ضعف الثقة يقتل القرارات

<a href="mailto:[email protected]">Imbadawood@yahoo.com</a>

الثقة كالغرسة الصغيرة يجب أن تتم رعايتها وحمايتها والمحافظة عليها وبذل الجهود كافة لتقويتها وتيسير سبل تطويرها حتى تنمو وتترعرع وتصبح شجرة كبيرة صلبة شامخة تضرب جذورها في أعماق الأرض وتظلل أوراقها فئات المجتمع كافة. وكثيرا من الأحيان تصبح الثقة رأسمال التعامل بين بعض الأفراد والجهات ليست في قضايا نظرية بل حتى المعاملات المالية فلا يحتاج المتعاملون إلى وعود أو عهود أو مواثيق.
والثقة مرتبطة بالأمان فإذا وثق الإنسان بشيء شعر تجاهه بالأمان وإذا لم يثق به تسرب إلى قلبه الخوف والشك والقلق، وأصبح مضطرباً من كل ما يصدر منه بل غدا يشك في كل صغيرة وكبيرة تجاهه.
والثقة كالزجاج إذا تمت إصابتها تعذر علاجها وإن تم فتبقى آثار العلاج واضحة يستشهد بها في كل مناسبة طال الزمان أو قصر.
والملاحظ أخيرا أن بعض القرارات التي تصدر اليوم أصبحت تفتقر إلى كثير من الثقة مما أسهم في قتلها في مهدها, فالناس أصبحوا يسمعون القرار ولا يصدقونه على الرغم من صدوره رسمياً والإعلان عنه, وقد تكرر ذلك كثيراً أخيرا فيعلن عن القرار وبعد فترة وجيزة يتم تأجيله أو إلغاؤه وبغض النظر عن طبيعة القرار أو صحته أو قبول الناس به من عدمه فإن مستوى الثقة والمصداقية في بعض القرارات أصبح ضعيفاً نتيجةً إلغائها.
إن من أهم دروس الإدارة الالتزام بتطبيق القرارات والوفاء بالوعود وإذا انعدمت مثل هذه الضوابط فقدت الثقة وإذا فقدت الثقة ضعفت المصداقية وعم الشك وبدأت الفوضى، ومهما أصدرت بعد ذلك من قرارات فستعود الذاكرة للناس بما سبق من قرارات لم تنفذ وسيقول الناس ضع هذا القرار مع ما سبقه من قرارات لم تطبق.
إن التعجل في اتخاذ بعض القرارات نتيجة ضغوط أو ظروف معينة يسهم في بعض الأحيان في صدور قرارات خاطئة لا يمكن تطبيقها، حتى لو تم الإعلان بأن هذا من باب الفضيلة كونه اعترافا بالحق ورجوعاً عن خطأ فذلك لا يعفي من تأثير هذا في حجم الثقة ومستوى المصداقية.
لقد أصبح كثير من القرارات يصدر ليس للتطبيق بل ليقال إن هناك قراراً صدر في هذا الخصوص وفي أحسن الظروف إذا لم يلغ القرار رسمياً أو يؤجل تجد أن القرار لا ينفذ بل تجد أن هناك بعض الموظفين قد قاموا بحبس الكثير من القرارات في أدراج مكاتبهم خوفاً من تطبيقها، وحتى إذا سئلوا عنها يقال إن القرار فعلاً صدر ولكن لا توجد آلية واضحة لتطبيقه, وبالتالي لم يتم تنفيذه.
إن انعدام الثقة بين بعض الدوائر والجهات وبين المراجعين مؤشر خطير يجب أن يتم التنبه إليه ووضع الحلول اللازمة لمراعاته وتصحيحه، فتخيل مراجع يقدم أوراق معاملته إلى شخص يشك في مصداقيته وفي أنه سيقدم له الخدمة المطلوبة وفي أن معاملته التي جاء يراجع لها ستنتهي. وهذا الأمر سيؤدي إلى فتح أبواب كثيرة للتأويل والفساد, خصوصاً لضعاف النفوس.
إن القرارات والسياسات والإجراءات إذا لم تدرس بعناية قبل الإعلان وتتم تجربتها ولوعلى نطاق ضيق ويتم عرضها على الخبراء والمستشارين للاستماع لآرائهم ومرئياتهم قد تؤدي إلى أثر سلبي يسهم في نزع الثقة من الجهة التي أصدرت القرار، خصوصاً إذا ترتب على بعض هذه القرارات أعباء مادية على أفراد المجتمع, وذلك من خلال تفاعلهم معها أو استعدادهم لها.
إننا في حاجة ماسة إلى إعادة زرع الثقة مرة أخرى بين مجتمعنا وبين بعض الدوائر والمنشآت الحكومية فيه, وذلك من خلال زيادة حجم التواصل والتنسيق بين أفراد المجتمع وبين القرارات التي تشملهم بحيث تكون قرارات صادرة من خلال رؤية مشتركة تجمع أصحاب القرار ومنفذيه ولا تكون قرارات صادرة من طرف واحد لتسهم في إنتاج أكبر ومستقبل أفضل لوطننا ومجتمعنا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي