشباب يؤكدون أن مسألة التطور والتأهيل في نظرهم أهم من مطالب الحرية الغربية، هم يريدون المشاركة في وضع الأنظمة والقرارات الاقتصادية والاجتماعية (بمعزل عن نظرية القبول بأمر الواقع).
رسالة الشباب، يمكن القول عنها إنها (آهات فكرية لن تخرج في واقعها عن المبادئ التي وضعها المجتمع)، لكنه في الوقت نفسه لم يغلق علقه عن المسلمات، بل كان يحرص دوماً على أهدافه يحددها الواقع والمستقبل. إن وقوعنا تحت سيطرة المقولة (أنا أفكر إذن أنا موجود) طال كثيراً، ولم نستطع الخروج من أسرها إلا بحقائق مقبولة.
إن التطور لا يمكن فصله عن إيمان المجتمع به بآليات التنفيذ، وإن تقبل رجال الدولة بالمشاركة معهم من خلال الهيئات واللجان الشبابية, سيسهم في أن نكون في البؤرة التي تنبض منها التجربة والعقل والإيمان، فيتكوّن الوعي الحقيقي بالكشف عن التحديات كلها، الذي نشاركه في تطبيقه، والذي يساعدنا علي الالتزام به.
أرجو أن يتقبل المجتمع المنهجية في الطرح والاقتناع بأن كل شاب يطور نفسه من الخطأ إلى الصواب، وهي الظاهرة الطبيعية للإنسان. هذه رسالة الشباب وأنا أحدهم إلى المجتمع، فهل هي (مقبولة المطالب)؟ فإذا كان عدم قبولها لمخالفتها قواعد المورثات الاجتماعية، فالباب قد أقفل تماماً، أما إذا كانت الإجابة (القبول) فيمكن إكمال المقال.
لقد وصلنا إلى مرحلة التجرد أو شفافية الطرح، على رغم أن التطور صفة مخلوقة، من العلم وتجربة الآخرين وهي صفة لكم وليس عليكم، نحن نعيش في زمن الإبداع الذي لا يعرف من التجارب إلا النجاح. أبناؤكم لن يقفوا عند حدود الزمن بل نحن من يغير الزمن. رسالتي تؤكد أن هذا الوطن كله إبداع ومعجزات بكل ما تعني كل حرف من كلمة (سعودي)، فقد شهدت بلادنا تطورات مشهود لها، منذ أن عزم الإمام الملك عبد العزيز آل سعود فتح الرياض وتوحيد الجزيرة العربية وانطلاق دولة المملكة العربية السعودية، مروراً بعدها بتطور العمل الحكومي في عهد الملك سعود، ثم تبعته ثورة التعليم في عهد الملك فيصل وانتقل بعدها التطور الاقتصادي في عهد الملك خالد وثم التطور في المعرفة والتكنولوجيا في الصناعة والطب في عهد الملك فهد.
ختاما نحن في عهد الملك عبد الله، وهي واحدة من أهم المراحل التاريخية السعودية حيث تتكامل منظومة المؤسس مع العصر الحديث وتطور المجتمع المدني والاستثمار في المواطن السعودي، وشباب الوطن ينتظرون حصاد قرارات خادم الحرمين الشريفين.