الجولة الاقتصادية للرئيس الصيني

<a href="mailto:[email protected]">jasim.husain@gmail.com</a>

اكتسبت جولة الرئيس الصيني هو جينتاو التي حملته إلى خمس دول في ثلاث قارات, أهمية خاصة فيما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية للمارد الآسيوي. بدأ الرئيس الصيني جولته بزيارة الولايات المتحدة وذلك على خلفية تكرار حالات توتر العلاقات التجارية بين القطبين, ومن ثم طار جينتاو جوا من واشنطن إلى الرياض وذلك في دلالة واضحة للأهمية التي توليها الصين لعلاقاتها الاقتصادية المتطورة بالمملكة العربية السعودية. وبعد ذلك واصل الزعيم الصيني جولته بزيارة ثلاث دول في القارة الإفريقية.
حسب التقارير الصحافية فإن هدف جينتاو من زيارة كل من المغرب وكينيا ونيجيريا تركز حول تأمين المزيد من مصادر الطاقة للصين. المعروف أن الصين تعد ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم مباشرة بعد الولايات المتحدة. ويعتقد على نطاق واسع أن نمو الطلب الصيني يعد أحد أسباب ارتفاع ومن ثم بقاء أسعار النفط مرتفعة نسبيا في الأسواق الدولية.

الفائض التجاري مع أمريكا
تطرقت زيارة جينتاو إلى الولايات المتحدة لمناقشة السبل الكفيلة لحل التوترات التجارية المتكررة بين واشنطن وبكين. فلدى أمريكا العديد من الأسباب للضغط على الصين وفي مقدمتها العجز التجاري. فحسب أرقام وزارة التجارة الأمريكية لعام 2005 , بلغت قيمة الصادرات الصينية إلى أمريكا 244 مليار دولار مسجلة زيادة قدرها 24 في المائة في غضون سنة واحدة. في المقابل بلغت قيمة الصادرات الأمريكية إلى الصين 42 مليار دولار مسجلة زيادة قدرها 21 في المائة في غضون سنة واحدة. وبناء على ذلك, تمتعت الصين بفائض قدره 202 مليار دولار العام الماضي. الجدير ذكره أن العجز التجاري لأمريكا بلغ 805 مليارات دولار عام 2005, ما يعني أن الصين مسؤولة عن ربع هذا العجز.

تقويم العملة الصينية
وفي ظل هذا العجز الضخم لا توجد غرابة في ظهور أصوات من داخل الكونجرس الأمريكي مطالبة بفرض إجراءات حمائية ضد الواردات من الصين أو على أقل تقدير الضغط على بكين لتقويم قيمة عملتها. حقيقة يطالب العديد من الساسة وعلى الخصوص أعضاء من الحزب الديمقراطي المعارض بفرض ضرائب على الواردات الصينية في حال فشل الضغوط الرامية إلى فتح الأسواق الصينية أمام المنتجات الأمريكية. في المقابل يرفض الرئيس جورج بوش اتخاذ إجراءات حمائية ضد الواردات الصينية لأسباب عقائدية. فالرئيس بوش هو زعيم الحزب الجمهوري المحافظ والمؤيد للانفتاح التجاري على مستوى العالم (لاحظ دعوته لتأسيس منطقة للتجارة الحرة في منطقة الشرق الأوسط بحلول عام 2013). وعلى هذا الأساس يلاحظ أن إدارة بوش تميل إلى الضغط على الحكومة الصينية بطرق أخرى مثل تقويم عملتها الوطنية (الياون). وتكمن الحجة في أن القيمة المتدنية (الدولار الأمريكي يساوي ثمانية ياون) لا تعكس بالضرورة حقيقة القوة الاقتصادية للصين. بمعنى آخر, فإن انخفاض قيمة العملة الصينية يساعد على الحد من الواردات, الأمر الذي يجعل السلع الأجنبية مكلفة وبالتالي ليست في متناول المستهلكين الصينيين. في المقابل يشكل تدني قيمة العملة حافزا للمصدرين الصينيين في نشر سلعهم في أنحاء العالم كافة.
وحسب التقارير الصحافية لم ينجح الطرف الأمريكي في فرض شروطه التجارية على الجانب الصيني, لكن من المتوقع أن تقدم السلطات الصينية على تقديم تنازلات للولايات المتحدة على الأصعدة الأخرى, خصوصا الصعيد السياسي. مثلا يتوقع ألا تقف الصين حجر عثرة أمام المبادرات الأمريكية في مجلس الأمن فيما يخص التعاطي مع أزمة الملف النووي الإيراني. أيضا تستغل واشنطن مسألة التبادل التجاري مع بكين للحصول على تأييد صيني لحل أزمة الملف النووي لكوريا الشمالية.

النفط أولا
وشكلت السعودية المحطة الثانية لجولة الرئيس الصيني. وأفادت التقارير الصحافية أن هو جينتاو تباحث مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود حول العديد من المسائل الاقتصادية من بينها تعزيز فرص حصول الصين على مصادر الطاقة. على سبيل المثال وليس الحصر تحدثت الأنباء عن عرض صيني يدعو إلى إنشاء مخزون تجاري للنفط في الصين. يندرج الاقتراح في إطار خطة صينية للتأمين الاستراتيجي للنفط. أيضا جرت مباحثات لإقامة مشاريع مشتركة للمنتجات النفطية والمشتقات البتروكيماوية في الصين. من جهة أخرى, كان لافتا موافقة مجلس الشورى على مشروع اتفاقية لتجنب الازدواج الضريبي بين المملكة والصين الشعبية. ولا شك في أن مقترح إنشاء مخزون استراتيجي من النفط السعودي على الأراضي الصينية فضلا عن المشاريع النفطية والبتروكيماوية الأخرى في حاجة إلى تنفيذ دراسات الجدوى قبل اتخاذ القرارات النهائية.
ختاما حظيت جولة الرئيس الصيني على اهتمام وسائل الإعلام في العالم نظرا لما تمثله الصين من أهمية اقتصادية على الصعيد الدولي. فنسبة النمو الاقتصادي الحقيقي (أي بعد الأخذ في عين الاعتبار عامل التضخم) في الصين تراوح في حدود 12 في المائة سنويا. والمعروف أن نحو مليار و300 مليون شخص يعيشون في الصين ما يعني وجود قوة اقتصادية ضاربة في بلد التنين. باختصار هناك مصلحة اقتصادية متبادلة بين دول العالم والصين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي