الابداع التكنولوجي: قاعدة المنافسة الأساسية للشركات الكبرى

<a href="mailto:[email protected]">salihalam@yahoo.com</a>

من يتطلع بإمعان للإعلانات الكثيرة المنشورة في الصحافة المقروءة اليومية أو المرئية على شاشة التلفاز أو المسموعة من خلال الإذاعات أو الملصقة على لوحات ثابتة، يستطيع أن يتوصل إلى أن جميع هذه الإعلانات والدعايات تعد الجمهور بشيء مختلف أو مميز يتضمنه المنتج أو الخدمة التي يدعون الزبائن للاستفادة منها واقتنائها. وقد يجد الزبون أن هناك شيئا مختلفا في السلعة أو الخدمة التي استفاد منها ولو أنه شيء بسيط ولكن الإضافة الموعودة موجودة، وفي بعض الأحيان تكون الهجمة الإعلانية كبيرة إذا كانت المنتجات أو الخدمات جديدة تماما لم يسبق وأن قدمتها شركات أخرى، حيث يكون هناك تركيز على هذه الخاصية بشكل كبير. إن الاتيان بشيء جديد مختلف هو الاستراتيجية الأكثر اتباعا من قبل الشركات الكبرى لمواجهة المنافسة الحادة في عالم الأعمال اليوم، حيث لا بد من اتباع أساليب غير تقليدية لاختراق أسواق جديدة، بل وحتى للاحتفاظ بالحصة السوقية للشركة. إن عملية تحسين المنتجات الموجودة أو تقديم منتجات جديدة تماما للسوق أو تحسين عملية إنتاجية موجودة أو ابتكار عملية إنتاجية جديدة هو ما نسميه بالإبداع التكنولوجي Technological Innovation، ويعتبر اليوم عاملا حاسما في بقاء شركات الأعمال في ظل اقتصاد المعرفة أو الاقتصاد الرقمي. لقد وعت الدول المتقدمة هذه الحقيقة مبكرا حيث أشارت الأدبيات النظرية إلى هذا المصطلح، ولكن الانتشار الحقيقي لفكرة الإبداع التكنولوجي بدأت في الثمانينيات حيث أصبح اهتمام دول المجموعة الأوروبية وأمريكا غير اعتيادي به، بل أصدرت المجموعة الأوروبية في عام 1996 دليلا إرشاديا يحمل عنوان Oslo Manual، يتضمن نوعا من المأسسة لظاهرة الابداع التكنولوجي وكيفية إعداد ميزانية خاصة به تستعرض كل المنتجات الجديدة أو المحسنة وكذلك العمليات والأساليب الإنتاجية الجديدة المبتكرة أو المحسنة والمحورة فضلا عن تكاليف وإيرادات هذه الإبداعات. وازداد التركيز على هذا الأمر إلى درجة إعداد تقرير إجباري سنوي يتضمن معلومات مفصلة عن الإبداع التكنولوجي في كل دولة من دول أوروبا وأمريكا واليابان وغيرها من الدول المتقدمة تصدره منظمة OCED. إن التحديث والتجديد لن يترك للصدفة أو الاجتهاد في شركات الأعمال بل أصبح نشاطا منهجيا منظما تدعمه الشركات بالميزانيات المالية الضخمة وتعتبره استثمارا مستقبليا. لقد استطاعت بعض الشركات الكبرى أن تحقق أرباحا خيالية بفضل بعض المنتجات الجديدة أو بسبب بعض التحسينات التي أجرتها على منتجات تقليدية معروفة. ما نحتاج إليه اليوم بالضبط هو التركيز على الإبداع التكنولوجي لكي تستطيع شركات الأعمال المحلية سواء كانت صناعية أم ذات إنتاج خدمي أن تنافس أو على الأقل تبقى في السوق وبهامش ربح معقول. إن مفهوم المنتج الجديد لا يقصد به أن يكون جديدا تماما في العالم، بل جديدا للشركة أو البيئة التي نعمل فيها وهناك الكثير من المنتجات والخدمات التي تنتج في الدول الأخرى ولا تحتاج إلى خصوصية عالية في عملية إنتاجها بل نحن نعتمد على الدول الأخرى في توريدها لنا ونحن نمتلك القدرة الفنية والمادية لإنتاجها محليا وبالذات في مجال الصناعات الغذائية فلماذا لا نبدأ الآن؟ إن الإبداع التكنولوجي لا يعني الاختراع أو الابتكار Invention فقط، ولا هو مجرد تحسين Improvement أو تحوير لبعض خصائص المنتج ولا هو اكتشاف Discovery لأشياء ومواد لم تكن معروفة ولكنها موجودة في الطبيعة بل هو جميع هذه الأصناف التي يجمعها قاسم مشترك واحد هو التغيير وإضافة ما هو جديد. ما أشد حاجتنا إلى الإبداع سواء في الصناعة أو الخدمات التي يقدمها القطاع الخاص والحاجة أكبر في المؤسسات والإدارات الحكومية، فالأساليب الإدارية السائدة لا يلائم أغلبها ما حصل من تطور في نواحي الحياة المختلفة وما الشكاوى من الروتين وتعقد الإجراءات في الدوائر الحكومية التي تعرض على صفحات الجرائد اليومية إلا دعوات للتغيير والإتيان بأساليب جديدة للتعامل أو بعبارة أخرى دعوات للإبداع التنظيمي والإداري. إن واحدة من المشاكل التي تعاني منها الأجهزة الإدارية العربية بشكل عام هو عدم توازي الإبداع التنظيمي أو الإداري مع الإبداع التكنولوجي فإدخال تكنولوجيا المعلومات وأنواع التكنولوجيا الأخرى لم يرافقه تحديث إداري أو تنظيمي في أغلب الشركات سواء كانت حكومية أو خاصة والأمر يبدو أكثر وضوحا في المؤسسات الحكومية. إن كثيرا من الشركات الصناعية نجحت في تطوير منتجات جديدة أي أحدثت إبداعا تكنولوجيا ولكنها لم تفلح في تطوير أساليب تسويقية ترافق هذا التحديث في المنتج مثل اعتماد قنوات توزيعية غير تقليدية أو أساليب تسعير مختلفة أو تطوير أساليب تعبئة وتغليف تناسب هذا المنتج الجديد، وبالتالي كان هناك فشل وعدم تحقيق مردودات تتناسب مع الأموال المستثمرة في تطوير المنتج أي أن سبب الفشل كان عدم القدرة على الإبداع التنظيمي رغم النجاح الذي تحقق بالإبداع التكنولوجي. إن الشركات الكبرى السعودية الناجحة وعلى راسها "سابك" وكذا الأمر مع الشركات المالية والسياحية والزراعية التي حققت نجاحات باهرة مدعوة إلى إدامة نجاحها هذا بالتركيز على عنصر الإبداع التكنولوجي ومأسسته ليكون منهجا منتظما فيها. إن مقومات نجاح الإبداع التكنولوجي كمنهج عمل في الشركات الكبرى موجودة في هذه الشركات أي المقومات الداخلية وكذا الأمر بالنسبة للمقومات الخارجية التي تتجسد في وفرة الطاقة والبنية التحتية العلمية وتطور الاتصالات والقدرة المالية والتسهيلات والمساعدات الحكومية. لا شك أن أي مشروع للإبداع التكنولوجي قد يكون محفوفا بالمخاطرة ويحتاج إلى مصروفات تتناسب مع نوع المنتج الطلوب تطويره أو تحسينه وكلما كان المنتج المطلوب تطويره أوتحسينه أو الإبداع أكثر أصالة وحداثة كلما ارتفعت تكاليف إنجازه أو تحقيقه ولكن المردود المستقبلي سيكون كبيرا جدا ورب منتج جديد ينقذ شركة من الإفلاس والإنهيار. إن الميزة الكبرى التي تفتقدها بيئة الأعمال لدينا هي ضعف الصلة بل وانعدامها في كثير من الأحيان بين الجامعات والمعاهد وشركات الأعمال على اختلاف أنواعها فالعدد الكبير من الباحثين وحاملي الشهادات العليا الذين تدربوا على منهجية البحث العلمي هم خارج عملية البحث العلمي الحقيقية الا ما ندر، وهذه موارد مهمة غير مستغلة وهي مصدر من مصادر الإبداع. لو درسنا مثلا، قطاع الصناعات الدوائية والصيدلانية الذي تلعب فيه الصلة بين كليات العلوم والصيدلة والطب وبين مصانع الدواء دورا مهما لوجدنا أن الإفادة من المتخصصين في الجامعات ما زالت دون المستوى مقارنة بما يحصل في دول متقدمة أخرى. أعتقد أن تفعيل هذه العلاقة سيكون له مردود اقتصادي واجتماعي مهم جدا ليس في القطاع المذكور فحسب بل وفي القطاعات الأخرى أيضا. إن قوة حقيقية ستضاف إلى شركات الأعمال عندما تستطيع تقديم إبداعات بشكل مستمر وأن القيمة المضافة التي ستحققها تكون كبيرة. لقد ركز تقرير التنمية البشرية العربي قبل فترة ليست بالطويلة على وجوب الاهتمام بالمعرفة وتأصيلها وضرورة التعامل مع عصر الاقتصاد الرقمي بما يتطلبه من اهتمام بالعلم وتنمية لمهارات تكنولوجيا المعلومات، إن هذا الأمر يقتضي خلق بيئة عمل في كل شركة داعمة ومساندة للإبداع ولا يجوز التركيز على حساب التكاليف الآنية فقط، فدعم المبادرات الابتكارية وعدم احباط أصحاب الأفكار المبدعة في حالة عدم حصول النتائج المرجوة هو أساس لخلق مناخ إبداعي سليم. لا بد من الإشارة هنا إلى أن كثيرا من الشركات الكبرى خصوصا في مجال صناعة الإلكترونيات والكهربائيات وكثير من الصناعات الميكانيكية حققت إبداعات تكنولوجية اليوم بناء على مشاريع أو أفكار قدمت قبل عشرات السنين ولم تنجح في حينها أو لم تحقق نتائج حاسمة وأحتفظ بها لحين حصول تطورات تكنولوجية معينة في عالم اليوم حيث رجعت أقسام البحث والتطوير وفرق الإبداع التكنولوجي في هذه الشركات إلى هذه الأفكار وأعدت دراستها وقدمت من خلالها منتجات جديدة ساعدت الشركات كثيرا في تحسين مواقفها المالية. خلاصة القول، إن المنافسة الحادة والضغوط السياسية والاقتصادية التي تجابه البلاد العربية والإسلامية اليوم يمكن أن تكون حافزا لشركاتنا الكبرى للولوج إلى ميدان الإبداع التكنولوجي والتحلي بالشجاعة لتحمل المخاطرة وإنتاج سلع وخدمات أحجمت عن إنتاجها لحد الآن. إن البقاء في ميدان الأعمال اليوم رهن بما تقدمه الشركة من جديد أو تحسين لما هو موجود وطالما توافرت المقومات بما فيها طفرة أسعار النفط فالتقدم في هذا المجال أصبح أمرا مطلوبا بل وحيويا للبقاء.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي