أحد المفاهيم المالية: مكرر الربحية

<a href="mailto:[email protected]">fawazhf@yahoo.com</a>

أحد أهم ظواهر طفرة الأسهم الحالية هو الحاجة إلى ازدياد الثقافة المالية لدى المستثمرين.
تبين من استطلاعات واستبيانات الرأي العام أن هناك قصورا واضحا لدى الغالبية من المستثمرين في فهم واستخدام بعض الأدوات المالية في تقييم الأسهم. تردد كثيراً في الآونة الأخيرة إعلامياً وحتى في المجالس ذكر مكرر الربحية، فتجد الكثير يردد هذا المعيار وكأنه الأوحد والعصا السحرية لتحديد الجذاب وغير الجذاب سواء للاستثمار والاتجار في الأسهم. لا شك أن استخدام أحد المعايير المالية المعروفة خطوة للأمام في ازدياد الوعي المالي ولكنها غير كافية.
استخدام مكرر الربح وحده وبمعزل عن حالة السوق العامة وعن المقاييس الأخرى من حسابية رقمية إلى نوعية لا يكفي أبداً للوصول إلى "تقدير" صحي لأخذ القرار الصحيح. يعرف الكثير أن مكرر الربحية هو سعر السهم ÷ (صافي الربح/ عدد أسهم الشركة) فسعر السهم البسط في هذه المعادلة معروف في أي لحظة ويتغير دائماً، أما المقام فهو أكثر تعقيداً مما يبدو للوهلة الأولى.
أول هذه التعقيدات هو هل يستخدم المحلل أو المستثمر الأرباح الماضية (وهذه قد لا تكون الأفضل في تحديد الأرباح المستقبلية) حيث إن المستثمر يشتري المستقبل وليس الماضي، وللمستثمر أن يستخدم الأرباح المستقبلية المتوقعة وهنا ندخل في صعوبة استقراء المستقبل ومن هو المحلل الذي يرتقي إلى فهم أعمق لهذا القطاع أو ذاك ومن ثم هذه الشركة أو تلك. فالوصول إلى ربح السهم الواحد ليس السهل، فهناك اختلافات كبيرة في المعايير المحاسبية للوصول إلى هذا الرقم منها هل هذه الأرباح تشغيلية أو غير تشغيلية، أي هل هي مستدامة ومدى الثقة بحسابات الشركة وخططها المستقبلية والحالة الاقتصادية العامة، هل هي تأخذ في الحسبان الطبيعة الموسمية لهذا القطاع على سبيل المثال؟ فعلى مستخدم مكرر الربحية التأكد دائماً من أن المقارنة متكافئة، وإلا فإن مكرر الربحية يصبح عامل تضليل أكثر منه مؤشر تقييم. بعد الوصول إلى رقم مكرر الربحية "المقبول" علينا معرفة أفضل الطرق والأوقات لاستخدامه كأداة تقييم.
المعروف في الوسط المالي أنه كلما ارتفع مكرر الربحية فإن قيمة أسهم الشركة تعتبر "مرتفعة" وبالتالي هي أقرب للبيع من الشراء وإذا كان مكرر الربحية منخفضاً فأسهم الشركة تعتبر "منخفضة" وبالتالي هي أقرب للشراء من البيع. يجب الحذر من استخدام مكرر الربحية لعدة أسباب وحتى بعد الوصول إلى تقدير جيد للأرباح، وأول هذه الأسباب أن مكرر الربحية يختلف من وقت لآخر، فهو مرتفع أو منخفض لأن البسط (السعر) أو المقام (ربحية السهم) قد تغيرت، لذلك قد يكون مكرر الربح مرتفعاً نسبياً (مقارنة بالماضي) ويكون دليلاً ضعيفاً جداً عن التوجه المستقبلي لسعر السهم عندما يكون هناك نمو جيد في أرباح الشركة، وعلى المنوال نفسه قد يكون مكرر الربحية منخفضاً نسبياً وليس بعلامة فرصة للشراء، بل مؤشر على أن أرباح الشركة في حالة عدم نمو أو حتى في تراجع، هذا من ناحية مكرر الربحية لشركة معينة ولكن لا تقف القصة هنا بل علينا مراجعة مكرر الربحية للشركات المماثلة في نفس القطاع والسوق عموماً، فأي اختلاف عن نمط العلاقات السابقة بين مكرر الربحية لهذا القطاع أو هذه السوق لمؤشر إلى حاجة أكثر إلى تحليل أعمق لمعرفة الأسباب والتغير.
يأتي التغير من عدة نواح فمعظم القطاعات تتعرض إلى دورات اقتصادية خاصة فيها وتشترك في بعض الدورات الاقتصادية الأخرى، فالصناعات البتروكيماوية على سبيل المثال لا تزال في عنفوان دورة سوق جيدة في أغلب منتجاتها وليس الكل هذا بعض المؤشرات وبعض المحللين في هذه الصناعة، يذكر أن هذه الدورة هي أطول مما هو معتاد بسبب النمو العالي المتواصل في الصين خاصة وبعض دول الشرق الأخرى. وعلينا التذكر أن دورات هذه الصناعة حادة في بعض الأحيان، لذلك فإن مكرر الربحية يتغير بسرعة (بسبب نزول الأرباح في حالة انتهاء هذه الدورة) إذا لم يسبقه نزول في سعر أسهم هذه الشركات، والعكس يكون صحيحاً حتى ترى أن مكرر الربحية منخفض في وقت الحالة الدنيا من الدورة، ناسياً أن الشركة مقبلة على أرباح طيبة لم تنعكس بعد في مكرر الربحية. إذا أردنا مستوى أعلى من التحليل المالي فهناك استخدامات أخرى لمكرر الربحية فعكس مكرر الربحية حسابياً (وهو العائد على الأرباح) قد يفيد لمعرفة مدى علاقة السوق الحالية (مستخدماً مكرر الربحية) بأسعار الفائدة السائدة في ذلك الوقت. فمثلاً إذا كان مكرر الربحية للسوق عموماً (المؤشر) 20 ضعفاً، فإن عكسه أي 1/ مكرر الربحية يساوي 5 في المائة ومن ثم مقارنة هذه الـ 5 في المائة بأسعار الفائدة التي يمكن الحصول عليها دون مخاطر مالية على المدى الزمني المراد الاستثمار فيه، فإذا كانت أسعار الفائدة هي 7 في المائة على سبيل المثال فإن المؤشر يعتبر مرتفعاً نسبياً وينذر بالبيع والعكس صحيح، في الأسواق الأكثر نضجاً هناك استخدامات أخرى لمكرر الربحية وذلك باستخدام مكرر الربحية وتقسيمه على نسبة النمو في أرباح الشركة لمعرفة مدى انعكاس قيمة النمو في سعر سهم الشركة، هذا المؤشر يتطلب مدة طويلة لتوثيق العلاقة بين النمو والتغير في السعر. حيث إن تاريخ أسعار الأسهم وأعمال الشركات المساهمة حديث لدينا فقد يكون غير مناسب في الوقت الحاضر استخدام هذا المؤشر.
مكرر الربحية من أهم الأدوات المستعملة في التقييم، وهو لا شك مفيد ولكن استخدامه فقط ودون تحليل أعمق لحالة السوق الكلية شاملة الحالة النفسية أو الجزئيات المتعلقة بالشركة لخطير وقد يضلل المستثمر.
نكتفي بهذا القدر من تحليل هذا المؤشر ولعلنا نستطلع أدوات تحليل أخرى في مقالات لاحقة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي