حقيقة التنظيم الدولي للإخوان المسلمين
<a href="mailto:[email protected]">drashwan59@yahoo.com</a>
منذ وقوع هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001 على واشنطن ونيويورك والعالم تجتاحه موجة واسعة من الحديث عن سمة جديدة قيل إنها أضحت ملازمة لمعظم الظواهر والقضايا، وهي سمة "الدولية". فالإرهاب أضحى وفقاً لتلك الموجة "دولياً"، وكذلك الحرب ضده أصبحت أيضاً "دولية"، وبين الإرهاب والحرب عليه التصقت صفة "الدولية بجميع القضايا والظواهر المرتبطة بهما وفقاً لتلك الموجة، مثل التعاون "الدولي" لوقف تمويل الإرهاب والمواجهة الإعلامية "الدولية" له وشبكات التمويل "الدولي" للإرهاب.. وغير ذلك من قضايا وظواهر. ولم تتوقف موجة الحديث عن ذلك الطابع الدولي عند ظاهرة الإرهاب ومواجهتها، بل امتدت إلى قضايا أخرى في التفاعل الدولي مثل قضية غزو العراق التي سعت ـ ولا تزال ـ الإدارة الأمريكية إلى تحويلها لقضية ذات طابع "دولي" حسب التفسير الأمريكي لتلك الدولية بمعنى موافقة العالم كله على الإجراءات الأمريكية الأحادية المتخذة تجاه العراق وفي مقدمتها غزوه بدعوى أنه كان يمثل خطراً "دولياً" على العالم الذي يجب أن يؤيد إجراءات واشنطن من تلك الزاوية "الدولية".
وضمن ذلك السياق التالي لهجمات سبتمبر وتلك الموجة العاتية من الحديث عن "دولية" كل شيء وأي شيء، بدا منطقياً أن يمتد بصور مختلفة ومكثفة إلى حركة الإخوان المسلمين مصرية المنشأ في نهاية العشرينيات وعالمية الوجود والانتشار في الوقت الحالي. ولأن السياق المشار إليه تميز بخصائص أمنية وعسكرية وسرية لمعظم الظواهر والقضايا التي اصطلح على إضفاء صفة "الدولية" عليها، فقد تمت إثارة قضية الطابع العالمي لحركة الإخوان المسلمين بما يضفي عليها تلك الخصائص نفسها، ومن هنا بدأ الحديث من جديد مكثفاً وواسعاً حول التنظيم "الدولي" للإخوان المسلمين، وليس مثلاً حول "الطبيعة العالمية" لتلك الحركة. ومن اللافت في ذلك الحديث أن كل من تطرقوا إليه كانوا يبدءونه بالتأكيد على أن وثيقة إنشاء ذلك التنظيم قد تم التوقيع عليها عام 1982، من دون أن يفسروا لنا ـ أو يبرروا لأنفسهم ـ لماذا اندلع النقاش فجأة حول ذلك التنظيم "الدولي" بعد أكثر من 20 عاماً من إنشائه. ومما يؤكد ذلك الاستنتاج أن تلك الأعوام الـ 20 قد شهدت تولي أربعة مرشدين عموميين جدد للحركة بدءاً من محمد حامد أبو النصر عام 1986، ولم يثر الحديث عن ذلك التنظيم الدولي سوى بعد وفاة المرشد الخامس للحركة مصطفى مشهور في تشرين الأول (أكتوبر) 2002 وتولي المستشار مأمون الهضيبي المنصب من بعده ثم مرة أخرى مع وفاة الأخير وتولي محمد مهدي عاكف منصبه في كانون الثاني (يناير) عام 2004، وذلك على الرغم من أن المرشد الخامس هو الذي ينسب إليه التوقيع باسم المرشد العام حينئذ ـ الشيخ عمر التلمساني ـ على وثيقة إنشاء التنظيم الدولي عام 1982.
إذاً يبدو واضحاً في ظل ذلك أن أي حديث جدي عن التنظيم الدولي لحركة الإخوان المسلمين لا بد أن يعي طبيعة السياق الذي يتم فيه وما يمكن أن يتسرب منه ـ بحق أو بغير حق ـ إلى رؤية وتحليل حقيقة ذلك التنظيم وما يتسم به من خصائص وما يقوم به من أدوار. والحقيقة أنه لا الإخوان أنفسهم ولا أي محلل محايد يستطيع أن ينفي حقيقة وجود التنظيم الدولي لجماعة الإخوان والذي بلور قيامه التوجه الأصلي الذي كان ملازماً للجماعة منذ قيامها وهو أن تتحول الجماعة إلى كيان ذي طبيعة عالمية. بل ويذهب بعض الدارسين لتاريخ الجماعة إلى القول إن هذا الإلغاء للخلافة العثمانية على يد مصطفى كمال أتاتورك عام 1924 كان هو الدافع المباشر لإنشاء الجماعة بعده مباشرة في سعي من مؤسسيها وعلى رأسهم حسن البنا لتعويض غياب الخلافة التي ألغيت قبل أربع سنوات فقط من تأسيس الجماعة عام 1928. وقد تبلور أكثر هذا النزوع الدولي من مؤسس الجماعة في بداية الأربعينيات بتأسيسه قسم الاتصال بالعالم الإسلامي الذي كانت مهمته نشر أفكار الجماعة وعضويتها في مختلف دول العالم الإسلامي وبخاصة عبر الطلاب القادمين منها للدراسة في مختلف الجامعات المصرية وبخاصة جامعة الأزهر.
من هنا فإن وجود طابع عالمي لجماعة الإخوان هو جزء أصيل فيها منذ قيامها، وهو ما يبرر قيام التنظيم الدولي عام 1982، والذي يمكن رده إلى عامل آخر مهم وهو التراجع الذي أصاب الجماعة في مصر منذ عام 1981 مع اغتيال الرئيس السادات، فلم تجد أمامها سوى التوجه إلى الخارج عبر إنشاء هذا التنظيم الدولي. ومع ذلك فقد أوضحت تطورات الأعوام العشرين التي تلت قيام التنظيم الدولي أن مكانته ودوره قد تراجعا كثيراً وبخاصة بعد تغير ظروف الجماعة في مصر وتفتحت أبواب كثيرة أمامها للعمل شبه القانوني وتقدمها على كثير من الأصعدة السياسية والشعبية. ومع ذلك أيضاً فقد ظل الطابع العالمي للجماعة قائماً حتى اليوم، وهو يتلخص في وجود فروع للجماعة في نحو 50 دولة على مستوى العالم يخضع كل منها إلى قيادة وطنية محلية تقرر حسب ظروف الواقع المحيط بها استراتيجية عملها ومحاوره الرئيسية. ويظل الدور المركزي العالمي في ظل ذلك منوطاً بهيئات الجماعة القيادية وهي المرشد العام ومكتب الإرشاد ومجلس الشورى العام، حيث تضع الخطوط العامة شديدة الاتساع لرؤية الجماعة وتحركها مع تحرك حرية الحركة التفصيلية شبه كاملة للقيادات الوطنية المحلية لفروع الجماعة. بذلك فإن الحديث عن "التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين" خلال الفترة الأخيرة لا يعبر عن حقيقة قائمة بقدر ما يعكس مناخاً سياسياً وإعلامياً عالمياً يروج لفكرة وجود كيانات وتجمعات وأنشطة "دولية" وبخاصة ذات طابع إسلامي، بما قد يبرر أيضاً الاستراتيجيات والأنشطة "الدولية" أيضاً في مواجهتها باعتبارها "خطراً يهدد العالم"، وهي تلك التي تقودها اليوم الولايات المتحدة الأمريكية.