مفهوم الرؤية المستقبلية للوطن: دولة الإنسانية أم دولة تقنية الطاقة النفطية؟

<a href="mailto:[email protected]">Alfaizdr2@yahoo.com</a>

موضوع وضع الرؤية المستقبلية للوطن هو موضوع السهل الممتنع. فالإنسان البسيط الإدراك يعتقد أنه من الأفضل أن نقترح ما نحلم أن نكون ثم نحاول أن نصل إليه، فقد نصل أو لا نصل وتصبح سرابا. بينما التجارب العالمية والواقعية تحتم أن نعرف مَن نحن وماذا لدينا من مقومات وإمكانيات يمكن صقلها لمعرفة ما هي صالحة له ومن ثم نتوجه إلى ذلك! مع محاولة إعادة الحسابات والخطط دورياَ وتعديل الوضع لتتمشى الرؤية مع المتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية دولياَ ومحلياَ. وفي كلتا الحالتين فإن الفرق بين الرؤية والحلم أن الرؤية يمكن تحقيقها ولكن الحلم يبقى حلما. وهما اتجاهان مختلفان عن الأسماء العامة مثل دولة الإنسانية أو الشهامة أو العز، والتي هي قيم مسلم بها ومفروضة علينا، وهي جزء من ديننا وعقيدتنا . فدولة الإنسانية أو الشهامة أو الكرم ليست ملكاً لنا وإنما الجميع يرى أن دولته دولة الإنسانية. لذلك وجب التميز.
وآخر الحروب بين الدول حول الأسماء للرؤية المستقبلية جاءت في الآونة الأخيرة تجربة الدول الآسيوية. حيث بدأت سنغافورة باسم "الفريدة". Uniqely Singapore. لجذب الاستثمارات الأجنبية، مثل شركات تكنولوجيا الحاسوب وشبه الموصلات، شركة آي بي إم، و"دل" و"إنتل". ثم برزت المنافسة من ماليزيا باسم "آسيا الحقيقة"Truly Asia. بينما رأت تايلاند أنها مختلفة، وأن مقوماتها للتنافس الصناعي صعبة ولكن لديها السياحة، فحاولت أن تكمل الحلقة لتسمى نفسها "السعادة على الأرض" Happyiness on Earth، حيث أصبح سكان سنغافورة وماليزيا يهربون إليها في الأعياد والإجازات. (وهو شبه ما تقوم به حكومة دبي في الشرق الأوسط، وإن كانت تحلم أن تكون سنغافورة الشرق الأوسط!). والشاهد أن بعض هذه الأسماء ساعدت على تحقيق بعض النجاح حتى انتهت بانهيار النمور الآسيوية والتدهور الذي أصابها. والذي كان جزءاً منه تضافر جهود الدول الأخرى لاستغلالهم وإيقاعهم في شباكها التمويلية في غياب وعي تلك الدول إلى ضرورة إعادة النظر دورياً لمسارها ورؤيتها.
وما يستفاد من تلك التجارب هو أن صياغة الرؤية المستقبلية لدينا غير واضحة أو مرتبطه بالتنمية الإقليمية والاستراتيجية والتنمية المتزنة والمستدامة. وأن نجاحها لن يتم إلا بتوعية المواطن وبعض المسؤولين حضارياً لوضع رؤية مستقبلية مبنية على أسس وخطط وبدائل استراتيجية للنمو المستقبلي لكل حقبة زمنية قادمة، يكون لكل منها اسم نصبو إليه يعكس الأهداف المرجوة لتلك الحقبة.
ولننظر إلى أهمية بث روح العمل فينا وأبنائنا. لقد مسحت معظم دول أوروبا عن الأرض بعد الحربين العالميتين (1940م). ولكن الشعب الألماني وبميزانية عاجزة استطاع لوحده وخلال أقل من سبعين عاماَ أن يصل إلى ما هو عليه الآن من قوة صناعية هي الأولى في أوروبا والرابعة عالمياَ.
لذلك فإن وضع تصور للرؤية المستقبلية لن يتم إلا بعد تضافر ثلاثة عوامل أساسية وهي:
المواطن، المقومات والموارد، ثم قاعدة المعلومات والبحث العلمي.
المواطن: فهل لدينا قوى عاملة نستطيع أن نعتمد عليها لتحقيق الرؤية وما مدى إنتاجيته؟؟ فهو أساس تحقيق الرؤية والمستفيد الأساسي منها.
المقومات والموارد:
أهم مواردنا هي الطاقة: البترول والغاز والموارد الأخرى، مثل النخيل والتمور كغذاء ومصدر للطاقة، وإمكانية الاستفادة من الرمال في صناعة السليكون والصفائح للطاقة الشمسية والإليكترونية.
قاعدة المعلومات والبحث العلمي:
أهمية الإحصاءات والبحث العلمي وتوحيدها أو وجود قاعدة معلومات دقيقة عن السكان كأساس لأي رؤية عملية تخطيطية وعماد الاقتصاد.
وهذه العوامل الثلاثة تعمل تحت ما نحن نفتقد إليه، وهو ضرورة وجود نظام سياسي واجتماعي وقانوني تشريعي شامل متكامل ومترابط (العمود الفقري للدولة ودستورها الشرعي) له مؤشرات اجتماعية وسياسية واقتصادية. يمكننا من قراءة الرؤية للاقتصاد الوطني والقدرة على فهم التغيرات التي تؤثر فيه. ويوفر له الحماية القانونية الصارمة على القوي والضعيف وبشفافية واضحة. ويضمن للدولة هيبتها. والذي بدوره يعزز ثقة المستثمرين الوطنيين والأجانب للاستثمار في هذا البلد.
تحقيق الرؤية يعتمد كثيراً على نظرية العمل الكادح وزرع ذلك في نفوس أبنائنا لخلق مخزون القوى العاملة المؤهلة لدينا. فبدلاً مما نقوم به من تدليلهم واعتمادهم علينا لشراء السيارات وتزويجهم أن نعلمهم الكد والعمل. فمعظم دول العالم تطرد أولادها من البيت بعد سن البلوغ ليعملوا ويعتمدوا على أنفسهم. إن ذلك مطلب وطني وليس خياراً لنا.
ومما يتضح لي من قراءتي للمعطيات الحالية فإنني أرى أن الرؤية المستقبلية لنا أقرب ما تكون إلى "تقنية الطاقة". ولكن مثل هذا الاسم يجب أن يمحص وأن يختبر بعد عمل دراسة مستفيضة مبنية على العوامل الثلاثة.
ولتحقيق هذه الرؤية فإنه يجب أن نتحول وفق خطة مدروسة دولةَ وشعباً إلى دولة تقنية الطاقة. لتكون هي شعارنا ومسارنا الذي يجب أن نسلكه لنصبح دولة يُشار إليها عند بروز أية مشكلة تتعلق بذلك لنصدر الطاقة والمعرفة بها.
فهل يعقل أن نكون أكبر دولة مصدّرة للنفط في العالم ولا نسمع عندما يكتشف وجود بترول أو غاز في أي مكان في العالم أن نكون أول من يدعى للاستشارة. إن الطفرة الأخيرة للنفط تحتم علينا أن نتحسب لبناء الصناعة والمعرفية التقنية كمهنة نعرف بها حتى ولو نضب النفط. فالنفط يذهب والمال يذهب ولكن المهنة تبقى.
فنحن أهم الدول المصدّرة للنفط في العالم، ومع ذلك فإننا قد نكون أجهلهم معرفة بالنفط ومشتقاته من البنزين المرصص أو الخالي منه وأنواعه من الخفيف إلى الثقيل. فهل هذا من المعقول! دولة النفط التي من المفروض أن يشار إلى شعبها بالخبرة والسبق في البحث والتنقيب عن البترول وتكريره. والتي يجب أن يكون لديها من القدرات والمهارات والتأهيل لمواطنيها في هذا المجال ما يسد حاجة العالم. وأن تكون السعودة والتدريب والمحفزات فقط لهذا المجال.
إن حجم الثروة النفطية في المملكة يحتم علينا أن يكون هناك أكثر من شركة أرامكو السعودية وأن تخصص وتطرح شركات أخرى في هندسة الطاقة والنفط وتكريره وتصنيعه وتحويله إلى المنتجات الطرفية، مثل زيوت المحركات وأنواع الوقود المختلفة وتسويقه ونقله. وتكوين شركات تُدار بكوادر سعودية للبحث عن البترول والتنقيب وغيره.
وأن يكون لدينا أكثر من مركز ومعهد وجامعة بترول ومعادن. فمن يسمع باسم جامعة الملك فهد للبترول والمعادن يعتقد أن هدفها تأهيل مواطنينا لهذه المهنة، ولكن الكلية وإن كان لديها مركز أبحاث ومعلومات للنفط، إلا أنها غلب عليها تخصصات أخرى، وبحيث أصبح مجال تعليم البترول فيها لا يذكر ولا يتناسب مع حجم ثروتنا النفطية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي