"المحروقات".. طاقة وقوة لانطلاقة جديدة لاقتصادنا السعودي

بعد أن ألقى قرار خادم الحرمين بتخفيض أسعار المحروقات بقفاز التحدي إلينا نحن فعاليات القطاع الخاص في المملكة. فإننا كما يبدو أمام اختبار حقيقي لإبراز مدى قدرتنا في إحداث التوازن المطلوب بين تطلعاتنا كمنتجين لتعظيم الأرباح، وتطلعات الشريحة الأكبر المستهلكة لمنتجاتنا إلى مستوى معيشي يواكب الطفرة والازدهار الاقتصادي الذي تعيشه المملكة.
القاسم المشترك هو انتماؤنا لهذا البلد المبارك والثروة التي حبانا إياها المولى, عز وجل، أما الهدف الأسمى فهو ترسيخ عدالة يستفيء بظلها جميع أفراد الشعب السعودي تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين وحكومته الرشيدة.
كما يبدو وفقاً لمؤشرات القيادة فإن ثمة استراتيجية واضحة لإحداث تحول في إدارة دفة الاقتصاد في اتجاه تعزيز مشاركة القطاع الخاص، ليس فقط من خلال الإسهام في إصدار التشريعات ورسم الخطط، ولكن أيضاً بتفعيل دور القطاع في إعادة ضخ الأموال وإعادة توزيع الثروة وبسط العدالة الاجتماعية والاقتصادية حتى تعم الفائدة من القرارات الاقتصادية جميع أبناء هذا الوطن. ونحن على ثقة بأن القطاع الخاص السعودي سيكون, كعهده على الدوام, على قدر الرهان وحسن الظن سواء من القيادة السياسية أو من أفراد المجتمع في هذا البلد المعطاء.
لا شك أننا نتوقع أن تبادر شركاتنا ومؤسساتنا الوطنية بخفض سريع لأسعار منتجاتها وفقاً لانعكاسات قرار خفض المحروقات على تكلفة إنتاجها من السلع والخدمات حتى يحقق القرار هدفه الرئيس بتخفيض تكاليف الحياة والارتقاء بمستوى معيشة المواطنين.
إن تخفيض أسعار البنزين والديزل يمثل من وجهة نظرنا قراراً اقتصادياً حكيماً لابد أن يسهم القطاع الخاص في انعكاسه إيجابياً على مجمل النشاط الاقتصادي، وهو قرار يستحق الإشادة من جميع فعاليات القطاع الخاص فعلاً لا قولاً .. وهو اتجاه نرحب به في مجلس الغرف عبر دعوة الغرف التجارية كافة لتشجيع منتسبيها من رجال الأعمال لإبداء التفاعل الحقيقي على النحو الذي أشرنا إليه.
وغني عن القول إن هذا القرار سيسهم، إن أحسنا التعامل معه، في رفع القدرة التنافسية لمنتجاتنا من السلع والخدمات في الأسواق المحلية والدولية، ويبقى على القطاع الخاص النهوض بالإنتاجية وتحسين الجودة. ولتحقيق ذلك يحتاج القطاع الخاص إلى تعزيز الثقة لدى الجمهور المستهلك لمنتجاته، كما يمكنه تحفيز زيادة الطلب على هذه المنتجات من خلال خفض الأسعار في اتجاه بناء علاقة حقيقية طويلة الأمد بين المنتج الوطني والاستهلاك المحلي, خاصة في ضوء المنافسة القادمة.
ولا بد من التنويه في هذا المقام بأن هذا القرار الاقتصادي لخادم الحرمين الشريفين يأتي أيضاً في إطار توجهات القيادة السياسية للتعامل مع فائض الموازنة العامة للدولة، والطفرة الاقتصادية الراهنة لتحسين الأحوال المعيشية للمواطن، حيث يقدر الفائض في موازنة عام 2006 بنحو 55 مليار ريال. هذا الفائض مرشح للارتفاع خاصة أن موازنة عام 2006 مقدرة على أساس توقعات متحفظة جداً لأسعار النفط، وهي 35 دولار للبرميل، وإنتاج متوقع نحو 9.5 مليون برميل يومياً. كما أن الواقع يؤكد تجاوز الأسعار والإنتاج هذه التقديرات طوال الفترة المنقضية من عام 2006، ومن المتوقع تواصل هذا الارتفاع في الفترة المقبلة . وفي إطار سعيها للإفادة من فائض الموازنة كانت حكومتنا قد قامت خلال عام 2005 بخفض الدين العام بصورة كبيرة بنسبة 29 في المائة ، مقابل 9 في المائة عام 2004 ، وهو ما جعل الدين العام ينخفض من 614 مليار ريال إلى 475 مليار ريال .أيضاً تم رفع الرواتب والمعاشات لموظفي الدولة من المدنيين والعسكريين, إضافة للمتقاعدين في أيلول (سبتمبر) 2005 بنسبة 15 في المائة. كلها توجهات تعكس حرص خادم الحرمين الشريفين على قسمة عادلة للثروة لصالح المواطن السعودي. وفي هذا الإطار يأتي في ظننا القرار الخاص بخفض المحروقات.
غني عن القول إنه سيترتب على قرار تخفيض أسعار المحروقات، والتفاعل المرتقب من القطاع الخاص تجاهه، آثار إيجابية في مجمل النشاط الاقتصادي لعدة أسباب في مقدمتها أن البنزين والديزل من السلع المحورية الحاكمة في النشاط الاقتصادي في معظم القطاعات، وتؤثر بشكل مباشر وغير مباشر في أسعار السلع الأخرى. ونظراً لأهمية المحروقات لكل القطاعات ولكل المواطنين، فالتخفيض سوف يفيد الجميع، ولن يكون قاصراً على قطاع معين أو فئة معينة من المواطنين، وإن كانت الاستفادة ستكون بنسب متفاوتة من قطاع إلى آخر ومن فرد إلى آخر. ولا بد من التنويه هنا إلى أن تخفيض أسعار البنزين والديزل يعني زيادة الدخل الحقيقي للمواطن دون أن يؤدي ذلك إلى رفع معدلات التضخم ورفع الأسعار، وهو تأكيد آخر للحكمة البالغة لهذا القرار.
إن القطاع الخاص الذي سيجني آثاراً إيجابية عديدة نتيجة انعكاسات القرار على نشاطه الاقتصادي، معني بالتحرك الجاد في الاتجاه المأمول لتعزيز المكاسب جراء قرار خفض أسعار المحروقات التي يمكن حصرها في الآتي:-
تخفيض أعباء وتكاليف الإنتاج في مختلف القطاعات ورفع القدرة التنافسية لمنتجات القطاع الخاص محلياً وخارجياً، بما يؤدي إلى زيادة أرباح المنشآت، وتشجيعها على التوسع في أنشطتها، وخلق المزيد من فرص العمل للمواطنين.
زيادة الدخل الحقيقي للمواطن وهو ما يعني زيادة الطلب على السلع والخدمات التي ينتجها القطاع الخاص، وتحقيق انتعاش في الأسواق تساعد على المزيد من التوسع في نشاط القطاع الخاص.
من المتوقع حدوث انتعاش في بيع بعض السلع ومنها سيارات الركوب ذات السعات اللترية الكبيرة من العلامات التجارية الأكثر استهلاكاً للبنزين، والمضخات والمعدات التي تعمل بالديزل المستخدمة في الزراعة أو في قطاع المقاولات والبناء.
إن القطاع الخاص بتفاعله مع هذا القرار الحكيم وتوظيفه لزيادة فرص الاستثمار وخلق فرص عمل جديدة للشباب السعودي يؤكد أنه ليس ببعيد عن هموم القيادة والشعب، وأنه بقدر مستوى الرهان على دور كبير يؤديه خلال مرحلة التحديات، مما قد يؤول إلى نتيجتين أساسيتين:-
الأولى: حفز القيادة الحكيمة على المزيد من القرارات الاقتصادية التي تصب في السياق ذاته ليقينها أن ذلك سيصب في مصلحة المواطن ويعم جميع شرائح المجتمع في نهاية المطاف.
الثانية: تعزيز القدرة التنافسية للقطاع الخاص محلياً وإقليميا وعالمياً انطلاقاً من تخفيض تكاليف الإنتاج، وبالتالي كسب القطاع الخاص مساحات أكبر في السوق المحلي والإقليمي والعالمي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي