"أمن الطاقة".. وسوق الأسهم .. ودور السعودية

<a href="mailto:[email protected]">a@aalhajji.com</a>

ما هو أمن الطاقة؟ ليست هناك إجابة محددة حتى يومنا هذا. فمفهوم "أمن الطاقة"، إن وجد في الواقع، "أميبي" يتغير بتغير الزمان والمكان والمصالح والأفراد وغيرها من الأمور القانونية والإدارية. إنه لا يقتصر على الدول المستهلكة للنفط، بل يمتد إلى الدول المنتجة أيضاً. هناك على الأقل 17 تعريفاً مختلفاً تضمنتها دراسات الطاقة المختلفة منذ بدايات السبعينيات. بناء على بعض هذه التعريفات، وبعد التطورات الأخيرة في سوق الأسهم في السعودية، اكتسب أمن الطاقة في السعودية بعداً آخر لم يكن مألوفاً من قبل: نظراً للأهمية الاقتصادية والسياسية لسوق الأسهم في السعودية، فإن أمن الطاقة في دولة منتجة مثل السعودية يرتبط ارتباطاً كبيراً بسوق الأسهم بسبب علاقة سوق الأسهم بأسعار النفط من جهة (مع العلم أن هذه العلاقة غير واضحة حتى الآن، ولا يمكن معرفتها إلا بعد عقد من الزمن على الأقل)، وتداول أسهم شركات الطاقة المتمثلة في شركات الكهرباء والبتروكيماويات وشركات توزيع المحروقات من جهة أخرى. فانخفاض أسعار النفط يهدد سوق الأسهم، كما يهدد الاقتصاد الوطني، لذلك فإن أمن الطاقة السعودي يتطلب أسعاراً للنفط أعلى من حد معين، تماماً كما تتطلب اقتصادات الدول المستهلكة أسعارا لا تتجاوز حدوداً معينة، ألا تعرض أمن الطاقة فيها للخطر. من هذا المنطلق، فإن مفهوم أمن الطاقة السعودي اتخذ بعداً اقتصادياً جديداً لم يكن موجوداً من قبل. ومن هذا المنطلق, يمكن ربط خريطة الطريق للطلب على النفط التي تتطالب فيها السعودية بسوق الأسهم وبالوضع الاقتصادي في السعودية، ثم ربط ذلك بمفهوم الأمن الوطني والقومي. الفكرة نفسها تنطبق على الدول الأخرى سواء كانت منتجة أم مستهلكة.

تعريف أمن الطاقة
يرى فيتو استاغليانو، الذي كان يشغل منصب وكيل نائب وزير الطاقة الأمريكي في عهد جورج بوش (الأب) ثم باحثاً في معهد رسورسيز فور ذ فيوتشر، أن أمن الطاقة مفهوم فارغ يستخدم لتشجيع سياسات سيئة لخدمة مصالح بعض السياسيين. ويرى جون ليمان، نائب الرئيس السابق لشركة أمَكو الأمريكية، أن "الحفاظ على أمن الطاقة الأمريكي يتطلب اقتناع الآخرين بدعم الولايات المتحدة حرية التجارة والاعتماد على قوى السوق في أنحاء العالم كافة". أما المفهوم الرسمي لإدارة الرئيس بوش لأمن الطاقة فقد عبر عنه ما يعرف بـ "تقرير تشيني" بأنه استمرار الإمدادات من مصادر موثوقة بأسعار معقولة بشكل مقبول بيئياً. أما الخبراء الأكاديميون في الجامعات الأمريكية فقد عرفوا أمن الطاقة بأنه "استمرار الإمدادات من دون تقطع بأسعار معقولة". هذه أربعة مفاهيم مختلفة لأمن الطاقة في الولايات المتحدة فقط، فكيف لو نظرنا إلى هذا المفهوم حول العالم؟ في عام 1989 عرف هشام ناظر وزير البترول والثروة المعدنية السابق، في خطاب ألقاه أمام أعضاء جمعية منتجي النفط المستقلين في الولايات المتحدة، أمن الطاقة بأنه "دعم وحفظ إمكانية الوصول إلى النفط في الأماكن التي يوجد فيها بغزارة".
ومع تطور العلاقات بين منتجي النفط ومستهلكيه، ثم إنشاء الأمانة العامة لمنتدى الطاقة في الرياض، تطور مفهوم أمن الطاقة ليشمل أمن الطلب والعرض، كما تم التوصل إلى بديهة هي أن أمن الطاقة مسؤولية مشتركة بين المنتجين والمستهلكين. وبعد حادثة 11 أيلول (سبتمبر) والهجمات الإرهابية على المنشآت النفطية في المملكة، تطور مفهوم أمن الطاقة ليشمل أمن المنشآت النفطية وأمن أجزائها كافة. ثم تطور المفهوم مرة أخرى بعد إعصاري كاترينا وريتا ليشمل أمن الإمدادات والمنشآت النفطية المتعلق بالعوامل الطبيعية. رغم ذلك إلا أننا حتى اليوم ليس لدينا مفهوم واضح لأمن الطاقة.

دور السعودية ودول الخليج
إذا كان أمن الطاقة مفهوماً حقيقياً يجب التعامل معه فإنه تجب معرفته عن طريق تعريفه ومعرفة خواصه ثم قياسه وتقييمه على مدار السنة. في هذه الحالة فقط يمكن لأي دولة أن تتخذ السياسات الصحيحة لتفادي أزمة طاقة. إن توضيح هذا المفهوم قد يلغي الرأي الآخر القائل إنه "مفهوم فارغ", لأن التوضيح والقياس سيمنعان السياسيين الغربيين من التلاعب فيه واستخدامه لأغراضهم الخاصة، التي يتضمن بعضها العداء للدول المنتجة للنفط، خاصة السعودية. لذلك فإنه من صالح السعودية وبقية دول الخليج أن تتحاور مع الدول المستهلكة. ومن صالحها أن تساعد هذه الدول على الوصول إلى مفهوم سليم لأمن الطاقة المتعدد الأبعاد. إن مطالبة الدول المستهلكة للدول المنتجة بخريطة للعرض أو تطوير الطاقة الإنتاجية ورد الدول المنتجة عليها بأنها تريد "خريطة للطلب" لن يعزز من الحوار، ولن يساعد أي منهما على الوصول إلى نتيجة تخدم الطرفين. بدلاً من تبادل الاتهامات والمتطلبات، يجب اتخاذ خطوات قيادية فعالة نحو توضيح مفهوم أمن الطاقة وخلق معايير علمية لقياسه في الدول المستهلكة. إن مساعدة السعودية هذه الدول على تعريف وقياس أمن الطاقة هو الحل الذي سيسهم في تعزيز العلاقات بين الطرفين، كما قد يسهم في استقرار أسواق النفط .. نسبياً. إن وجود قاعدة بيانات "جودي" لن يسهم في استقرار أسواق النفط إلا إذا تم استخدام هذه البيانات في خلق معايير تسهم في معرفة الوضع الحقيقي للسوق. والوضع الحقيقي للسوق يتطلب خلق معايير لأمن الطاقة كيلا يتاح للسياسيين في الغرب التلاعب في المفهوم والبيانات بما يخدم مصالحهم الخاصة. المشكلة، بل أم المشاكل، إذا كانت البيانات في "جودي" غير صحيحة" أو مشكوك فيها. في هذه الحالة على "أمن الطاقة" السلام.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي