المواطن السعودي والدعم الحكومي

<a href="mailto:[email protected]">t-hafiz@hotmail.com</a>

من المعروف أن الشعب السعودي من بين الشعوب القلائل جداً على مستوى العالم الذي ينعم باحترام وباهتمام وبتقدير حكومته, والشواهد على ذلك عديدة, وقد لا يتسع ذكر جميعها في هذا المقام. ولكن لعلي أستشهد ببعض منها, التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر ما تقدمه الحكومة من تسهيلات في شكل دعم مباشر وغير مباشر إلى أفراد المجتمع السعودي بمختلف شرائحه وطبقاته, التي تأتي في مقدمتها وعلى رأسها تقديم التعليم والرعاية الصحية المجانية للمواطنين السعوديين وتجنيب مبالغ طائلة سنوياً من الموازنة العامة للدولة للإنفاق على توسعة المرافق التعليمية والصحية, بحيث تمكنها من استيعاب أكبر عدد ممكن من المواطنين, ولا سيما في ظل النمو المطرد الذي تواجهه الحكومة السعودية في عدد السكان عاما بعد عام. ولعل ما يؤكد صحة ذلك على المجال الصحي أن بلغ إجمالي عدد المستشفيات في المملكة 338 مستشفى تضم 48761 سريراً, كما قد بلغ عدد مراكز خدمات الرعاية الصحية الأولية 1804 مراكز.
من بين إحدى وسائل الدعم المباشر العديدة التي قدمتها الدولة للمواطن خلال الفترة الماضية قروض الإسكان الحكومية التي قد أسهمت في بناء نحو 300 ألف وحدة سكنية خلال خطة التنمية السابعة, مول منها صندوق التنمية العقارية نحو 60 ألف وحدة. وتجدر الإشارة في هذا الخصوص إلى التوجيهات السامية عام 2004 بشأن زيادة رأسمال صندوق التنمية العقارية بمبلغ تسعة مليارات ريال من فائض الميزانية بهدف مواجهة الزيادة المطردة في الطلب على قروض الصندوق بما في ذلك تقليص مدة الانتظار, وبالتحديد الفجوة بين الطلبات المقدمة والطاقة الاستيعابية للصندوق, ولا سيما في ظل تنامي عدد طلبات التمويل التي ينتظر البت فيها, والتي تقدر بنحو 400 ألف طلب بنهاية الخطة المذكورة نفسها.
وعلى صعيد الدعم الصناعي فقد أسهمت الحكومة من خلال صندوق التنمية الصناعية السعودي في تمويل إنشاء نحو 489 مصنعاً جديداً بلغ حجم تمويلها من قبل القطاع العام بمشاركة القطاع الخاص نحو 25 مليار ريال, ليرتفع بذلك عدد المصانع المنتجة إلى نحو 3652 مصنعاً عام 2004 بحجم تمويل بلغ نحو 256 مليار ريال, وتجدر الإشارة في هذا الخصوص إلى أن عدد القروض الصناعية التي منحها الصندوق منذ إنشائه عام 1974 حتى نهاية عام 2004 قد وصل إلى نحو 2622 قرضاً بلغت قيمتها نحو 45.6 مليار ريال.
بالنسبة إلى دعم القطاع الزراعي فقد استمرت الدولة في تقديم الدعم لذلك القطاع خلال خطة التنمية السابعة في صورة قروض ميسرة وإعانات من قبل البنك الزراعي, حيث بلغ معدل القروض الممنوحة للقطاع خلال خطة التنمية السابعة نحو 1.16 مليار ريال سنوياً وهو ما يعادل نحو ضعف ما تم تقديمه خلال خطة التنمية السادسة.
توجيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الأخير للمجلس الاقتصادي الأعلى في 15 آذار (مارس) 2006 بدراسة فتح باب الاستثمار المباشر في سوق الأسهم للمقيمين في المملكة, إضافة إلى تجزئة قيمة السهم اعتبره عدد كبير من المحللين الماليين وخبراء سوق الأسهم وتعاملوا معه على أساس أنه نوع من أنواع الدعم النفسي والمعنوي والفني العلمي والعملي لإصلاح البنية التحتية للسوق الذي كان في حاجة ماسة وملحة إلى إدخال العديد من الإصلاحات الفنية الهيكلية عليه. ولعل ما يؤكد صحة ذلك أنه بمجرد الإعلان عن ذلك التوجيه تفاعل السوق إيجابياً معه وانعكس ذلك على قيمة المؤشر العام للأسهم الذي بدأ خلال ثلاث دقائق فقط من إصدار التوجيه يستعيد قواه ويلتقط أنفاسه بعدما كان يواجه هبوطا حادا في قيمته استمر أكثر من أسبوعين من الوقت قبل صدور التوجيه, الأمر الذي أفقد المؤشر نحو أربعة آلاف نقطة.
جميع أشكال الدعم المذكورة أعلاه, المباشرة وغير المباشرة, التي تقدمها الدولة للمواطن, تحتم علينا كمواطنين التعامل معها من منطلق الإحساس بالمسؤولية تجاهها, ولا سيما أن جميع أنواع الدعم تلك, وغيرها استهدفت من خلالها الحكومة راحة المواطن ورفاهيته. ولعلي أؤكد في هذا الخصوص أن توجيه الملك الأخير لإصلاح سوق الأسهم لا يعني بالضرورة, من وجهة نظري, أن يتخلى المستثمر في السوق عن مسؤوليته المرتبطة بتوخي الحذر الشديد عند الإقبال على الاستثمار في سوق محفوف بالمخاطر العالية كالاستثمار في سوق الأسهم, كما أنه من المفترض ألا يتوقع المستثمر أن تتدخل الدولة في كل مرة يتعرض فيه السوق لحالات تصحيح في الاتجاه المعاكس لنمو السوق, حيث إن مثل ذلك التدخل في بعض الأحيان قد يتنافى مع قوانين حرية التجارة ونظريات السوق المفتوح. ولعل ما يؤكد صحة ذلك ما ورد في مقال للدكتور عبد العزيز العريعر الذي نشر في جريدة "الجزيرة" في العدد 12225, الذي ألمح فيه إلى انتقاد بعض المتعاملين في سوق الأسهم حديث وزير المالية عن سوق الأسهم حيث كانوا ينتظرون أن يقول الوزير إن الدولة ستشتري أسهمهم وسوف تنفق الأموال للتدخل في السوق خلال الحركة التصحيحية القاسية التي تعرض لها خلال شهر آذار (مارس) 2006 غير مدركين أن وزير المالية مسؤول عن المال العام ولا يمكنه الموافقة على استعمال الأموال العامة لحماية أموال خاصة أو تبني هذا الاتجاه لأنه محظور في جميع الدول المتقدمة ولا يحق للسلطات المالية في تلك الدول التدخل لحماية المستثمرين من جراء قراراتهم الاستثمارية التي اتخذوها بملء إرادتهم.
خلاصة القول إن البيئة الاقتصادية العالمية المفتوحة والمناخ الاستثماري الدولي الحر اللذين تعمل تحت مظلتهما المملكة العربية السعودية ووفق قوانينهما وتشريعاتهما وتنظيماتهما قد لا يمنحان الحكومة ولا يتيحان لها في المستقبل الكثير من المرونة للتدخل لحماية السوق من خلال التأثير في الآليات التي تحكم اتجاهاته المتمثلة في قوى العرض والطلب, ولا سيما في ظل انضمام المملكة الأخير إلى منظمة التجارة العالمية WTO التي تحدد أنواع وأشكال الدعم المسموح وغير المسموح به من خلال ما يعرف بصناديق الدعم الأحمر والأزرق والأخضر والأصفر. وبالله التوفيق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي