الاستجواب المعاكس في مجلس الشورى
<a href="mailto:[email protected]">f.albuainain@hotmail.com</a>
يعتبر الاستجواب أحد أهم أدوات البرلمانات النيابية التي يفترض أن يكون من بينها مجلس الشورى الموقر، من خلاله يمكن لأعضاء المجلس الاطلاع على جميع المعلومات المتعلقة بقضايا واستراتيجيات وزارات الدولة، وتُمكن الوزراء والمسؤولين من توضيح وجهات نظرهم حيال القضايا المختلفة التي تكون محورا لنقاش النواب (الأعضاء). هناك الكثير من القضايا الغامضة التي تحتاج إلى توسع وتبيان من أجل رفع الغموض واللبس عنها.
تتكفل آلية الاستجواب في الفصل بين الطرفين، الأعضاء والوزراء، بأسلوب ديموقراطي راق ينم عن فهم عميق لمتطلبات التعامل المثمر بين الأعضاء والوزراء من جهة، وبين المجالس وعامة الشعب. هذه مفاهيم عامة يمكن ملاحظتها في جميع البرلمانات العالمية التي تعتبر الاستجواب الوسيلة الأقوى لمواجهة القصور ولتبيان الحقائق. الأمر يمكن أن يكون مختلفا لدينا، على اعتبار أن نظام مجلس الشورى يخضع لأنظمة وقوانين خاصة تحد من صلاحية أعضائه في تناولهم لشؤون الوزارات، ما يعني حرمان المجلس من أهم أدواته الفاعلة في تطوير الأداء من خلال المسألة المبنية على الشفافية والوضوح. بعض مصطلحات المجلس ذات العلاقة بمناقشة الوزراء تزيد من معاناته وتحد من قوته التي يفترض أن يكون عليها. فالاستدعاء يتحول في لغة المجلس إلى "توجيه الدعوة"، والاستجواب يستغنى عنه بكلمة "الاطلاع". لماذا لا نسمي الأمور بأسمائها الحقيقية من أجل تحقيق المنفعة التامة من الأنظمة التي تستحدثها الدولة رعاها الله؟
مناقشة الوزراء تحت قبة مجلس الشورى لا تعني بالضرورة تقصيرهم أو توجيه اللوم لهم، بقدر ما هي وسيلة ناجعة لعرض الحقائق والتباحث فيها من أجل المصلحة العامة. هناك الكثير من القضايا التي تحدث عنها الوزراء تحت قبة مجلس الشورى، استطاعوا من خلالها إثبات عدالة موقفهم، وحرصهم الشديد على إيجاد الحلول الناجعة لها، إلا أنهم كانوا يصطدمون أحيانا بجهات أخرى تجعل من أمر تنفيذ الحلول المقترحة من قبلهم، أمرا مستحيلا. بمعنى آخر، أن المناقشات التي تحدث تحت قبة مجلس الشورى عادة ما تفضي إلى تحديد مكامن الخلل الرئيسة، والجهات التي يفترض أن تتحمل تبعات التقصير، ومن ثم الالتزام بإصلاح مكامن الخلل.
ينظر المواطنون، في أحيان كثيرة، إلى الوزراء، خصوصا وزراء الخدمات العامة، على أنهم مقصرون في تنفيذ مشاريعهم الخدمية، عطفا على مستوى الخدمات المقدمة التي لا ترتقي إلى مستوى التطلعات، ويتناسى المواطنون في بعض الأحيان وعن غير قصد، أن الوزراء قد يكون لديهم بعض العذر في التقصير بسبب أنهم يعملون ضمن نطاقات محدودة، تحكمها الميزانيات والموافقات الرسمية وتفاعل الوزارات الأخرى معهم، أي أنهم ليسوا اللاعبين الوحيدين في العملية، فهناك أطراف مساعدة أخرى يمكن أن تعرقل خططهم التنموية. وزارة الصحة على سبيل المثال، لا يمكن أن تنفذ مشاريعها الصحية دون دعم مالي من وزارة المالية، كما أنها لا تستطيع توفير الكوادر الوطنية دون الاستعانة بخدمات وزارتي التعليم والتعليم العالي، وتقف عاجزة عن سد النقص في الكوادر الطبية فيما لو رفض ديوان الخدمة المدنية استحداث وظائف طبية على سبيل المثال. فالأمر أشبه بالحلقات المتواصلة، والمرتبطة بعضها ببعض، وهي دائما ما تحتاج إلى توضيح ومكاشفة مع الجمهور. لا يكفي أن يكون الوزير والمسؤولون على اطلاع تام بخلفيات الأمور، والعقبات التي تحول بينهم وبين تحقيق رغبات المواطنين، فالأهم من ذلك أن يعرف المواطنون أنفسهم جميع المعلومات التي تمس مصالحهم المباشرة، وهذه لن تتحقق دون أن تكون هناك قنوات للمكاشفة والمحاسبة العامة، ومجلس الشورى هو المكان المناسب لتحقيق هذا الهدف.
المكاشفة والشفافية تحت قبة مجلس الشورى هي التي سمحت لمعالي وزير الصحة بالرد المباشر على أحد الأعضاء الموقرين الذي عاتبه على تأخر الوزارة في إنشاء "المختبر الوطني" وتبيان الأسباب الكامنة خلف ذلك التأخير. حيث أوضح الوزير أن التأخير لم يكن على علاقة بقصور الأداء بقدر ما كان على علاقة بأمور أخرى لم تكن ضمن صلاحيات الوزير، ومن أهمها المخصصات المالية. الدكتور المانع، لم يقف عند ذلك الحد، بل تقمص دور عضو مجلس الشورى، مطبقا مبدأ الاستجواب المعاكس، في مشهد نادر، حين خاطب عضو المجلس الذي كان يعمل سابقا في وزارة الصحة بقوله: "ماذا عملت أنت وكنت أحد المسؤولين في الوزارة لفترة طويلة". وهذا الاستجواب العكسي يفتح الآفاق أمام تقييم الأداء الإنتاجي لبعض أعضاء المجلس المنتقلين من الإدارات الحكومية، وأثر ذلك في تطوير عمل المجلس والمساهمة في لجانه الفاعلة.
هذا هو الأسلوب الحقيقي للمكاشفة والمصارحة البناءة التي تقود إلى تلافي الأخطاء وإيجاد الحلول من أجل رفعة المجتمع ورقي الدولة. وهذا هو الأسلوب الذي يفترض أن تقوم عليه آلية الاستجواب من الطرفين أعضاء المجلس والوزراء. لا أجد سببا واحدا يمنع الوزراء ومن هم في مراتبهم من قبول دعوة مجلس الشورى للمناقشة والاطلاع، وأبتعد عن قول المساءلة والاستجواب اقتداء بثقافة المجلس، فمن العجب حقا أن يعتذر من توجه إليه الدعوة عن الحضور بسبب الانشغال!، مستفيدا من أنظمة المجلس الداعمة للاعتذار، وأزيد تعجبا منهم، إذا ما تذكرت وقوف الأمير سلمان بن عبد العزيز، أمير منطقة الرياض، تحت قبة المجلس، بالرغم من مشاغله الرسمية ومسؤولياته الجسام. فمشاغل الأمير والتزاماته الرسمية أكثر بكثير من مشاغل بعض المعتذرين.
على الرغم من الصلاحيات الجيدة، والمتطورة المتاحة لأعضاء المجلس، إلا أنني ما زلت أعتقد أن أهم أدوات مجلس الشورى المتمثلة في دعوة الوزراء الملزمة (الاستجواب) لا تزال معطلة حتى الآن، وهي في حاجة ماسة إلى التطوير والمكاشفة من أجل الوصول إلى الغايات الوطنية، والقيادة الرشيدة لم يغب عن أذهاننا احتياجات المجلس المتجددة، والصلاحيات التي تعين على تحقيق الأهداف، وهو ما صرح به الأمير سلمان بن عبد العزيز لمعالي رئيس المجلس والأعضاء الموقرين حين قال "أعتقد أن إعطاء المزيد من الصلاحيات لمجلس الشورى لم يغب عن ذهن القيادة" وهذه هي الحقيقة الثابتة التي تعودناها من قيادتنا الرشيدة التي لن تألو جهدا في دعم المجلس من أجل تحقيق أهداف الخير، والنماء والتطوير.