أمنية أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه
<a href="mailto:[email protected]">d_almakdob@hotmail.com</a>
في دار من دور المدينة المباركة جلس عمر رضي الله إلى جماعة من أصحابه فقال لهم: تمنوا، فقال أحدهم: أتمنى لو أن هذه الدار مملوءة ذهبا أنفقه في سبيل الله، ثم قال عمر: تمنوا: فقال رجل آخر: أتمنى لو أنها لؤلؤ وزبرجد وجواهر أنفقه في سبيل الله وأتصدق به. ثم قال: تمنوا، فقالوا: ما ندري ما نقول يا أمير المؤمنين؟ فقال عمر رضي الله عنه: ولكني أتمنى رجالا مثل أبي عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبي حذيفة، فأستعين بهم على إعلاء كلمة الله.
رحم الله عمر الملهم، لقد كان خبيرا بما تقوم به الحضارات الحقة، وتنهض به الرسالات الكبيرة، وتحيا به الأمم الهامدة.
إن الرجل أعز من كل معدن نفيس، وأغلى من كل جوهر ثمين، ولذلك كان وجوده عزيزا في دنيا الناس، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما الناس كإبل مائة، لا تكاد تجد فيها راحلة" رواه البخاري.
الرجل الكفء الصالح هو عماد الرسالات، وروح النهضات، ومحور الإصلاح، أعدّ ما شئت من معامل السلاح والذخيرة، فلن تقتل الأسلحة إلا بالرجل المحارب، وضع ما شئت من مناهج التعليم والتربية فلن يقوم المنهج إلا بالرجل الذي يقوم بتدريسه، وأنشئ ما شئت من لجان فلن تنجز مشروعا إذا حُرمت الرجل الغيور.
ذلك ما يقوله الواقع الذي لا ريب فيه.
إن القوة ليست بحد السلاح بقدر ما هي في قلب الجندي، والتربية ليست في صفحات الكتاب بقدر ما هي في روح المعلم، وإنجاز المشاريع ليس في تكوين اللجان بقدر ما هو في حماسة القائمين عليها.
فلله ما أحكم عمر حين لم يتمن فضة ولا ذهبا، ولا لؤلؤا ولا جوهرا، ولكنه تمنى رجالا من الطراز الممتاز الذين تتفتح على أيديهم كنوز الأرض، وأبواب السماء.
إن رجلا واحدا قد يساوي مائة، ورجلا قد يوازي ألفا، ورجلا قد يزن شعبا بأسره، وقد قيل: رجل ذو همة يحيي أمة.
يعد بألف من رجال زمانه لكنه في الألمعية واحد
حاصر خالد بن الوليد رضي الله عنه (الحيرة) فطلب من أبي بكر مددا، فما أمده إلا برجل واحد هو القعقاع بن عمرو التميمي وقال: لا يهزم جيش فيه مثله، وكان يقول: لصوت القعقاع في الجيش خير من ألف مقاتل!
ولما طلب عمرو بن العاص رضي الله عنه المدد من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في فتح مصر كتب إليه: (أما بعد: فإني أمددتك بأربعة آلاف رجل، على كل ألف: رجل منهم مقام الألف: الزبير بن العوام، والمقداد بن عمرو، وعبادة من الصامت، ومسلمة بن مخلد). فرحم أولئك الرجال الأماجد وشتان بين أمنياتنا وأمنياتهم وإلى الملتقى.